يسعى ولي العهد محمد بن سلمان إلى إعادة هيكلة السلطة الدينية السعودية من خلال السيطرة على هيئة كبار علماء المملكة ومجلس الشورى ضمن خططه للتحكم بكافة سياسات المملكة بشكل مطلق.
وقبل أيام صدرت مراسيم ملكية بإعادة تكوين هيئة كبار علماء المملكة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا، وذلك بإصدار عدة أوامر ملكية متسارعة وهو ما أثار التساؤلات حول المقصود من هذه القرارات المثيرة للجدل، نتيجة الأشخاص الذين تم اختيارهم، والخلفيّة السياسية لما يحصل.
تضم الهيئة عشرين عضوا، يضاف إليهم رئيسها، مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وفي حين حافظ 15 عضوا على مراكزهم في الهيئة، بينهم أسماء شهيرة في المملكة، كصالح الفوزان وعبد المنيع، وقد انضمت إليهم أسماء أكثرها لفتا للنظر الشيخ سعود بن عبد الله بن مبارك المعجب النائب العام في المملكة، والذي تولّى قضايا سياسية حساسة، منها قضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي.
لا يتوقع أحد طبعا أن تخرج عن رئيس الهيئة أو أعضائها مواقف تتناقض مع مواقف السلطة السياسية، لكنّ المطلوب، على ما يبدو: هو أكثر من إصدار الفتاوى التي تحض على طاعة وليّ الأمر، لكن المواضعات حاليّا تختلف عن السابق.
فالهيئة التي تأسست عام 1971 لإبداء المشورة الدينية للمسؤولين في الدولة، والتوصية بأحكام عامة يسترد بها الحكام، صارت، على ما يبدو، في حاجة إلى إعادة تأسيس.
ورغم أن المطلوب من الهيئة هو إضفاء الشرعية الدينية على السياسات، فإن العلاقات وموازين القوى اختلفت، من وضعية الشريك الشرعيّ، إلى مرتبة أخرى، ليست بالضرورة أدنى، ولكنّ مهامها تختلف.
عائلة المفتي آل الشيخ، كما تشير وضعية تركي آل الشيخ، مستشار الأمير محمد بن سلمان، توسّعت مهامها من الفقه إلى الأمن والرياضة والترفيه، والمثال الأخير ينفع أيضا في تفسير انضمام سعود المعجب، القادم من النيابة العامة والقضايا السياسية والأمنية الشائكة.
إذا وضعنا على قائمة المهام المطلوبة سياسيا الانتقال من الانخراط في الدفاع عن سياسات مباشرة مثيرة للجدل، وإذا بدا غريبا إعلان رئيس الهيئة عام 2017 أن في حصار السعودية لقطر «مصلحة للمسلمين ومنفعة لمستقبل القطريين أنفسهم» فماذا يمكن القول عن قيام أحد أعضاء الهيئة، كالشيخ محمد العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، الذي قاد عملية التطبيع مع الإسرائيليين، عبر المشاركة في حوارات مع «قيادات دينية يهودية» وتعهد في مؤتمر نظمته اللجنة اليهودية الأمريكية حول قضايا «مكافحة معاداة السامية» بالتزام المملكة بأجندة «الحوار مع المجتمع اليهودي».
تفسيرات العيسى لبعض الآيات القرآنية أثارت إعجاب “أفيخاي أدرعي” الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، كما حظي بإشادة من جهات إسرائيلية بعد تأديته صلاة الجنازة على ضحايا الهولوكوست.
أما دخول سعود المعجب، إلى هيئة كبار العلماء، فيمكن اعتباره متناظرا مع صعود ولي العهد محمد بن سلمان نفسه، حيث تزامن تعيينه نائبا عاما، لأول مرة في المملكة، مع تعيين بن سلمان وليا للعهد، وكان بالتالي مشرفا على تقنين وتشريع حملات الاعتقال الكبرى التي جرت بعد ذلك، وقد أهله ذلك لاستلام ملف «المتهمين» الغامضين، باغتيال خاشقجي، وكذلك لإقرار حكم الإعدام على الداعية السعودي سلمان العودة.
هيئة كبار علماء السعودية “المنقحة” لن تكتفي بأداء ميكانيكي يحرّم ويحلّل ما تريده السلطة، بل سيكون له دور مبادر في آلة القمع الداخلية والخارجية، وفي التنظير للعلاقات مع إسرائيل.