أبرز المعارض السعودي يحيى عسيري الأمين العام لحزب التجمع الوطني أزمة غياب المؤسسة وسيطرة الحكم الفردي في المملكة.
وقال عسيري في مقال له إنه “في بلد يفتقد للبناء المؤسسي القويم، ويقوم على رأي الفرد الواحد، الحاكم والمتصرف، فلا غرابة أن تجد نفورًا من فكرة المؤسسات، وجنوحًا للعمل الفردي”.
وأضاف “لا غرابة أن تجد خصومة مع التنظيم والمأسسة، ولا غرابة أيضًا أن ترى من يغضب من المستبد بسبب جوره وظلمه، تجده يدعي الله أن يهيئ له مستبدًا يخاف الله ويتقيه في الشعب، ولا يدعو الله بأن يهيئ له نظامًا يكفل العدالة بلا مستبد ولا حاكم مطلق”.
وأكد عسيري أن كل ما سبق يجعل بناء المؤسسات أشد صعوبة، ليس فقط في داخل المملكة حيث المنع والتضييق والمعاقبة، بل أيضًا خارج المملكة “حيث تنتقل معنا آفات سببّها لنا الاستبداد”.
وذكر أن غياب المؤسسة في السعودية “حرم الناس من العمل المؤسسي الذي يخدم مشاريع واضحة، وحرمهم من تلك الممارسة، ولم يسمح لهم إلا بالعمل في أجهزة الدولة أو شبيهاتها التي ينخرها الفساد، ويسيطر فيها الأقوى”.
وأشار إلى أن المشاريع في السعودية لا تقوم إلا لخدمة أجندات أفراد أو السلطات “فلا يشعر الناس فيها بالانتماء، بل يشعرون أنهم أدوات تنفذ فقط من أجل المرتبات دون مشاركة أو انتماء حقيقي لتلك المؤسسات”.
وقال “حيث أننا نسعى لبناء دولة الحقوق والمؤسسة لتحل محل دولة القمع والاستبداد، وحيث أن النظام قد منعنا من فعل ذلك بحرية في بلادنا، فواجبنا السعي لبنائها في الخارج”.
وفيما استعرض تأثر مؤسسات المعارضة بتداعيات سيطرة الحكم الفردي في السعودية، شدد عسيري على أن بناء المؤسسات مع صعوبته، ومع كل التعقيدات التي يمكن أن تواجهه في خلق تجانس بين فريق من النشطاء، هو أمر لا يمكن الاستهانة به.
وقال إن النجاح السريع واللحظي لا يمكن أن يغري النشطاء وهم يرون النجاح الفردي أسهل وأسرع، فلا شيء سيدفعهم لذلك إلا وجود رغبة في الاحتساب، وحس وطني قوي، وإيمان عميق بالفكرة وأهميتها.
وأضاف أن العمل الفردي “مهما كانت روعته فإنه في غالبه يتلاشى سريعًا ويخبو سريعًا بعد توقف النشاط، ونادرًا ما استمر عمل فردي لزمن طويل إلا ما ارتبط منها بعمل مؤسسي أو حول ذلك العمل لعمل مؤسسي”.
ونيه إلى أن الديمومة للمؤسسات أكبر من ديمومة أعمال الأفراد، وكلما كان العمل المؤسسي نبيلًا في أهدافه، واضحا في أنظمته وقوانينه وصارمًا بها، ومتينًا في بنيته، كلما ضمن ديمومة أطول، ليكون غير مرتبط بالأفراد ولا بتقلباتهم ولا ظروفهم.
وأبرز أن المؤسسات لا تتأثر بتغير أفكار فرد من أفرادها أو تراجعه، ولا بتعب فرد آخر وعدم قدرته على العطاء، ولا لمزاج الفرد الأوحد مهما كان هذا الفرد صادقًا ومخلصًا وعبقريًّا.
وتابع “ستهون الصعاب إذا آمن المحبون لوطنهم بذلك، وكل من اختار طريق المعارضة فالأصل فيهم حب الوطن وكره من ظلمه، وإذا استعدوا لتقديم التضحيات والتنازلات، وكل المعارضين نحسبهم أهلًا لتلك التضحيات”.
واعتبر عسيري أن أول التضحيات قد تبدأ بفراق الوطن، وتمر بالتنازل لرفاق الدرب والعمل معهم بروح الإخاء وضمن عمل جماعي مؤسسي، لنبني من هذه الصفوة التي اختارت أن ترفض الظلم، لنجمع منها من كانوا متسامحين مع اختلافاتنا، متقبلين لتقديم بعض التنازل في اختياراتنا وليس في قيمنا.
وخلص إلى أن “القيم هي ما يجمعنا فيجب ألا تفرقنا وسائل وطرق تنفيذ تلك القيم، مفرقين بين الأناركية والاستقلال، محترمين للأنظمة ولروح الفريق ولوجوب وجود نظام وترتيب، واضعين نصب أعيننا وطن حرم من تلك المؤسسات في الداخل”.