تلاحق الفضائح المدوية سياسات وعمليات جهاز استخبارات نظام آل سعود وهو ما جعلها محل سخرية واسعة بفعل انكشاف خططها وسوء إدارتها بغض النظر عن مضمونها العدائي.
وأصبحت عمليات وخطط استخبارات آل سعود محل سخرية التي يفترض أن تكون سرّية، لكنها معروفة ومتاحة للجميع، ليس للأجهزة الأمنية والمخابراتية الأخرى فحسب، بل لوسائل الإعلام أيضا.
جديد ما كشف عن تلك العمليات “السرّية” ما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، أن المخابرات الأميركية نبهت نظيرتها البريطانية لوجود خطة سعودية لمراقبة خطيبة الصحافي الراحل جمال خاشقجي، خديجة جنكيز، داخل الأراضي البريطانية، العام الماضي.
بالتزامن مع ذلك، نشر موقع ديلي بيست الأميركي قصة عن محاولة سعودية لاختطاف المعارض عبد الرحمن المطيري من الولايات المتحدة، ولكن مكتب التحقيقات الفيدرالي علم بالخطة “السرّية”، وأنقذ المطيري من مصير خاشقجي.
والعام الماضي، حذّرت المخابرات الأميركية وأجهزة أمن أجنبية ثلاثة من أصدقاء خاشقجي من وجود خطّة سعودية للانتقام منهم، ومن احتمال تعرّضهم لتهديدات، ونصحتهم باتخاذ تدابير لحماية أجهزتهم الإلكترونية من الاختراق، وكذلك تجنّب السفر إلى دول تتمتع فيها السعودية بنفوذٍ في أوروبا وآسيا، ونقل أفراد أسرهم من هذه الدول إن وجدوا.
وحتى في جريمة اغتيال خاشقجي نفسها، تسرّبت المعلومات الخاصة بخطط نظام آل سعود، وتحدث عنها الجميع وبشكل أصبح محل سخرية بالغة.
على سبيل المثال، نقلت وسائل الإعلام أن المخابرات الأميركية رصدت نحو عشر رسائل وجهها ولي العهد محمد بن سلمان إلى مستشاره سعود القحطاني الذي أشرف على العملية بأكملها، خلال الساعات التي سبقت عملية الاغتيال والساعات التي تلتها.
كما تمكّنت المخابرات الأميركية من الكشف عن محادثة بين ولي العهد ومقرّبين منه عام 2017، يقول فيها إنه إذا لم يتمكّن من إعادة خاشقجي إلى السعودية، فإنه سيتخذ ترتيباتٍ أخرى.
ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، أخبر بن سلمان الصحافي السعودي تركي الدخيل بأنه سيقتل خاشقجي “برصاصة” إذا لم يوقف انتقاداته، وإن هذه المحادثة اعترضتها المخابرات الأميركية (سي آي إيه) ورصدتها.
وحتى وقائع عملية القتل نفسها، سجلتها الأجهزة التركية بكل تفاصيلها، بما تحتويه من حواراتٍ بين خاشقجي وقاتليه وأصبحت دليل إدانة لا يقبل الشك لبن سلمان وفريقه القاتل.
وعندما نشرت وسائل إعلام أميركية عديدة أن “سي آي إيه” خلصت إلى مسؤولية بن سلمان المباشرة عن العملية، كان الدليل الأبرز على ذلك الاستنتاج مكالمة رصدتها المخابرات الأميركية بين خالد بن سلمان شقيق ولي العهد محمد، وسفير المملكة في واشنطن آنذاك، مع خاشقجي، يخبره فيها بضرورة ذهابه إلى القنصلية السعودية في إسطنبول، للحصول على الوثائق التي يحتاجها من أجل زواجه من خطيبته خديجة، وطمأنه بأنه لن يمسّه أذى.
وأبرزت الصحف الأميركية أن خالد بن سلمان أجرى هذا الاتصال بناء على توجيهات شقيقه وذلك من أجل استدراجه لقتله داخل قنصلية المملكة.
كما كشفت “واشنطن بوست” أن “سي آي إيه” رصدت مكالمة أخرى، أجراها ماهر مطرب، المسؤول المباشر عن تنفيذ العملية، من داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، مع سعود القحطاني، أبلغه فيها بأن العملية “تمّت”.
كل هذه الأسرار والمكالمات والترتيبات فضحت علنا، في سابقةٍ غير معهودة في عالم الأمن والمخابرات.
ولم يقتصر فضح تلك الأسرار على وسائل الإعلام وأجهزة المخابرات، بل وصل الأمر إلى الأفراد العاديين، عندما تمكّن المعارض عمر عبد العزيز، من تسجيل لقاءاتٍ بينه وبين رجلين قدما من المملكة إلى كندا، بأمر من بن سلمان لإقناعه بالعودة إلى السعودية، وتهديده باعتقال شقيقه.
ووصلت مدة تلك التسجيلات إلى عشر ساعات! لم ينتبه خلالها أيٌّ من هذين الشخصين، المفترض أنهما يتمتعان بحاسّة أمنية عالية، إلى أن ما يقولانه يتم تسجيله، ولم يحاولا تأمين اللقاء بأي طريقة.
بل وحرصا، خلال تلك اللقاءات، على التأكيد على أنهما مبعوثان من ولي العهد شخصيا! وكذلك مستشاره سعود القحطاني.
ولا أحد يدري، بعد كل تلك الفضائح، سر تمسك ولي العهد بمستشاره سعود القحطاني، وأحمد العسيري، على الرغم من أنهما المسؤولان الأساسيان عن كل تلك الإخفاقات الشنيعة.
تذكّر تلك الوقائع، المفترض أن تكون سرّية ولا يعلم بها أحد، بما قام به “الشيخ حسني” في الفيلم المصري “الكيت كات” (إخراج داود عبد السيد)، عندما أذاع أسرار جيرانه وأصدقائه في الحارة التي يسكن فيها في أثناء مجلس عزاء، من دون أن يدري أن مكبّر الصوت مفتوح، وأن الجميع يستمع إليه في تلك اللحظة. يبدو أن “الشيخ حسني” هو الذي يخطّط لهذه العمليات، حتى تكون تفاصيلها السرّية مرمية على قارعة الطريق بهذا الشكل.