يواصل نظام آل سعود التزام الصمت الرسمي المطبق لليوم الرابع على التوالي بشأن التطورات غير المسبوقة التي يشهدها في إطار الصراع على العرش الذي أطلقه ولي العهد محمد بن سلمان.
وبينما تتناقل وسائل الإعلام الإقليمية والدولية التقارير بشأن اعتقال كبار الأمراء في المملكة والحديث عن انقلاب وتدهور كبير في صحة الملك سلمان، فإن السعوديين يظهرون مغيبون ممنوعون من تلقي أي معلومة رسمية.
واستهجن مغردون سعوديون أن “أمم الأرض كلها تتحدث عن أخبار وأسرار المملكة والكل يناقشها ويحللها، فيما لا يوجد ولا مسؤول واحد في النظام يستطيع أن يخبر الشعب السعودي بأكثر القضايا حساسية وأهمية بشأن مستقبله”.
وتنعدم الشفافية والمسؤولية من بن سلمان ودائرته الحاكمة تجاه الشعب ومستقبله وكأنهم يقولون إن الشعب ليس من حقه أن يعرف كيف ندير شؤونه ولا علاقة له بمستقبل الدولة، أي أنهم كالعادة لا يرون الشعب إلا أتباع، والبلاد مزرعتهم الشخصية التي لا علاقة ولا شأن لأحد سواهم بها.
ويجمع المراقبون على أن نظام آل سعود أثبت أنه نظام مستبد يحترف صناعة الفاشية وسياسة التخويف لإرهاب الشعب، لتثبيت أركان حكمه، وضحايا أبرياء يدفعون ثمن جنون عظمة الطاغية بن سلمان ولا شيء وراء ذلك سوى كرسي الحكم.
ويبدأ بن سلمان بوجه الأوضح هذه الأيام وهو الذي لم يأمن منه لا صديق مقرب ولا عم ولا ابن عم ولا حليف ولا أحد، سوى أعداء الأمة فهو خادمهم المطيع، يسعى لتفتيت كل شيء، حتى عائلته لم تسلم من بطشه وإفساده.
يأتي ذلك فيما ذكرت وول ستريت جورنال الأميركية أن سلطات آل سعود أفرجت عن عدد من المعتقلين من أمراء العائلة الحاكمة ومسؤولين آخرين بعد التحقيق معهم.
ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية عن مصادر سعودية مطلعة أن اعتقال السلطات الجمعة الماضية لثلاثة من كبار الأمراء، إنذار لباقي العائلة المالكة.
وأشارت الصحيفة إلى أن سلطات آل سعود أفرجت عن وزير الداخلية عبد العزيز بن سعود بن نايف، ووالده الأمير سعود بن نايف.
ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن مصادر سعودية مطلعة، أن اعتقال الأمراء أحمد بن عبد العزيز شقيق الملك، وولي العهد السابق محمد بن نايف، ونواف بن نايف، إنذار لجميع أفراد العائلة المالكة.
كما نقلت الوكالة عن مصدر سعودي أن الأمير أحمد بن عبد العزيز أبدى تذمرا مؤخرا من قرار إغلاق الحرم المكي لمنع انتشار فيروس كورونا.
ووفقا للوكالة فقد نفت مصادر مطلعة أن تكون لدى الأمير أحمد بن عبد العزيز، والأمير محمد بن نايف نية للقيام بانقلاب في المملكة.
وكان موقع “ميدل إيست آي” البريطاني الإخباري قد نقل عن مصادر قولها إن محمد بن سلمان يقوم بهذه الحملة لأنه يعتزم تنصيب نفسه ملكا قبل قمة مجموعة العشرين المقرر عقدها بالرياض في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ووفقا لتقرير كتبه رئيس تحرير الموقع ديفد هيرست نقلا عن مصادر مطلعة على ذلك المخطط، فإن محمد بن سلمان لن ينتظر وفاة والده الملك سلمان بن عبد العزيز لأنه يرى أن وجود والده يضفي عليه الشرعية، ويسعى لاستخدام قمة العشرين كمنصة لإعلان صعوده إلى العرش.
وقالت المصادر إن ولي العهد يعتزم إرغام والده -الذي قال الموقع إنه يعاني من خرف الشيخوخة لكن صحته جيدة باستثناء ذلك- على التنازل عن العرش. وأضافت أن هذا سيكون استكمالا للعملية التي بدأها محمد بن سلمان حين أطاح بابن عمه الأمير محمد بن نايف من منصب ولي العهد.
وقال أحد المصادر إن ولي العهد “يريد أن يضمن في حياة والده أنه سيصبح ملكا”.
وتأتي هذه الأنباء في أعقاب تقارير صحفية عديدة تحدثت عن حملة اعتقالات أمر بها محمد بن سلمان ضد عدد من كبار الأمراء، أبرزهم عمه الأمير أحمد بن عبد العزيز، والأمير محمد بن نايف، وكلاهما كان مرشحا لتولي الحكم بعد وفاة الملك سلمان.
