يعمد ولي العهد محمد بن سلمان إلى استغلال فائض الميزانية السعودية في تمويل مشاريعه الخيالية ضمن رؤيته 2030 رغم ثبوت فشلها وعدم جدواها اقتصاديا.
وقد قُدّر الفائض المالي في الميزانية السعودية للعام 2022 بـ90 مليار ريال، وهو فائضٌ هائل، لا سيما وأن السعودية تسجّل عجزاً في ميزانيتها منذ العام 2015 وحتى العام 2021.
والفائض المالي كان متوقّعاً، وإن ليس بهذا الحجم، لكنه ظهر منذ الربع الأول للعام 2022 مسجلاً 57 مليار ريال، ومبشّراً بفائضٍ أكبر؛ فكيف ظهر هذا الفائض إذاً؟ وهل فعلاً يعمل نظام آل سعود لتحسين الأداء المالي للبلاد؟
في الحقيقة، كانت الأزمة الروسية ـ الأوكرانية هي المساهم الأكبر في رفع حجم الفائض بهذا الشكل، وكما يقول المثل: “مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد”، فإن العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على روسيا، ومقاطعة النفط الروسي صبّ في صالح السعودية التي ارتفع حجم إنتاجها وبيعها للنفط، ما أدّى لرفع حجم ايراداتها وتحصيل فائض أكبر من ذاك المتوقّع عند وضع الميزانية (وُضِعت في الربع الأخير من 2021).
هذا في ما يخص الإيرادات النفطية، التي لم يكن للنظام الفضلَ في ازدهارها، بل جاءت رياح الصراعات الدولية كما تشتهي سفنهم.
الجانب المعتم من رفع حجم الإيرادات يكمن في ما يخص الضرائب، إذ ارتفعت فعلياً جميع الضرائب في العام 2022، لتنتقل حصيلة الضرائب من 63.9 مليار ريال في الربع الأول من العام المنصرم، إلى 72.7 مليار ريال في الربع الأول من العام الجاري.
هذا الارتفاع، الذي يطول بشكلٍ خاص الضريبة على القيمة المضافة كان مقرراً أن يكون مؤقتاً (تقرّر رفعه عند انخفاض أسعار النفط بين عامي 2014 و2016)، لكنّ جائحة كورونا فاقمته لترتفع الضريبة من 5% إلى 15% منتصف العام 2020 وتستمر حتى اليوم على الرغم من الارتفاع الهائل الذي شهدته أسعار النفط.
وعلى ما يبدو أن الـ 223 مليار ريال حصيلة الضرائب على السلع والخدمات للعام 2022، هو رقمٌ مغرٍ لسلطات آل سعود، يصعب التراجع عنه لا سيما وأن العودة إلى نسبة 5% -كما وعدوا الشعب- ستؤدي إلى عودة العجز في الميزانية. لذا يفضّل نظام آل سعود إنهاك المواطنين بالضرائب وتخفيض مستوى المعيشة للشعب إثر ارتفاع أسعار السلع والخدمات، على أن يخفّضوا الضريبة كما كانت الوعود فعلياً.
على الصعيد العسكري، يبدو أن آل سعود أدركوا أن حربهم العبثية ضد اليمن لا طائل منها، وأنّ اليمنيين أصلب من أن تهزمهم وحشيتهم، فقد انخفض حجم الصرف العسكري للسعودية هذا العام، ما أدى بدوره إلى تقليص النفقات والهدر المالي، وإن لم يدرك آل سعود أن مسارعتهم ولُهاثم للتسلّح يصبّ في خانة “الهدر المالي”.
وللأسف فإن أي إجراءات مالية للتوفير على الخزينة تكون محصورة غالباً بالمواطن، فيبدو أن “ضبط الإنفاق” الذي تتباهى به السلطة لا يمسّ سوى شؤون المواطنين، إذ استقرّت رواتب الموظفين على حالها.
وذلك على الرغم من الارتفاع الحاد في أسعار السلع والخدمات، وارتفعت نسبة البطالة من دون العمل على إيجاد حلول فعلية للمشكلة، كما استفحلت ظاهرة الفقر في البلاد من دون تقديم أي مساعدات من قِبل السلطة. ولعلّ كل هذه الفوضى التي تشهدها البلاد يصنّفها النظام ضمن خانة “ضبط الإنفاق”.
المُدهش أن حتى هذا الفائض الهائل الذي نتحدث عنه، لن يعود على المواطن بأي فائدة تُذكر، فسوف يتم توجيه جزء كبير منه لتنفيذ المشاريع الخيالية المخطّط لها، وسداد جزء من الدين العام المتزايد في الأعوام الأخيرة نتيجة السياسات المالية والاقتصادية غير المدروسة ( بلغ الدين العام 938 مليار ريال في العام 2021).
إذاً لقد انصرف آل سعود تماماً عن الاهتمام بأحوال المواطنين وشؤونهم المالية، منكبّين على تبديد ثروات الشعب على حروبٍ عبثية ومشاريع خيالية، من غير أن يلتفتوا للفقر الذي ينهش مناطق كاملة، والمواطنين الذين يعانون تحت ثقل الأسعار المرتفعة، وللشباب الجامعي الذي يصارع أزمة البطالة.