هزّت مواقع التواصل لأيام عدة فضائح عبدالرحمن السديس وأمواله الطائلة التي بلغت 600 مليون ريال وتسريبات استيلاء ولي العهد محمد بن سلمان على معظمها.
وما زاد الأمر غرابة، خروج السديس بعدها مرتبكًا، ولكنّه أكّد البيعة على قاعدة الجامية “ولو أخذ مالك وجلد ظهرك”، لتضاف فضيحة أخرى لفضائح سقوطه.
ولسنوات عديدة، استقطب صوت السديس وتلاوته للقرآن ملايين المسلمين، وخدعت دموعه الكثير من متابعيه الذين تفاعلوا مع دعائه وبكائه وهو يدعو للقدس والأقصى.
ولكنّ الأقنعة تساقطت تباعًا مع تغيّر مزاج السلطة وهوى الحاكم، ليقدّم السديس نفسه كواحدٍ من أبرز أبواق السلطة الدينية في المملكة.
وشاء الله أن تكون أولى فضائح السديس الكبيرة متناقضة تمامًا مع القاعدة الأساسية لعلماء البلاط وهي عدم الخروج على الحاكم والطاعة له مهما بدر منه، فأجاز ما ينكره في المملكة وأيّد انقلاب مصر العسكري وبارك الخروج على الرئيس المنتخب شرعيًا إرضاءً للمزاج السياسي لحاكم المملكة.
تناقض السديس مع فكرته المركزية التي يدعو لها حملت بعدين:
الأول: خيانة الحرم المكي واستغلاله للكذب والتدليس وقلب الحقائق بما يرضي الحاكم.
الثاني: تأييده لإراقة دماء الآلاف في المجزرة التي رافقت
الانقلاب العسكري بمصر وما رافق ذلك من سجن وتعذيب عشرات الآلاف.
وفي 2017، وبدل أن يتبنّى ما يدعو إليه دومًا من وحدة صف المسلمين والاعتصام بحبل الله!
أيّد السديس الحصار الذي فرضته المملكة على قطر بمباركة الإمارات والبحرين ومصر!
ووصف السديس الإجراءات التي اتخذتها دول الحصار ضد قطر بـ “السديدة”!
إحدى أكبر سقطات السديس هي تمجيده للولايات المتحدة الأمريكية التي قتلت ملايين المسلمين ولرئيسها السابق دونالد ترامب الذي اعتبر القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.
السديس قال بأن: “بلاده وأمريكا هما قطبا هذا العالم بالتأثير، ويقودانه للأمن والاستقرار”، “وأن الملك سلمان وولي العهد مشاركان مع ترامب بخدمة الإنسانية”.
كما أيّد الحملة الشرسة التي قادها ابن سلمان نهاية 2017 ومطلع 2018 باعتقال العلماء والخطباء والمصلحين كالشيخ سلمان العودة وناصر العمر وسفر الحوالي وعوض القرني ومئات غيرهم، ومنهم زميله في إمامة الحرم الشيخ صالح آل طالب.
وليته التزم الصمت، ولكنه أيد تهم “الإرهاب” التي أُلصقت بهم.
وبعد سنوات من الدعاء لتحرير فلسطين من دنس الصهــاينة، انقلب السديس تزامنًا مع اتفاقيات التطبيع.
إذ دعا من منبر الحرم المكي في 2020 إلى “إزالة اللبس في باب الولاء والبراء بين الاعتقاد القلبي وحسن التعامل في العلاقات الفردية والدولية” وذلك في تأييد واضح للتعامل مع كيان الاحتلال.
أما عن مداهنته للحاكم وتطبيله له فقد فاق من سبقه، إذ وصف ابن سلمان بأنه “شاب طموح ومُحدَّث ملهم” من على منبر الحرم المكي الشريف.
كما شن أكثر من حملة هجوم على الناشطين والمغردين في المملكة وهاجم الهاشتاقات التي تنتقد الحكومة، في تسييس واضح للمنبر وتوظيف الدين لإرضاء الحاكم.
وبعد الفضيحة المزدوجة التي تعرّض لها بامتلاكه 600 مليون ريال، واستيلاء ابن سلمان على معظمها، حاول السديس الدفاع عن نفسه فقرأ في صلاة الحرم المكي من سورة الحجرات “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة”، وبدا متجهّم الوجه مرعوبًا على غير عادته.
وصبّ السديس في خطبته قبل أسبوع جام غضبه على مشاهير التواصل وحذّر من خطرهم ودورهم في تخريب القيم والأخلاق في المملكة.
فيما صمت عن حفلات الترفيه التي ترعاها الحكومة وتصرف عليها الملايين وما يرافقها من انحلال ومجون وتحرّش وتعرّي باستضافة الساقطين والإباحيين وعارضات الأزياء.
كل هذه المواقف المخزية وغيرها، أفقدت ثقة المسلمين بالسديس ورأوا فيه بوقًا من أبواق السلطة يأتمر بأمرها وينفّذ أجندتها.
وما حصل في المركز الإسلامي بمدينة جنيف السويسرية في 2018 أحد الأمثلة، حيث رفض التعليق على دور المملكة في حرب اليمن وحصار قطر، وتعرّض لهجوم كلامي من المصلّين.
فقد السديس كل بريقه أمام المسلمين، وهو يلهث لبريق الشهرة والمنصب والمال الذي جمع منه 600 مليون ريال، وكرّر مرارًا بعدم جواز تسييس الدين، وسيّس هو منبر الحرم المكي لأهواء ابن سلمان السياسية، ليؤكّد أنه خان أمانة العلم والدين وسجّل اسمه في قائمة أبرز علمان السلاطين في المملكة.