وقال “ميدل إيست آي” إن فرصة أخيرة أعطيت للأمير أحمد -وهو آخر شقيق للملك على قيد الحياة- قبل اعتقاله يوم الجمعة للالتحاق بمشروع محمد بن سلمان، لكنه رفض، وفقا للمصادر.
وبيّن أحد المصادر أن الأمير “أحمد تعرّض للضغط لكي يعطي دعمه الكامل لمحمد بن سلمان. وقد التقى الملك الذي استخدم هو وآخرون في الديوان كلمات مهذبة لتشجيعه على دعم ابنه”.
وتابع المصدر أن “أحمد أوضح أنه لن يدعم هذا المشروع”، وأضاف أنه أبلغ الملك بأنه لا يطمح أن يصبح ملكا، لكنه يتطلع إلى آخرين للتقدم إلى هذا المقام.
وفي ظل الصمت الرسمي عما وقع من اعتقال في الأيام الماضية لكبار أمراء الأسرة الحاكمة بالمملكة، شن مغردون من الذباب الالكتروني لمحمد بن سلمان حملة للنيل من سمعة ومكانة الأميرين المعتقلين أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف، ولا سيما الأخير، وذلك لتبرير اعتقالهما.
والمثير للانتباه في تغريدات من هاجموا الأميرين هو التشابه الكبير في صياغة تغريداتهم وكأنها جاءت من مصدر واحد، إذ ركز هؤلاء على أن محمد بن نايف مدمن مخدرات منذ أن كان وزيرا للداخلية، وأنه تآمر في الوقت الحالي مع أعداء المملكة ضد القيادة، في حين اتهموا الأمير أحمد بن عبد العزيز -شقيق الملك- بعدم الكفاءة والتآمر على الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان.
وركز العديد من المغردين في مهاجمتهم للأمير محمد بن نايف الذي كان وليا للعهد، على ما قيل إنه إدمان الأمير على تعاطي المخدرات وتأثير ذلك على قرارته وتصرفاته.
وربط بعض المغردين بين موضوع تعاطي المخدرات وإعفاء الأمير من منصبه في وزارة الداخلية، ومن عضوية هيئة البيعة قبل سنوات، فضلا عما يروج له في المملكة حاليا من أن محمد بن نايف يتآمر مع أطراف خارجية ضد القيادة.
واختار مغرد آخر نشر صورة محمد بن نايف مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرفقة برابط لخبر في صحيفة “الشروق” المصرية، ليعلق بأن الأمير استغل سفره إلى تركيا للتخابر مع سلطات أنقرة حسب ما ذكرته الصحف الأجنبية. وختم بالقول إن “الإخوان ومحمد بن نايف وجهان لعملة واحدة”.
كما اتهم مغرد آخر الأمير محمد بن نايف بمحاولة التعامل مع أعداء المملكة في الداخل والخارج، في محاولة لزعزعة استقرارها.
وذكرت وكالة “رويترز” أن تنحية الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد يصب في “مصلحة الدولة العليا”، بسبب إدمانه المورفين والكوكايين لدرجة أثرت على أدائه وأصبح واضحا عليه.
وإذا كانت أغلب انتقادات بعض المغردين قد توجهت إلى ولي العهد السابق، فإن الأمير أحمد بن عبد العزيز لم يسلم منها، إذ قال أحدهم إن الأمير -وهو عضو بهيئة البيعة- معروف عنه عدم الكفاءة في المناصب التي تقلدها في السابق، متهما إياه بالخيانة، في إشارة إلى ما يروج له من أن الأمير يتآمر مع دول أجنبية لضرب وحدة المملكة واستقرارها.
كما اختار مغردون آخرون مهاجمة محمد بن نايف من زاوية أخرى، إذ قالوا إنه حاول استعطاف الشعب السعودي عن طريق علماء الدين.
وفي الاتجاه المقابل، انبرى ناشطون لانتقاد الاعتقالات الأخيرة لبعض كبار أمراء الأسرة الحاكمة، ورأوا فيهم خطرا على سلطة ولي العهد.
وعمد بعض المغردين السعوديين إلى نشر تغريدات ومقاطع فيديو مؤيدة للأمير محمد بن نايف، تشيد بما قام به في مجال مكافحة الإرهاب عندما كان وزيرا للداخلية.
ورأى بعض النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي أن الشعبية التي يحظى بها الأمير ابن نايف داخل الأسرة الحاكمة وفي المملكة ككل، هي السبب وراء اعتقاله، في حين قال مغرد آخر إن الأسلوب الذي يتبعه بن سلمان في محاربة أفراد عائلته ينذر بمصير سيئ له.