دلالات انتهاء “شهر العسل” بين السعودية والإمارات
يجمع مراقبون على أن التوتر المتصاعد في العلاقات بين السعودية والإمارات يبرز واقع جديد يؤكد انتهاء شهر العسل بين قيادتي البلدين.
ويظهر التوتر الحاصل بين الرياض وأبوظبي نهاية “شهر العسل” في علاقات البلدين التي استندت إلى تفاهم بين ولي العهد محمد بن سلمان مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
واستند ذلك التفاهم إلى تعظيم مكاسب الطرفين ونفوذهما، خصوصاً في اليمن، والمنطقة إجمالاً.
ولم يكن “النجاح النسبيّ” للتعاون السعودي الإماراتي ليتحقق لولا توفّر الغطاء الأميركي له؛ إذ شكّلت زيارة الرئيس دونالد ترامب السعودية، وانعقاد القمّة الأميركية الإسلامية في الرياض عام 2017.
واستهدف هذا التحالف في حينه القضاء على ما تبقى من تأثير الثورات العربية، بما يمكّن ثنائي إسرائيل/ الديكتاتوريات العربية، وبما يدعم سياسات الثورات المضادّة في استهداف قوى التغيير العربي.
ولئن كان التوتر الراهن بين السعودية والإمارات أخذ طابعاً نفطياً/ اقتصادياً (ظهر في اجتماع تحالف أوبك +، في 1 يوليو/ تموز الجاري)، فإنه يستند، إلى أبعادٍ سياسيةٍ أعمق، تخصّ المستوى الثنائي في العلاقات، كما يعكس متغيرات السياقين، الدولي والإقليمي.
وثمة ثلاث ملاحظات على العلاقات السعودية الإماراتية، والعلاقات العربية العربية، ضمن عملية إعادة تشكيل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، في هذه “المرحلة الانتقالية” التي ستؤدّي، في المحصلة النهائية، إلى تغييرات حقيقية، في مكانة الدول الخليجية والعربية والإقليمية.
أولاها أن الرياض تقوم بمراجعة سياساتها وتحالفاتها الخليجية والإقليمية، منذ قمة العُلا الخليجية، 5 يناير/ كانون الثاني الماضي، مع استعدادها لاتخاذ خطواتٍ عملية تخالف توقعات أبو ظبي.
وذلك عبر انخراط سعودي/ مصري/ قطري/ عُماني/ كويتي، في حلحلة أزمات المنطقة، بالتعاون مع سياسات الرئيس الأميركي جو بايدن، سيما تركيزه على الأداة الدبلوماسية إجمالاً، في تعامله مع الملفين اليمني والنووي الإيراني، على الرغم من “استعصاء” الاختراقات فيهما.
ويبدو أن الرياض تخطو الآن بانفتاح أكبر على محيطها الخليجي (بدليل زيارات كبار المسؤولين القطريين والكويتيين والعُمانيين إلى السعودية)، مع “ابتعاد نسبي” عن سياسات الإمارات في خلق/ توظيف أزمات اليمن وليبيا والصومال ومصر وغيرها من القضايا.
وعلى الصعيد الداخلي، لا تخفى رغبة الرياض وطموحها في تدعيم قدراتها التنافسية الاقتصادية والسياحية والترفيهية.
وذلك عبر جذب الاستثمارات الخارجية، وتشجيع السياحة السعودية الداخلية، في إطار “رؤية 2030″، بهدف تقليص الاعتماد على النفط، وتنويع الاقتصاد، بحيث تصبح البلاد مركزاً تجارياً رئيسياً في المنطقة، ما سيلحق الضرر بالإمارات وبمركزها التجاري في دبي.
ولعل هذا ما يفسّر قرارات السعودية أخيرا، وضع قيود على سفر مواطنيها إلى الإمارات، ووضعها في مرتبة واحدة مع دول تعاني من تفشّي وباء كورونا، مثل إثيوبيا وفيتنام وأفغانستان.
وتعديل قواعد الاستيراد من دول مجلس التعاون الخليجي، ما يؤثّر على صادرات دبي، والمناطق الحرّة في الإمارات، ومنها جبل علي والمنطقة الحرّة في مطار دبي، ويحرمها من الاستفادة من الاتفاق الجمركي الخليجي والمزايا التفضيلية والإعفاء من الرسوم.
تتعلق الملاحظة الثانية باحتمال تراجع تأثير الإمارات في قرارات الإدارة الأميركية، واحتمال تآكل شبكة لوبياتها التي كان يديرها السفير في واشنطن يوسف العتيبة.
إذ أن دور أبوظبي كان يرتكز على توظيف المال السياسي في الأزمات الإقليمية، عبر دعم وكلاء محليين، لصناعة فوضى محلية/ إقليمية، تسهم في تغييب المنافسين الإقليميين للإمارات.
وذلك سواء في النفوذ أو الموانئ أو إنتاج النفط، فضلاً عن “امتطاء الدور السعودي” في اليمن، أكثر من استناد أبوظبي إلى ركائز حقيقية لصناعة النفوذ والتأثير، سيما مع تراكم الأخطاء الاستراتيجية، والتوجّه نحو “التطبيع الكامل” مع إسرائيل، وافتتاح سفارة لها في أبو ظبي وقنصلية في دبي.
والواقع، أنه ليس في وسع الإمارات عبر تحالفها مع إسرائيل، أن تتجاوز المحدّدات الجيوبوليتيكة الهيكلية، بوصفها دولة صغيرة بمفاهيم علم العلاقات الدولية.
إذ تتصرّف أبوظبي بطموح إقليمي، مبالغ فيه، ما يستفز لاعبين أكبر، مثل إيران وتركيا ومصر والسعودية، وجميعها تبدو معترضة بدرجاتٍ مختلفة، على استمرار قيادة إسرائيل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط.
تتعلق الملاحظة الثالثة بمسار العلاقات الخليجية الخليجية، والعربية العربية، الذي يُرجّح أن يبقى متقلباً/ متذبذباً بين الصراع والتعاون، بتأثير غياب المؤسسية، وهيمنة المزاجية والشخصنة، على صناعة القرار.
وهو ما يجعل هذه العلاقات عرضةً لأزمات ومشكلات متكرّرة، يمكن أن يتم تهدئتها آنياً، لكن من دون حلّها/ تسويتها من جذورها، على نحوٍ يؤدّي إلى انفجارها لاحقاً.
ويبرز المراقبون أن ابتعاد الرياض عن أبو ظبي يمكن أن يكون “مدخلاً” لتصحيح السياسات السعودية الإقليمية، واستعادة أنماطها الفاعلة نسبياً.
ويتطلب ذلك بحسب المراقبين ضرورة تراجع الرياض عن سياسات دعم الثورات المضادّة في العالم العربي التي تبنّاها المثلث السعودي المصري الإماراتي، بغية إجهاض مسار التغيير الذي بدأته الثورات العربية عام 2011.