تشكل محاكمة ولي العهد محمد بن سلمان، خطوة على طريق تحقيق العدالة التي تسعى إليها منظمات ومؤسسات دولية وحقوقية.
وزاد التفاؤل بين هذه الأوساط عقب إعلان الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في خطابه الأول للسياسة الخارجية، في 4 فبراير/شباط 2021، أن “أمريكا عادت”.
وهو يقصد بذلك الدفاع عن الحرية ومناصرة الشعوب ودعم الحقوق العالمية واحترام القانون، ومعاملة كل شخص بكرامة.
وعندما صدر تقرير من 4 صفحات قام بتجميعه مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، في 26 فبراير/شباط من قبل إدارة “بايدن”، وكان قد تم حجبه سابقا في عهد إدارة دونالد ترامب.
وكانت التوقعات كبيرة بأنه سيبدأ إعادة تقويم موعودة لعلاقات الولايات المتحدة بالسعودية.
وأبرزت التقييمات الرئيسية للتقرير ما كان سيقوله أي محلل سياسي خبير بشؤون المملكة، أنه منذ عام 2017 كان ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” يتحكم في صنع القرار
ولديه “سيطرة مطلقة على المملكة بما ذلك أجهزة الأمن والاستخبارات”.
وذكر التقرير كذلك أنه “من غير المرجح أن يقوم المسؤولون السعوديون بعملية من هذا النوع دون إذن ولي العهد”.
وفرضت إدارة بايدن عقوبات أو قيودا على التأشيرات ضد 76 مواطنا سعوديا كجزء من سياسة جديدة تستهدف الدول التي تنفذ أنشطة ضد الصحفيين والمعارضين خارج حدودها.
ومع ذلك، فإن فشل “بايدن” في المتابعة واتخاذ إجراءات أكثر أهمية بعد أن وعد بمحاسبة السعودية على انتهاكاتها لحقوق الإنسان جعله بين المطرقة والسندان.
وقد تظل مساءلة العقل المدبر لعملية قتل “خاشقجي” وعدا أجوفا.
محكمة فيدرالية
ومع عدم استقرار السياسة الذي قد يؤدي إلى عدم مساءلة العقل المدبر نفسه، لا تنتظر مجموعات حقوق الإنسان اتخاذ إجراء من قبل حكومة الولايات المتحدة ضد ولي العهد.
وقامت منظمة الديمقراطية من أجل العالم العربي الآن “داون”، وهي مجموعة حقوقية أسسها “خاشقجي”، وخطيبه “خديجة جنكيز”
برفع دعوى مدنية في محكمة جزئية فيدرالية بواشنطن العاصمة في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2020.
وفصلت الشكوى 7 تهم، بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء بموجب قانون دعاوى الضرر للأجانب وقانون حماية ضحايا التعذيب
والتسبب المتعمد بالاضطراب العاطفي وفقدان الرابطة الاجتماعية لـ “خديجة”.
التي تم تحديدها على أنها أرملته في الشكوى بناء على زواجهما الإسلامي (كتابة عقد الزواج) في 16 سبتمبر/أيلول 2018، قبل شهر واحد فقط من مقتله، والتمس المدعون تعويضات تعويضية وعقابية.
جميع الأدلة
وأعلن المدعون في 19 مارس/آذار 2021، بعد 5 أشهر من رفع الدعوى، أنهم قد نجحوا في تقديم الشكوى بحق ولي العهد؛ حيث يجب عليه الآن الاستجابة أو مواجهة حكم غيابي.
وتقول الشكوى إن “محمد بن سلمان”، إلى جانب أكثر من 20 متهما آخرين، “تآمروا مع سبق الإصرار، واختطفوا وقيّدوا وخدّروا وعذبوا واغتالوا الصحفي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول بتركيا، ثم قطعوا جسده.
وتدعي الشكوى بأن هذه الجريمة “الوحشية” و”الوقحة” كانت جزءا من “خطة لإسكات خاشقجي بشكل دائم” لمنعه من استخدام “داون” ومقرها الولايات المتحدة
للضغط من أجل الإصلاح الديمقراطي ومراعاة حقوق الإنسان في السعودية.
