عادت فضائح إساءة معاملة العاملات الآسيويات في المملكة إلى الواجهة وأثارت المزيد من الانتقادات وسط تجاهل تام من نظام آل سعود لتطوير القوانين التي تحد من ذلك.
وقد دعت حكومة دكا إلى إعادة عاملة بنغلادشية من المملكة نشرت مقطع فيديو مؤثر تزعم فيه تعرضها لاعتداء جنسي، مسلطة الضوء على الاستغلال الذي تعاني منه العمالة الآسيوية في المملكة.
وزعمت العاملة البنغلادشية سومي أكتير في مقطع فيديو نشرته على فيسبوك وتمت مشاركته آلاف المرات تعرضها ل”اعتداءات جنسية بلا رحمة” من قبل أرباب عملها السعوديين، ما أثار احتجاجات في دكا ضد ما يتعرض له العمال هناك.
وقالت أكتير البالغة 25 عاما “ربما لن أعيش لفترة أطول. أرجوكم أنقذوني، لقد سجنوني لمدة 15 يوما وبالكاد قدموا لي أي طعام. لقد أحرقوا يدي بالزيت الساخن”.
ومنذ عام 1991 سافرت نحو 300 ألف امرأة بنغلادشية للعمل في المملكة، وفقا لوزارة رعاية المغتربين. وتمثل تحويلات هؤلاء العاملات القدر الأكبر من الأموال التي تدخل بنغلادش.
ودعت الحكومة البنغلادشية الوكالة الرسمية المسؤولة عن تصدير اليد العاملة الى إعادة أكتير إلى الوطن “في أسرع وقت”.
وأعلن المتحدث باسم الحكومة أتيكور رحمن أن دكا تعتزم اتخاذ اجراءات صارمة ضد شركات التوظيف العشوائية، وسط مزاعم بأن هذه الشركات تسيء معاملة العاملات وتبيعهن لوسطاء.
وصرح وزير الخارجية آي كاي عبد المؤمن أن السعودية أقرت بتعرض البعض لإساءات. وظهر فيديو أكتير بعد استرجاع جثمان العاملة نظمة بيغوم في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وقال ابنها رجب حسين ان والدته بيغوم البالغة 42 عاما اتصلت به مستغيثة مرارا قبل وفاتها لتطلب انقاذها بعد ادعاء تعرضها للتعذيب، مضيفا أنها توفيت بسبب مرض لم تتم معالجته.
وقالت المرأتان انهما وعدتا بالعمل في احد المستشفيات، لكن تم خداعهما وارسلتا للعمل كخادمات في المنازل.
وقالت الجمعية الحقوقية البنغلادشية التي تعنى بالعمال المهاجرين “أوفيباشي كارمي اونايان بروغرام” الشهر الماضي ان 61 بالمئة من 110 نساء تمت مقابلتهن بعد عودتهن من الخارج، والعديد منهن عدن من السعودية، ادعين تعرضهن لإساءات.
وأضافت الجمعية أن 14 بالمئة قلن انهن تعرضن لإساءات جنسية.
وأفادت إحدى أكبر المؤسسات الخيرية في العالم “بي آر آي سي” انه تمت استعادة 48 عاملة هذا العام وحده من السعودية.
وسبق أن أكد تقرير حقوقي دولي أنّ إقرار سلطات آل سعود جملة من القرارات في الآونة الأخيرة ضد العمالة الوافدة ساهم في تدهور الحالة الإنسانية والمعيشية والحقوقية لأولئك العمال الأمر الذي يتناقض مع اتفاقية العمل الدولية.
وانتقد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في تقرير له، أوضاع العمالة الأجنبية في المملكة والظروف الإنسانية والحياتية المحيطة بهم، والانتهاكات التي يتعرضون لها من أرباب العمل، والسلطات الحاكمة من خلال القوانين المعمول بها في المملكة العربية السعودية، والتي تمثل الغطاء الحقيقي لانتهاك حقوق العمال لديها، خاصة العمالة الوافدة والتي تتناقض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية واتفاقية العمل الدولية التي كفلت الحقوق للعامل.
وذكر التقرير الذي حمل عنوان “العمالة في السعودية بين مطرقة الانتهاكات وسندان الحاجة” أن تلك الممارسات والانتهاكات دفعت عشرات الآلاف إلى ترك العمل ومغادرة المملكة، إذ أظهرت أرقام جهاز الاحصاء السعودي تراجع أعداد العاملين الوافدين في المملكة من 12 مليون خلال عام 2017 إلى 10 ملايين عامل خلال العام الجاري.
ووفق التقرير فإن قرارات سلطات آل سعود -شملت زيادة قيمة رسوم الإقامة للعامل وأفراد أسرته، وسياسة الترحيل القسري- ساهمت في تدهور الحالة الإنسانية والمعيشية والحقوقية لأولئك العمال.
