تتفاقم محنة كبرى الشركات في المملكة في ظل أزمة جائحة فيروس كورونا بعد أن كانت أصلا تواجه أزمة خسائر وتدهور غير مسبوقة.
ويؤدي تقليص المشروعات الحكومية والإنفاق العامة إلى أضرار سلبية أكبر على شركات المملكة فيما يتصاعد الضرر الذي تعانيه قطاعات السياحة والتجزئة والضيافة والنقل والتموين والناجم عن تعطل السفر العالمي وإغلاق معظم الأماكن العامة، إلى قطاعي المقاولات والخدمات النفطية في أكبر اقتصادين في العالم العربي.
وأعلنت المملكة الأسبوع الماضي تعليق العمل في المرحلة الثالثة من توسعة الحرم المكي والتي تتكلف 100 مليار دولار بسبب المخاوف من خطر تفشي فيروس كورونا.
وقبل يومين قالت مجموعة “بن لادن” العملاقة للإنشاءات في إخطار داخلي نشرته وكالة “رويترز” للأنباء، إن اثنين من الموظفين الذين يعملون بالمشروع أصيبا بالعدوى.
وأرسلت شركة “موبكو” للإنشاءات المدنية مذكرة إلى موظفيها في الرياض ومكة والمدينة تبلغهم بأنها تعتزم خفض الأجور بنسبة تتراوح بين 25 و50% بسبب “الملابسات الطارئة لكوفيد-19″، حسبما تفيد الوثيقة الداخلية المؤرخة في 25 مارس/آذار والتي اطلعت عليها “رويترز”.
وقال مصدر بشركة مقاولات خليجية كبيرة، اشترط عدم الكشف عن هويته بسبب الحساسية المتعلقة بمناقشة خطط الشركة، إنه لم يشهد إسناد أي مشروعات سعودية جديدة خلال الشهرين المنصرمين.
وقال متعاقد سعودي، طلب أيضا عدم الكشف عن هويته، “هناك مخاوف كثيرة إلا أن العمل لم يتوقف في المشروع الذي نعكف عليه الآن”، معبرا عن مخاوف من أن يكون المشروع المدعوم من الدولة مهددا.
وأضاف: “هؤلاء العمال يأكلون ويشربون وينامون في نفس المكان. إذا أصيب واحد منهم فقط بالعدوى سيتوقف المشروع بأكمله”، وتابع قائلا إن من المكلف جدا بالنسبة للمتعاقدين وقف العمل ما لم يصدر توجيه من الحكومة بذلك.
والإنفاق الحكومي في منطقة الخليج المنتجة للنفط هو المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، وأعلنت المملكة والإمارات عن إجراءات تحفيزية بقيمة 70 مليار دولار تقريبا لتخفيف تأثير انتشار فيروس “كورونا”.
وقالت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني إن هذا يعادل أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات وأكثر من 4% من الناتج المحلي الإجمالي السعودي.
يتألف التحفيز إلى حد كبير من إجراءات نقدية وإجراءات خارج الميزانية، منها على سبيل المثال تأجيل سداد أقساط القروض للشركات والأفراد المتعثرين.
لكن هناك حدا لما يمكن للحكومتين، اللتين تعتمدان كثيرا على إيرادات تصدير النفط، ضخه من أموال بسبب تراجع أسعار الخام إلى أدنى مستوياتها في 17 عاما.
وتزيد حرب على الإمدادات بين الرياض وموسكو من حدة تأثير تراجع غير مسبوق في الطلب يأتي مع فرض الحكومات إجراءات للعزل العام لوقف انتشار الفيروس.
وحتى شركات النفط الحكومية العملاقة خفضت النفقات، وأصدرت شركتا النفط الحكوميتان في أبوظبي والكويت توجيهات لتقليل الإنفاق.
وأرجأت دائرة الطاقة في أبوظبي الأسبوع الماضي إعلان العطاءات الفائزة بتطوير محطة للطاقة الشمسية وقالت إنها تراقب أسعار الطاقة وسلاسل الإمداد.
وقال “يوسف البنيان” رئيس مجموعة الأعمال السعودية لمجموعة العشرين، إن الشركات الصغيرة والمتوسطة هي الأكثر انكشافا على تفشي فيروس “كورونا” الذي قال إن تأثيره قد يمتد إلى عام 2021.
وأضاف البنيان، وهو أيضا الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك): “هذا ما يحاول المنظمون وضع حزم دعم لأجله لمساعدة هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة لمواصلة تركيزهم على العمل… وحتى لا تشهد تأثيرا على الوظائف”.
وفقدان الوظائف ليس أمرا غير معتاد في فترات التباطؤ في منطقة الخليج. وشهدت المملكة تخفيضات كبيرة أثناء آخر تراجع لأسعار النفط في 2015 عندما تقلص الإنفاق الحكومي.
وقال مصرفيون إن السيولة تمثل أكبر تحد وشيك.
وقال “دانيال هوليت” رئيس الخدمات المصرفية التجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا ببنك “إتش.إس.بي.سي”: “تحدثنا مع كل عميل في أنحاء المنطقة في جميع القطاعات خلال أيام العمل العشرة الماضية من منظور العمل المصرفي التجاري. الشيء الأساسي هو القلق بخصوص السيولة – هل لدي ما يكفي من النقود للتجارة”.
وقال مازن الخطيب”، الرئيس التنفيذي لشركة نوستالجيا للسيارات الكلاسيكية في دبي لـ”رويترز”، إن شركته تتفاوض على قرض مرحلي ليساعدها في تغطية تكاليف التشغيل، لكنها مع ذلك قد تضطر لاتخاذ قرارات مؤلمة.
وأضاف قائلا: “أشعر بالقلق بشأن الأجور في نهاية الشهر. ألغيت طلبيات كثيرة كانت على وشك أن تصبح جاهزة كما تأجلت طلبيات كثيرة كانت على وشك الإتمام”.
واتفق “هذال العتيبي” الرئيس التنفيذي لشركة الأندلس العقارية المدرجة في الرياض مع الرأي القائل بأن التحدي الرئيسي لقطاع التجزئة يتمثل في إدارة تدفقات الأموال وخدمة الديون.
وقال “في حكم المؤكد أن النتائج المالية للربع الثاني من 2020 لدى الكثير من الشركات ستعكس التحديات التي تواجه الأعمال في هذه الفترة”.
وقالت شركة أرقام لتداول الأوراق المالية إن المملكة قد تشهد اتساع العجز في 2020 إلى 16.1% عن توقعات سابقة لعجز قدره 6.4% إذا أصبح متوسط أسعار النفط 40 دولارا.
وأضافت أنه عند متوسط سعر 30 دولارا، قد يبلغ العجز 22.1% أو 170 مليار دولار تقريبا وفقا لحسابات “رويترز”.
وبلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بالمملكة نحو 20% في 2019، وبحسب وكالة “ستاندرد اند بورز” للتصنيف الائتماني، فإنه سيرتفع إلى قرابة 34% في 2020 ونحو 36% في 2021.