سلطت مؤتمر حقوقي الضوء على ضحايا انتهاكات السعودية في ظل واقع القمع والاستبداد الذي يفرضه النظام السعودي وإنفاقه الضخم على محاولات تلميع السمعة للتغطية على تلك الانتهاكات.
وانعقد المؤتمر الذي نظمته المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان تحت عنوان حقوق الإنسان في السعودية: ما وراء الرياضة.
وشارك في المؤتمر عددا من الباحثين والحقوقيين والمتخصصين إلى جانب عوائل لضحايا الانتهاكات، وأدارته المدافعة عن حقوق الإنسان المحامية هالة عاهد.
افتتح المؤتمر بمداخلة من رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، على الدبيسي الذي أوضح أن النشاط الرياضي المحموم في السعودية ملفت، وخاصة مع ما يجري في البلاد.
وأشار إلى أنه لكي نفهم ما وراء الرياضة في السعودية نحن بحاجة لفهم غايات الأنظمة الحاكمة، وهذا يعطينا مفتاحاً لفهم الموقف.
الدبيسي أوضح أنه في عهد ولي العهد محمد بن سلمان تزايدت الانتهاكات بما في ذلك تعذيب النساء الغير مسبوق، تلا ذلك جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، التي أدت إلى نبذه، إلا أن ذلك لم يستمر للأسف.
وأشار إلى أن بن سلمان يرى أن الانتهاكات يجب أن تمرر تحت أغطية رياضية، وبالتالي فإن الرغبة السياسية البحتة هي التي تسيّر المشهد الرياضي، وهنا يتم ضخّ استثمار مبالغ ضخمة وهي ثروات الشعب في الداخل وتبذل بلا حسيب أو رقيب من أجل التعمية. وأكد الدبيسي أن الموقف ليس رفضا للمسار الرياضي بل ضد استخدامها لغايات.
البروفيسور والباحث محمد النشطاوي، قال في كلمته أن البعض يعتبر الرياضة وسيلة هروب من السياسة، لكن معطف الرياضة يخفي تحته قميص السياسة، وأنه اليوم بات كان شفافاً وظاهرا في دول الخليج. ورغم إصرار البعض على فصل الانجازات الرياضية عن السياسية، لكن المؤكد ان الرياضة ظلّت مختلطة بالسياسة.
وأوضح النشطاوي أن الرياضة شكلت أحد أسلحة الحرب الباردة، فمثلا دعت، الولايات المتحدة إلى مقاطعة الالعاب الاولمبية في موسكو، بالتالي فعلاقة الرياضة بالسياسية حاضرة دائما ولكن الذي تغير هو شكل العلاقة.
كما أوضح أنه عندما أراد الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك أن يجول في دول اميركا اللاتينية، كانت لديه فكرة لاصطحاب اللاعب المشهول ميشيل بلاتيني، وهكذا باتت الرياضة من صيغ التفاعل الاجتماعي الايجابي، وتخفيف حدة الخلاف بين الشعوب. وهذه الدبلوماسية.
إضافة إلى ذلك، بحسب النشطاوي، فإن من الأدوار التي يمكن أن تلعبها الرياضة، الاستحواذ على عقول الجماهير، حيث أن السلطة السياسية انتهازية، وحولتها إلى قوة ناعمة وكآلية لإلهاء الجماهير والتلاعب بعقولهم.
ابن الداعية المهدد بالإعدام عوض القرني، ناصر القرني، أشار إلى أن والده طاعن في السن، منعته السعودية من السفر، ولاحقا اعتقلته ليلا بعد اقتحام منزله، ووجهت له تهم أقل ما يقال عنها أنها ليست خطرة، وهي تهدده اليوم بالقتل.
وأوضح أنه منذ اعتقاله كل حياة عائلته توقفت وهي تعرف ما يتعرض له في السجن من انتهاكات.
القرني أوضح أنه لو لم يحضر جلسات المحاكمة لما صدق أنه النيابة العامة تطالب بقلته فقط بسبب تغريدات ومجموعات واتساب، ورأى أنه يلمس بنفسه الغسيل الذي يمارسه النظام حين يرى لاعبا يتصور مع مسؤولين عن قتل الصحفي جمال خاشقجي.
مسؤول الرصد في منظمة القسط، عبد الله الجريوي أشار إلى أن مشروع نيوم هو من مشاريع صندوق الاستثمارات العامة التابع مباشرة لولي العهد محمد بن سلمان.
