رفضت عشرات الشركات العالمية المشاركة في اكتتاب أسهم شركة “أرامكو” النفطية الحكومية ما شكل فشلا ذريعا لنظام آل سعود الذي عمد إلى الترويج للخطوة داخليا.
وعمل نظام آل سعود على تشجيع الشركات العالمية للاكتتاب في أرامكو، إلا أن سجله الحقوقي الأسود وتداعيات جريمة قتل الصحفي خاشقجي فضلا عن ممارسات محمد بن سلمان السلبية كانت دافعا لرفض تلك الشركات.
وتراجعت العديد من الشركات العالمية عن الاستثمار في شركة أرامكو من أبرزها: شركة بيتروناس الماليزية، وبعض الشركات اليابانية منها شركة JXTG للتكرير، وصندوق الثروة النرويجي، وصندوق الاستثمار المباشر الروسي، وصندوق الثروة السيادي في أبو ظبي، وصندوق الثروة السيادي السنغافوري، وصندوق الثروة السيادي الماليزي، وصندوق الثروة السيادي الصيني.
وبعد فشل طرح أرامكو عالمياً اتجهت السلطات إلى طرحه محلياً فقط للتغطية على فشله في طرحه عالمياً.
وفي وقت سابق قالت وكالة رويترز العالمية للأنباء إن الكثير من مديري الاستثمارات خارج الخليج يعتزمون تجاهل الطرح العام لشركة أرامكو، بسبب مخاطر الحوكمة والبيئة والعوامل الجيوسياسية.
وذكرت الوكالة في تقرير لها “كان من المفترض أن يكون الطرح العام الأوليّ لشركة أرامكو السعودية حجر الزاوية في الخطة الطموح التي نسج خيوطها ولي العهد محمد بن سلمان لفتح أبواب الاستثمار الأجنبي في المملكة، لكن ليست هناك أي بادرة على إقبال كبير من المستثمرين الأجانب”.
وبلغت قيمة شركة أرامكو نحو 1.7 تريليون دولار، وهو رقم لا يزال أقل من الهدف الذي كان محمد بن سلمان يسعى إليه وهو تريليونا دولار.
ووفقا لمعلومات حصلت عليها رويترز من 26 شركة لإدارة الأصول من خارج منطقة الخليج يتجاوز مجموع ما تديره من استثمارات معا سبعة تريليونات دولار، سينأى العديد من المستثمرين العالميين الذين يركزون على الأسواق الناشئة بأنفسهم عن أسهم أرامكو في سوق الأوراق المالية بالرياض لدى استهلال تداولها الذي يتوقع أن يبدأ في الأسبوع المقبل.
وقال أغلب مديري الصناديق النشطة إنهم سينأون بأنفسهم على الأرجح عن الطرح الأوليّ، وذلك استنادا لمخاوف ملحة تتعلق بمخاطر الحوكمة والعوامل البيئية والجيوسياسية بالمنطقة.
كما قال جميع مديري الصناديق الخاملة -الذين يتبعون مؤشرات بعينها بدلا من أخذ قرارات استثمارية تتعلق بأسهم بعينها- إنهم لن يشتروا أسهم أرامكو في الطرح العام الأوليّ.
ولم يتوقع أحد من الخبراء في عالم الاستثمار أن يكون الاهتمام العالمي فاترا عندما أحدث بن سلمان ضجة في عالمي الطاقة والمال عام 2016 لدى إعلانه خطط إدراج أرامكو أكبر شركات العالم ربحية بما في ذلك إدراجها في بورصات عالمية من خلال أكبر طرح عام أوليّ في التاريخ.
وقال تشارلز هوليس الدبلوماسي البريطاني الذي عمل في السابق في المملكة ومدير شركة فالانكس أسينت للاستشارات “عندما تم الإعلان عن ذلك كان السعوديون وخاصة ولي العهد يتطلعون إلى شيء من شأنه أن يضع أرامكو على خريطة المستثمرين العالميين، ومن الواضح أن شيئا من ذلك لم يحدث”.
وبلغ مجموع طلبات المشاركة في الاكتتاب من المؤسسات الاستثمارية 106 مليارات دولار، وهو ما يمثل زيادة بأكثر من 4.6 مرات على الأسهم المعروضة، لكن لم يتم الكشف عن النسبة التي يمثلها المستثمرون من الخارج في هذا الإقبال.
وكان آخر تحديث ينشر عن ذلك يوم الجمعة الماضي وأظهر أن إقبال المؤسسات الاستثمارية الأجنبية بلغ 10.5% من إجمالي الأسهم المطروحة وقيمتها 38.4 مليار دولار.
وأفادت رويترز بأن نطاق مخاوف المستثمرين النشطين عريض، فالبعض يرفض ببساطة الاستثمار في شركات النفط بينما يتوجس آخرون من تدخل الدولة في إدارة الشركة أو من سجل السعودية بمجال حقوق الإنسان أو من المخاطر الجيوسياسية التي أصبحت في صدارة العوامل بفعل الهجوم الذي وقع على منشأتين نفطيتين لأرامكو في سبتمبر/أيلول الماضي.
لكن بعض مديري الصناديق في الجانب الآخر، قالوا إن أرامكو تملك قاعدة تقوم على التكاليف المنخفضة وذات دور قيادي في قطاعها وعملياتها كما تنخفض فيها معدلات الانبعاثات الكربونية ولديها عائد ربحي مغر، ولكن رغم ذلك قد يكون السعر النهائي عاملا رئيسيا.
لاحق الفشل رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان بشأن اكتتاب شركة “أرامكو” النفطية الحكومية التي جمعت 25.6 مليار دولار من المستثمرين في إطار الاكتتاب العام.
ويعني الرقم المذكور أن تقييم أرامكو لم يتجاوز مبلغ 1.7 تريليون دولار، أي أقل بكثير من القيمة التي كان يطمح إليها بن سلمان، فيما لم تحدّد الشركة بعد موعد تداول أسهمها.
وأعلنت الشركة أن قيمة الطرح تبلغ 96 مليار ريال (25.6 مليار دولار) بافتراض عدم ممارسة خيار التخصيص الإضافي، لكن القيمة الإجمالية للاكتتاب في الطرح ستصل إلى 110.4 مليارات ريال سعودي (29.4 مليار دولار) بافتراض ممارسة الخيار المذكور.
وأشارت إلى أن الإعلان عن موعد بدء تداول أسهمها سيتم بعد استيفاء جميع المتطلبات والانتهاء من جميع الإجراءات النظامية ذات العلاقة.
وتوقعت مصادر في المملكة أن تُطرح أسهم الشركة في سوق المملكة “تداول” في 12 ديسمبر/كانون الأول بسعر 32 ريالاً سعودياً للسهم (8.53 دولارات).
ويبقى السؤال لماذا ستقوم المملكة بالسماح للمستثمرين بالمشاركة في امتلاك جزء من “جوهرة التاج” الاقتصادية؟
ولا تزال المملكة تملك 500 مليار دولار في احتياطيات الميزانية في البنك المركزي، ونحو 250 مليار دولار تحت إدارة صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
وقال الجنرال الأميركي ديفيد بيترايوس في مقابلة تلفزيونية في أبوظبي الشهر الماضي “إنها حقيقة أن أموال السعودية تنفد تدريجيا”.
ورأى بيترايوس أن “الخلاصة هي أنهم بحاجة إلى المال، وبحاجة إلى الاستثمار الخارجي الذي يعد ضروريا لتطبيق رؤية 2030 التي لا يمكن تطبيقها بدون الاستثمار الخارجي”.