
أثار اعتقال السلطات السعودية لمعتمر مصري بعد رفعه علم فلسطين وترديده هتافات تضامنية مع سكان قطاع غزة داخل صحن الطواف في المسجد الحرام، موجة تنديد واسعة في الأوساط الحقوقية والإعلامية، وسط تحذيرات من خطورة تجريم التعبير السلمي في أقدس بقاع الأرض.
وأظهرت مشاهد مصوّرة جرى تداولها عبر منصات التواصل الاجتماعي، المعتمر وهو يقف أمام الكعبة المشرفة رافعًا العلم الفلسطيني، مرددًا بصوت مرتفع: “وا إسلاماه! أطفال غزة يموتون… يا مسلمين!”، قبل أن تبادر عناصر الأمن السعودي إلى اعتقاله سريعًا واقتياده من الموقع دون مقاومة، في مشهد صادم أثار جدلًا واسعًا بشأن حدود حرية التعبير والعبادة في الحرمين الشريفين.
وفي بيان رسمي، أعربت الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين عن بالغ قلقها إزاء هذا الاعتقال، واعتبرته “انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، وتجريمًا للتضامن الإنساني، ومسًّا بحرمة الشعائر المقدسة”.
وقال البيان: “إن السلطات السعودية ترتكب خطأ فادحًا بتحويل الأماكن المقدسة إلى ساحات مراقبة وقمع، بينما يُفترض أن تكون هذه البقاع ملاذًا آمنًا للمؤمنين من مختلف الجنسيات، تُحترم فيها مشاعرهم وحقهم في التعبير السلمي”.
وأكدت الهيئة أن التضامن مع الشعب الفلسطيني، وخاصة في ظل ما يتعرض له من حرب إبادة وحصار خانق في غزة، لا ينبغي أن يُعامَل كجريمة، مشددة على أن رفع العلم الفلسطيني أو ترديد هتاف إنساني لا يُعد “تسييسًا” للحج، بل تعبيرًا عن ألم مشترك بين الشعوب الإسلامية.
ازدواجية المعايير
انتقدت الهيئة ما وصفته بـ”ازدواجية المعايير” في التعامل مع الشعائر الدينية داخل الحرمين، مشيرة إلى أن السلطات تغض الطرف عن أنشطة سياسية ودعائية لبعض الوفود الرسمية أو المشاريع الحكومية داخل المسجد الحرام، بينما تقمع أي تعبير شعبي أو عفوي عن مواقف أخلاقية أو تضامن إنساني.
وسبق أن سجّلت الهيئة، في تقاريرها السابقة، حوادث مماثلة، من بينها اعتقال حاج بريطاني في موسم الحج عام 2023 لمجرد ارتدائه كوفية فلسطينية، ما يشير – بحسب البيان – إلى اتجاه متصاعد نحو خنق الحريات الفردية تحت غطاء “الحفاظ على قدسية الحرمين”.
مطالب عاجلة
دعت الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين إلى:
الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتمر المصري المعتقل، وضمان عدم تعرضه لأي إساءة أو ترحيل تعسفي.
وقف تجريم أي شكل من أشكال التعبير السلمي داخل نطاق الحرمين، لا سيما المتصل بالقضايا الإنسانية الكبرى كقضية فلسطين.
فتح تحقيق مستقل في الانتهاكات المتكررة لحقوق الحجاج والمعتمرين، وخصوصًا تلك المتعلقة بحرية التعبير وكرامة الزائرين.
السماح بوجود رقابة دولية مستقلة على إدارة الحرمين الشريفين، بما يضمن أن تكون هذه الأماكن المقدسة مفتوحة وآمنة لجميع المسلمين دون تمييز أو مضايقة.
خطر على وحدة المسلمين
وأكدت الهيئة أن السياسات القمعية المتكررة داخل الحرمين تمثل خطرًا متناميًا على رمزية ووحدة الأمة الإسلامية، وتحوّل الحرمين إلى أماكن خاضعة لحسابات سياسية ضيقة، لا تراعي قدسية الموقع أو مشاعر الزائرين.
كما شددت على أن تكرار الانتهاكات بحق المعتمرين والحجاج المتضامنين مع قضية فلسطين يفاقم من الاحتقان الشعبي في العالم الإسلامي، ويُعزز من المطالبات المتزايدة بإعادة النظر في آلية إدارة الحرمين وإخضاعها لمعايير دولية شفافة.
وختمت الهيئة بيانها بالقول: “لا يليق بمكة – مهبط الوحي ومهوى الأفئدة – أن تكون مكانًا تُكمم فيه الأصوات، ويُعاقَب فيه من يحمل همّ شعب مظلوم، لا سيما في وقت تشهد فيه غزة مجازر يومية وانقطاعًا في الماء والدواء والغذاء”.
ردود فعل متباينة
وفي الوقت الذي التزمت فيه الجهات السعودية الصمت حيال الحادثة حتى لحظة نشر التقرير، تتواصل ردود الفعل الشعبية والحقوقية الغاضبة على الإنترنت، وسط دعوات من نشطاء ومؤسسات حقوقية دولية لإطلاق سراح المعتمر فورًا، ومحاسبة من تورطوا في توقيفه تعسفيًا.
وتتزامن هذه الحادثة مع تصاعد التضامن الشعبي حول العالم مع سكان غزة في ظل الحرب المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي أسفرت عن آلاف الشهداء، وأوضاع إنسانية كارثية وصفتها الأمم المتحدة بالمجاعة الجماعية.
ويُتوقع أن تُثير هذه الواقعة مزيدًا من الجدل حول مستقبل الحريات داخل المملكة، ومكانة الحرمين في ظل التحولات السياسية والحقوقية التي تشهدها البلاد.