وأوضح أن هذا المشروع يبنى على ساحل البحر الأحمر، وهو منطقة بيئية جميلة عاشت فيها قبائل أشهرها الحويطات الذين تفاجأوا باستيلاء الصندوق على أراضيهم، وواجهوا قرار التهجير، إلا أنهم رفضوا.
أمام الرفض استخدمت السعودية المداهمات والقوة المفرطة، في ظل عدم التعويض. بعدها شنّت السلطات اعتقالات كثيرة، ووثقت القسط ٤٧ اعتقالاً، وأحكام تقارب ٥٠ سنة و ٥ أحكام إعدام موثقة، كما رصد اعتقال لعسكريين ومن غير المستبعد اتهامهم بالخيانة العظمى.
الجريوي أوضح أن السعودية تنوي استضافة الألعاب الشتوية في 2027 على أراض نيوم التي هجر أهلها وتعرضوا لمختلف أنواع الانتهاكات.
الباحثة في منظمة هيومن رايتس واتش جوي شيا، أشارت إلى أن أبحاث المنظمة وجدت علاقة بين صندوق الاستثمارات العامة والانتهاكات وارتباطها بمشاريع أميركية.
وأوضحت أن الصندوق يوسع علاقاته بالاقتصاد الأميركي في الرياضة والتكنولوجيا، مشيرة إلى أن هناك قواعد للحوكمة تحكم اي صندوق استثماري، ولكن تشير التحاليل إلى أنه يمكن لمحمد بن سلمان التحايل.
شيا أكدت أن صندوق الاستثمارات زاد من انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة من عام ٢٠١٧ حيث زادت الاعتقالات بشكل عام والاستحواذ على الأملاك. كما أشارت إلى أن الاتفاقية بين صندوق الاستثمارات وهو دوري الغولف الاميركي، أمر مثير للقلق حيث أن احتكار اللاعبين والاستحواذ على رياضة بشكل كامل مقلق.
وشددت على أنه في الشق القضائي يجب التفكير بكيفية التصدي للغسيل الرياضي واستراتيجياته عبر صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
من مبادرة بلاي ذا غايم، أوضح الباحث ستانيس ألسبورغ أشار إلى أنه حاول مؤخرا تحليل الاستثمارات الرياضية السعودية، وأحد الاستنتاجات أكدت أن صندوق الاستثمارات السعودي منخرط في عالم الرياضة، حيث أن لديهم رعاية مباشرة ل ١٤٠ شركاة رياضية. وأشار إلى أن ارامكو لديها ٢٦ رعاية في عالم الرياضة.
وأوضح أن المشكلة تكمن في أن دولا مثل السعودية، نفس من يدير الدولة هو من يدير الرياضة، فمثلا، ياسر الرميان وهو مالك فريق نيوكاسل، هو رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات، ورئيس دوريات الغولف العالمية.
وهنا يمكن السؤال ما أهدافه للانخراط في الرياضة وامتلاك دوريات الغولف؟ ألسبورغ أوضح أن وزير الرياضة السعودية منخرط كذلك في الاستثمارات الرياضية، وهو أيضا رئيس لجنة الالعاب الاولمبية، بينما يفترض ان لا تكون هذه المناصب لأشخاص سياسيين مثل الوزراء، كما أن الأميرة ريما بنت بندر عضو في لجنة الألعاب الأولمبية السعودية وسفيرة السعودية في الولايات المتحدة، هي أيضا تحاول فتح طريق للسياسة السعودية في عالم الرياضة.
من معهد بيرد لحقوق الإنسان سيد أحمد الوداعي، أشار إلى أن الأشخاص الذين يقولون ان استضافة البحرين للفورمولا ١، هو استثمار للبحرين، لم يقولوا الحقيقة، حيث لا يهم كم دفعت في الرياضة، فالهدف الحقيقي جذب الجماهير والشعوب. وأوضح أنه عندما نتحدث من مئات الآلاف من المتابعين في البحرين في السعودية في الولايات المتحدة، هناك جمهور جاهز. بالتالي هذه منصة لتكونوا مؤثرين على الرياضة وكذلك منصة لإرسال أية رسالة أو تغيير أية صورة.
