قالت منظمة “سند” لحقوق الإنسان إن السلطات السعودية تستخدم “عبودية الترفيه” كأداة سياسية للقمع والانقلاب على سمات المجتمع السعودي وما عرفه من محافظة وخصوصية وتدين.
وجاء في تقرير للمنظمة: لا يختلف اثنان أن الترفيه والترويح عن النفس جزء أساسي في حياة الناس بجميع تنوعاتها واختلافاتها، وهو حاجة عند الفرد والمجتمعات لا يمكن تخيل الحياة دونه.
هذا في السياق الطبيعي للمجتمعات الحرة، غنية كانت أو فقيرة، متطورة أو بدائية، دينية أو لا دينية. ولكن غير الطبيعي أن يتحول الترفيه إلى أداة سياسية أو وسيلة قمع أو برزخ للتمييز بين أبناء الشعب.
يتساءل المراقبون للشأن الداخلي السعودي عن ”ثورة الترفيه“ التي جاء بها ولي العهد محمد بن سلمان ومن معه، وهل هي تحول طبيعي وحرص من قبل الدولة على رفاه المواطنين بعد عقود من مراعاة التقاليد والعادات المحافظة في البلد، والتي حرمت المواطن السعودي، كما يقول ولي العهد في لقاءات عدة؟.
لكن في المقابل، هذه المقاربة تتجاهل، برأي كثيرين، سمات المجتمع وما عرفه من محافظة وخصوصية وتدين، يصعب معها أن يتم إقحام صناعة الترفيه كما هي في بقية العالم.
وإلى هذا الحد تظل قضية الترفيه مسألة يمكن النقاش فيها مالم تنتقل إلى عملية فرض ممزوج بالعنف وإلزام ممنهج يهدف في الحقيقة إلى الإلهاء لا الترفيه.
لسائل أن يسأل: أليس هو ترفيه في نهاية الأمر! لا حرج على من يرفضه. لكن الواقع يقول غير ذلك. فبعض ممن هم في المعتقلات حاليا هم ممن انتقد بصراحة أو بتلميح هيئة الترفيه السعودية أو رئيسها تركي آل الشيخ.
فقد اعتقلت السلطات الشيخين عبد الرحمن المحمود وعمر المقبل وكلاهما عضوي تدريس في جامعات سعودية لانتقادهما ما تمارسه هيئة الترفيه.
كما رصدت مصادر حقوقية اعتقال عدد من مشايخ وأعيان وشعراء قبائل سعودية، منهم مسنون، لانتقادهم رئيس هيئة الترفيه.
كان أحدهم شيخ قبيلة عتيبة فيصل بن سلطان بن جهجاه، وشاعر قبيلة الشرارات عايد رغيان، وآخرون. فإذا كان هذا تصرف ما يسمى ب“هيئة الترفيه“ والتي يفترض بأنها جهة ترويح وتسلية، فكيف بانتقاد أجهزة أخرى كالمخابرات والأمن؟!.
إن ما يمارسه رئيس الترفيه من استفزاز لمشاعر السعوديين ودينهم وعاداتهم، وما يقوم به من صرف هائل للأموال دون رقيب، في وقت يعاني فيه الشعب من غلاء في الأسعار وزيادة في الضرائب وأزمة توظيف لهو أكبر محفز ودافع لأبناء بلاد الحرمين على معارضة سياسة الدولة الجديدة، ناهيك عن أي دوافع أخرى.
وإن خطورة سياسة تقنين وفرض الترفيه المعمول بها في السعودية الجديدة تكمن في أنها تهدف إلى إلهاء أفراد الشعب وخصوصا الشباب والشابات عن المشاكل الحقيقية التي يواجهونها وعن القضايا المهمة التي ينبغي لهم حمل رايتها.
وحينها تحولت صناعة الترفيه من حالة طبيعية عفوية تنبع من حاجات فردية واقتصادية عند الفرد والمجتمع، إلى حالة سياسية لها أهدافها وأجندتها الخاصة.
وقد نبه تشومسكي، الناقد والمفكر الشهير، إلى أن سياسة الإلهاء عنصر أساسي في التحكم الاجتماعي من خلال تصدير كم كبير من الإلهاءات لإشغال العامة عن الاطلاع على القضايا التي تهمهم:
“حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية والهوه بمسائل تافهة لا أهمية لها. أبقُوا الجمهور مشغولا، مشغولا، مشغولا دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير، فقط عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى”.
إن سياسة فرض الترفيه على شعب يفتقد شعبه لكثير من الحاجات الأساسية من وظيفة وعلاج ومسكن وحرية قبل كل ذلك، فهي في الحقيقة عبودية من نوع آخر وليست ترفيها.
لا يمكن لجيل الربيع العربي نسيان آخر كلمات الهالك معمر القذافي في آخر خطاب له قبل سقوطه عندما قال للجماهير: (ارقصوا وغنوا وافرحوا وامرحوا..). فقد كانت إحدى الوسائل لتخدير الشعب عن المطالبة بحقه في الحرية والإصلاح.
كما أن ”رضاعة التسلية“ كما سماها د. مصطفى حجازي، هي وسيلة ناجحة ووصفة سحرية عند صناع السياسة لتخدير الشباب وهدر طاقاتهم.
وأخيراً، إن وقتا يسمح فيه بحريّة التنقل بين المسارح والسينما والألعاب، ويمنع فيه أي صوت للتعبير عن رأيه، أو يزج بالمفكرين والعلماء بالسجون، فهي عبودية جديدة تكشف كذب ولي العهد في دعاواه الإصلاحية.