ونبه إلى أن مجموع ما يتقاضاه العامل الأجنبي في المملكة خلال هذا الوقت أصبح لا يكفي إلا سداد رسوم الإقامة وتوفير الخدمات الأساسية له ولأسرته.
وأكد الأورومتوسطي أن غياب الرقابة القانونية الحقيقية للسلطات السعودية على المؤسسات التي تشغّل العمال الأجانب أدى إلى زيادة تلك الانتهاكات، وجعلهم فريسة للجهات المتنفذة داخل المملكة أيضاً.
وأوضح أن حرمان العمال من رواتبهم لأشهر طويلة والتباطؤ المتعمد من أرباب العمل في استخراج بطاقات الإقامة لهم إجراء تهديدي من أصحاب العمل للضغط عليهم للرضوخ لشروطهم غير الإنسانية مخافة الطرد والترحيل إلى خارج البلاد.
وتناول التقرير ظروف الاحتجاز والترحيل للعمال غير النظاميين الذين فقدوا حقهم بالعمل داخل المملكة لأسباب لا تتعلق بهم، بل بتباطؤ الكفلاء في تجديد أوراقهم وتصويب أوضاعهم القانونية.
ووثق التقرير توقيف المئات من أولئك العمال الأجانب في أماكن احتجاز غير مؤهلة لاستقبال ذلك العدد الكبير منهم دون الاكتراث للظروف الخاصة عند بعض العمال ككبار السن والأطفال والمرضى.
ومن خلال شهادات جمعها الأورومتوسطي، ُحرم عشرات العمال المحتجزين من الرعاية الطبية، كما فصلت إدارة تلك المراكز العائلات عن بعضها، إذ تم فصل العديد من الأطفال عن أمهاتهم داخل مراكز الاحتجاز.
ويوجد في المملكة ثلاثة أنظمة وقوانين أساسية تنظم العمالة الأجنبية داخل المملكة وهي قانون العمل السعودي وقانون الإقامة وقانون أمن الحدود وبعض الأوامر والمراسيم الملكية التي حددت آليات استقدام العمال الأجانب وكيفية إقامتهم والحقوق والواجبات الملقاة على عاتقهم.
لكن الأورومتوسطي توصل في تقريره إلى أن سلطات آل سعود تلتزم بتطبيق جانب الجزاءات والعقاب بحق العمال الأجانب -حتى دون مخالفتهم لتلك القواعد- دون أن تنصفهم وتمنحهم الحقوق المنصوص عليها في تلك القواعد، ومن قبلها المواثيق الدولية التي كفلت حقوق العامل في الراتب والمعاملة الحسنة وعدم الملاحقة وحق التوجه للقضاء وتوكيل محامٍ.
من جهة أخرى، رصد الأورومتوسطي جملة من الانتهاكات التي تتعرض لها النساء العاملات داخل المملكة خاصة اللواتي يعملن خادمات داخل المنازل، إذ يشكل هذا القطاع النسبة الأكبر للعاملات داخل السعودية.
وبحسب المرصد الحقوقي الدولي فإن كثيرًا من العاملات تعرضن للتعذيب والإهانة والاعتداء الجسدي من قبل أصحاب المنازل في تجسيد حقيقي لانتهاك أبسط القيم الإنسانية والقانونية التي كفلها القانون والعرف الدولي.
من جانبه، قال الباحث القانوني في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان “محمد عماد” إن ممارسات نظام آل سعود تجاه العمالة الأجنبية تنتهك أبسط الحقوق الإنسانية والقانونية التي كفلها القانون والعرف الدولي، ومنها الحياة الكريمة والحق في العمل في بيئة آمنة دون تقييد أو ملاحقة.
وأضاف “عماد” أن نصوص الاتفاقيات ضمنت بما لا يدع مجالا للشك هذا الحق وأهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والاتفاقية الخاصة بالعمل.
وشدّد الأورومتوسطي على ضرورة الإسراع في وقف الانتهاكات التي تستهدف العمالة الوافدة وعلى رأسها نظام الكفالة الذي يفرض رسوما مرتفعة على العمال بما لا يتناسب مع الأجور التي يتلقونها، داعياً في الوقت ذاته السلطات السعودية إلى تفعيل نظام الشكوى وفرض جزاءات على أصحاب العمل السعوديين الذين ينتهكون حقوق العمال الأجانب لديهم.
كما طالب المرصد الحقوقي الدولي منظمة العمل الدولية بالتدخل السريع وتشكيل لجنة لتقييم أوضاع العمل والعمال داخل المملكة ووضع خطوات حقيقية تلتزم بها السلطات الحاكمة في تعاملها مع العمال الأجانب بما يضمن لهم الحصول على حقوقهم الأساسية التي كفلها لهم القانون الدولي.