واعتبر الوداعي أنه يجب السؤل عند الحديث عن ملايين دفعت من اجل كريستيانو رونالدو، عن الاستثمار على اللاعب السعودي او الاستثمار مباشرة في الرياضة السعودية، كما أشار إلى أن ما يؤكد استخدام الرياضة هو الضجيج الذي تثيره الصفقات، معتبرا أنه في بلدان لا يمكن المسائلة فإن من غير الممكن أن نعرف ما إذا كان الاستثمار مجديا حقا.
فيما اعتبرت الباحث والدكتور كريستيان جلاسيل، أن الأحداث الرياضية في الأنظمة القمعية والاستبدادية كلفتها دموية وتدفعها الشعوب.
وأشار إلى أنه يعتقد أن هناك نمط معين في ظل النظام الاستبدادي بشكل عام حيث يرتقع القمع في الأسابيع التي تسبق الأحداث الرياضية الكبرى.
واعتبر أن الحكام يحاولون أن يبدوا على أنهم محبين للسلام عبر استضافة الاحداث الرياضية، حيث تحاول منع تسليط الضوء على المواطينن وتسليطه على الأحداث.
جلاسيل آشار إلى استطلاع رأي بين كيف تغير استضافة الدولة للأحداث الرياضية الرأي عنها، واتخذ نموذجا كأس العام في قطر. العينة لاحظت تغيرا في صورة قطر مقارنة بقبل المونديال، وكان هناك عدائية ضد الإعلام الذي يتحدث عن الانتهاكات. وأشار إلى أن الأحداث الرياضية الكبرى في الدول القمعية تضع الناس في خطر والإعلام الغربي يشارك في غسل الصورة.
من جهته، تحدث المواطن الباكستاني محمد عمران عن أخيه حفيظ الذي اعتقلته السعودية في أبريل 2023، واختفى قسريا. لم تعلم عائلته عن مكان وجوده وسبب اعتقاله ولا أي معلومات على الرغم من التواصل مع السفارة الباكستانية وهيئة حقوق الإنسان السعودية.
وبعد 5 أشهر من اختفائه اتصل بالعائلة وأخبرهم أنه يجب أن يطلق سراحه بعد شهر، إلا أنه بقي معتقلات تعسفيا دون أن يواجه أي جريمة.
عضو رابطة مشجعي نيوكاسل أندرو بايج، أشار إلى أن استثمار السعودية في نادي نيوكاسل كان ضخما للمدينة والنادي والمنطقة، وبالتالي ليس عاديا أن تقوم مجموعة من المشجعين بحملة كبيرة لفك هذا الاتفاق.
وذكر بايج أنه شخصيا لطالما تابع مباريات النادي منذ ولادته، وهو لاحظ الاختلاف منذ استيلاء السعودية عليه، وهنا بات السؤال لماذا كل هذا الدعم من السياسيين وبعض الأفراد في المجتمع المحلي.
وشدد بايج على أن الرابطة قامت بتنظيم عدد من الأحداث العامة والمقابلات والإصدارات والحملات على وسائل التواصل وهي مستمرة في ذلك لأنها ترفض أن يتم استخدام النادي والمدينة لدعم النظام في السعودية.
مها القحطاني، زوجة المدافع عن حقوق الإنسان محمد القحطاني، قدمت مداخلة أوضحت فيها أنها المرة الأولى التي تتحدث بشكل علني وذلك بعد أن ضاقت السبل بعائلتها، بعد اختفاء زوجها منذ 13 شهرا.
وأشارت القحطاني إلى أنه منذ أكتوبر 2022،لم تتمكن من التواصل مع زوجها، وعلى الرغم من مراسلة كافة الجهات المسؤولة بما في ذلك إدارة السجن والملك وولي العهد لم تتلقى أي جواب، بل تلقت تهديدات. وتساءلت ماذا يجب أن تفعل لمعرفة مكان زوجها، وأشارت إلى معاناة عائلاتها المتصاعدة.
رئيس قسم التواصل في منظمة ريبريف أندرو بروسل، أشار إلى انه بدأ العمل في ملف الغسيل الرياضي منذ العام 2020 في ملف البحرين، حيث تمت مراسلة جهات رياضية باسم ضحايا مهددين بالإعدام، وكذلك تم لتواصل مع لاعبين مشهورين توجهوا إلى السعودية لحثهم على الحديث عن ضحايا السعودية.