ولا تُفصِّل الشكوى فقط حملة السعودية لترهيب “خاشقجي” وآخرين، بل تُفصِّل أيضا التخطيط والإعداد للجريمة.
ويشمل ذلك اختراق الهواتف المحمولة لشركاء “خاشقجي” لاعتراض الاتصالات والتجسس عليها فيما يتعلق بتأسيس “داون” والترتيب مع “خاشقجي” ليصبح المدير التنفيذي لها.
وقالت المديرة التنفيذية لـ “داون”، خلفا لـ “خاشقجي”، “سارة ليا ويتسن”، إنها تتطلع إلى “الحصول أخيرا على جميع الأدلة، بما في ذلك من كان يعرف ماذا ومتى في حكومتنا (الأمريكية).”
وتشير بعض الإجراءات السعودية الأخيرة إلى حذر جديد فيما يتعلق بالولايات المتحدة لم يكن واضحا خلال فترة إدارة “ترامب”.
على سبيل المثال، أفرجت المملكة عن الناشطة في مجال حقوق المرأة “لجين الهذلول” من السجن في فبراير/شباط
حيث قضت عامين في انتظار المحاكمة، بالرغم من السماح بإدانتها بارتكاب “الإرهاب”، ومنعها من السفر، وغيرها من التهم.
كما أرجأت المملكة مرة أخرى هذا الشهر للمرة الألف محاكمة “سلمان العودة”، رجل الدين المسجون منذ عام 2017، بـ 37 تهمة.
بما في ذلك إثارة الفتنة العامة وعصيان الحاكم بتغريدة يدعو فيها إلى المصالحة مع قطر، حيث يسعى الادعاء إلى عقوبة الإعدام.
دور أمريكي
وتكهن بعض المحللين بأن سبب تأجيل القضية قد يكون هو أن محاكمة “العودة” القريبة جدا من بداية رئاسة “بايدن” قد تعرض العلاقات السعودية الأمريكية المتوترة بالفعل للخطر.
وبغض النظر عن الدافع وراء هذه القرارات السعودية، كان المحللون متفقين تقريبا في تقييماتهم بأن الإصلاح السعودي الموعود من الداخل كان وهميا
وأن القمع ضد المعارضين أصبح أكثر صرامة.
وبدون تحرك الولايات المتحدة لمحاسبة “محمد بن سلمان” نفسه، فإن كل خطاب إعادة تقويم العلاقات العالمية سيكون مجرد كلام.
وبدون ضغوط جادة من الولايات المتحدة، ستكون هناك مكاسب قليلة، إن وجدت، في معاملة السعودية للمعارضين أو احترام حقوق الإنسان هناك.
في حين يسعى المجتمع المدني وأفراد أسرة “خاشقجي” المقيمون في الولايات المتحدة إلى مساءلة القادة السعوديين في المحاكم الأمريكية.
وربما يكون الأمر الأكثر فظاعة هو الكشف الأخير المذهل للمقررة الخاصة للأمم المتحدة “أجنيس كالامارد”
نه في اجتماع مع كبار مسؤولي الأمم المتحدة الآخرين في جنيف في يناير/كانون الثاني 2020، هدد مسؤول سعودي كبير بأنهم “سيهتمون” بأمر “كالامارد” إذا لم تقم الأمم المتحدة بكبح جماحها.
ولم يوجه هذا التهديد للمسؤولة الأممية مرة واحدة بل مرتين. وأيدت صحيفة “الجارديان” رواية “كالمارد” بشكل مستقل.
وبالرغم من هذه التهديدات بالقتل، لا تزال “كالامارد” ملتزمة بالنتائج الواردة في تقريرها بأن ولي العهد مسؤول عن قتل الصحفي “جمال خاشقجي” خارج نطاق القضاء.
كما أكدت وكالات الاستخبارات الأمريكية في تقريرها الذي رفعت عنه السرية الآن.