تتوالي فضائح الفساد المالي وصفقات مشبوهة يتورط بها كبار المسئولين في نظام آل سعود القائم على المحسوبية والرشاوي والمعاملات المالية المثيرة للجدل ما أدى إلى تبديد ثروات المملكة ودفعها لعجز مالي متصاعد في موازنتها.
وكشفت صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية عن أضخم عملية احتيال قام بها وزير سعودي مقرب من ولي العهد محمد بن سلمان بأكثر من مليار دولار.
وذكرت الصحيفة أدلة على تورط وزير العمل والتنمية الاجتماعية السعودية أحمد الراجحي في قضية الاحتيال في دبي، مشيرة في تقرير لها إلى أن الفساد الاقتصادي في دبي أصبح مصدر خوف للمستثمرين الأجانب.
وكتب الباحث الأمريكي جاريد ويتلي، الذي عمل في مجلس الشيوخ الأمريكي والبيت الأبيض وصناعة الدفاع، مقالاً في الصحيفة بعنوان: “عندما يضرب الفساد دبي”، وتطرق فيه إلى قضية تم الحكم فيها عام 2018 بشأن شركة “تعمير”، التي حكمت لصالح مؤسسها جمال عايش، رجل الأعمال الكندي، ضد شركائه السعوديين.
وقال ويتلي إن “واحدة من المشاكل التي تحول دون تطور الدول النامية هي الفساد، فعندما لا يحترم الزعماء المحتالون الصفقات مع المستثمرين الأجانب، فإن ذلك يخيف المستثمرين المحتملين في المستقبل ويترك بلادهم في حالة فقر”.
وأضاف: “للأسف، هذه ليست مشكلة لجمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية أو الدول الأفريقية الغنية بالنفط. هذه مشكلة حتى بالنسبة للدول التي تريد أن تظهر كقوة متوسطة مثل الإمارات حيث يبدو أن المستثمر الكندي كان ضحية أكبر قضية احتيال في تاريخ الشرق الأوسط”.
وذكر ويتلي أنه في الوقت الذي ترحب فيه دبي بالمستثمرين من جميع دول العالم، حيث تحاول استخدام الاستثمار لتنويع الاقتصاد بعد النفط، لكن بعض المخالفات من وزير سعودي تعرض عمل الإماراتيين للخطر.
وشرح الباحث تطورات قضية تعمير بقوله إنه من أجل المساهمة في إحداث طفرة عقارية في دبي في أوائل عام 2000، قام عايش، بتأسيس شركة تعمير القابضة للاستثمارات في دبي، بالشراكة مع أفراد سعوديين في ذروة نجاحهم في عام 2005 كأصحاب النفوذ في جميع أنحاء الخليج.
ومن بين الإخوة السعوديين الخمسة عبد الله، وأحمد الراجحي، الذي تم تعيينه قبل عام كوزير للعمل والتنمية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية ورئيس لغرف التجارة في المملكة.
وفي عام 2007، حققت الشركة نجاحًا كبيرًا، حيث قام بنك الخليج الدولي بتقييم محفظة استثماراته العقارية على أنها 5 مليارات دولار أمريكي قبل طرح عام أولي مقترح بقيمة حصة عايش البالغة 25% (1.25 مليار دولار)، وكان من الممكن أن يحقق النمو المستمر نجاحًا مذهلاً آخر في دبي.
لكن لدى الراجحي أفكارًا أخرى لحصة عايش من الشركة التي قام ببنائها. فقد قام بنقل أصول تعمير أو بيعها لشركات مملوكة له ولإخوته لهدم قيمتها الشاملة وحصة عايش ومئات الودائع التي قدمها مستثمرون أجانب.
وتشكل تصرفات الوزير الراجحي، يقول الكاتب، احتيالاً مالياً واختلاساً وتضارباً للمصالح وانتهاك الواجب الائتماني واختلاس الأصول، وكل ذلك كجزء من نمط من أنشطة الابتزاز.
وتابع الكاتب بالقول: “لا يحتاج المرء إلى استخدام كلمة “يزعم” لوصف ما حدث، لأنه تم تأكيده من قبل المحكمة العليا في دولة الإمارات عام 2018، التي عقدت لصالح عايش، ولكن الراجحي لم يكتب أي شيكات، في حين أن أبواب تعمير محاطة بشريط أصفر، ويبدو أن الإمارات ليس لديها آليات لإجبار الراجحي على القيام بذلك”.
وأشار الكاتب إلى أن الأمر يتعلق بشكل خاص بأن ذلك النهج يحدث في ظل القمع المفترض لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يزعم أنه يحارب ويقضي على الفساد بين كبار الأمراء والوزراء وكبار رجال الأعمال. ولكن نجح الوزير في تجنب هذه الحملة بنجاح حتى الآن، على الرغم من تاريخه المثير للجدل.
ونبه إلى أن القضية لها آثار أوسع بكثير لأن كلا من السعودية والإمارات ترغبان في ترسيخ نفسهما كمراكز للتجارة الدولية التي تعمل في ظل أطر قانونية سليمة واستقرار سياسي.
ولكن في الواقع، نظرًا لأن حملة محمد بن سلمان “الفاشلة” لمكافحة الفساد تفتقر إلى أي شفافية، فإن العديد من كبار أعضاء مجلس الوزراء يواصلون الفساد داخل وخارج الحدود السعودية.
وقال ويتلي إن عرقلة وزير من وزراء محمد بن سلمان للإجراءات القضائية لقضية تعمير هي أكبر قضية احتيال في تاريخ الشرق الأوسط، كما أن هناك شوطاً طويلاً سيتم قطعه لإظهار إلتزام بن سلمان بالإصلاح وإظهار السعودية للعالم بأنها مستعدة لدخول العالم الحديث.
وأوضح أنه للمساعدة في معالجة هذه المشكلة، أسس عايش مؤسسة العدالة العالمية إلى جانب المستشار القانوني للمؤسسة، المحامي العام السابق للولايات المتحدة، قاضي محكمة الاستئناف والمدعي العام الخاص كينيث دبليو ستار، ورئيس مجلس إدارة المؤسسة، المدعي الفيدرالي السابق سيدني باول، لرفع معايير أخلاقيات العمل في جميع أنحاء العالم.
وتركز المؤسسة على الحالات التي يقوض فيها الأشخاص الذين في مناصب السلطة العدالة من خلال الفساد وابتزاز الأموال والاحتيال.
وألمح ويتلي إلى أن هذه القضية توضح الحاجة إلى مزيد من الإصلاح في الإمارات إذا أرادت ضمان المستثمرين الأجانب، وبالتالي فإن الحكومة تحتاج إلى التوسع لملاحقة الجرائم المالية. وإذا لم يتمكن الإماراتيون من توفير حماية قانونية للاستثمارات أوسع، فقد لا يرغب العالم في البقاء هناك.