وأوضح بروسل، أن هذه الاستراتيجية تطلب من اللاعبين أن يستخدموا منصاتهم للمطالبة بحقوق الإنسان، وللأسف يبدو أن السعودية تحاول فرض شروط من السرية والصمت عليهم.
من منظمة العفو النرويج، أشار فرانك تانغبرغ، إلى أنه رغم ادعاء الفيفا أنها ديمقراطية إلا أنها لم ترد على اتهامها بإهمال حقوق الانسان. وأوضح أنه في ٢٠٢٢ قام رئيس الاتحاد النرويجي بانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في قطر، وهو ممن طالبوا بمقاطعة المونديال في قطر ومحاسبة الفيفا.
وتساءل هل منح السعودية حق إقامة كأس العالم يعني أنه سيتم تجاهل حقوق الانسان في السعودية أيضا، وشدد على أنه هناك اقتراح بمطالبة الدول المستضيفة بالالتزام بحقوق الانسان، في ظل استثمارات الرياضة واستقدام اللاعبين قد يسرع هذا المقترح من التزام الدول بحقوق الإنسان.
وأشار إلى عدة ملفات يجب طرحها بينها الإعدام والعمال الأجانب ووقف التهجير القسري للمواطنين، واعتبر أن هناك فرصة قادمة لاتحادات كرة القدم بسبب استضافة السعودية كأس العالم، من أجل أن تقوم الهيئات والاتحادات الرياضية بالضغط على السعودية في اتجاه حقوق الإنسان.
مدير التقاضي الاستراتيجي في المجلس العربي المعتصم الكيلاني أشار إلى أنه من خلال الرصد في السعودية هناك قيود واسعة على حرية الرأي والتعبير وعدم اتباع اصول المحاكمات العادلة.
وشدد على أنه بين العمل التجاري وحقوق الانسان، يجب تحقيق التوازن، إلا أن السعودية تجري الاستثمارات للتغطية على الانتهاكات، ولتحسين صورتها.
واعتبر أن دعم الضحايا في ظل ما يجري هو عبر الدعم النفسي والقانوني وتعزيز وصولهم لأنظمة العدالة والتعاون مع المنظمات الحقوقية.
وشدد على أنه من خلال رفع دعاوي يمكن الربط بين استثمارات السعودية في الدول الاوروبية مثلا من أجل الضحايا، عبر استخدام الولاية القضائية العالمية.
وأشار إلى أنه بالنسبة لمزدوجوي الجنسية من الضحايا أو مرتكبي الجرائم، بعد تحديد الجرم، يمكن النظر في اختصاص القضاء لهذه الدول من أجل درس إمكانية التقاضي.
كما اعتبر أنه لا يجب إهمال الآليات الدولية المرتبطة بالأمم المتحدة، فهي ترسل توصيات دائمة وتحرج مندوبي الدول بسبب انتهاكاتها.
من بين الشهادات التي تم تقديمها، شهادة يوسف الربح، عم الشاب منهال الربح الذي تم إعدامه في 2023. الربح أوضح أنه تم اعتقال منهال في المدرسة حيث يسكن لأن والده حارس مدرسة، حيث اعتقلت العائلة كاملا، الأب والزوجة وابنتهم المعوقة رحمة ومنهال وأخوه الصغير جابر. الربح أكد أن منهال تم تعذيبه وتهديده إلى درجة أن أمه لم تعرفه بسبب ما تعرض له في السجن.
وأشار الربح إلى أن السعودية تمارس الاعتقال التعسفي على نطاق واسع كما تصدر أحكام وتنفذها دون إبلاغ العائلة. وشدد على أن عائلته حرمت من إقامة عزاء ومن استلام جثمان الربح.
الصحفي كريم زيدان أشار من جهته إلى أن السعودية تتعامل مع الرياضة كأداة قوة، وأن محمد بن سلمان يعتبر أن الرياضة تجذب الاستثمار، ولكن للأسف لا يغطي الصحفيون الرياضيون هذا الموضوع حيث نادرا ما تجد صحفي مهتم بحقوق الإنسان والرياضة، كما يتم تجاهلهم في حال وجدوا.
وأوضح أنه ليس من المعتاد أن تكون الانتهاكات الحقوقية جزء من السردية المفترضة للرواية الرياضية. وانتهى إلى أن السعودية سوف تترك إرثها في الرياضة وستستغلها لإعادة هيكلة القوة حول العالم وتحدي هذا يستوجب الربط بين الرياضة وحقوق الإنسان بشكل أفضل.