كشفت صحيفة Sunday Times البريطانية، عن مخاوف من تكرار سيناريو قتل الصحفي البارز جمال خاشقجي بعد تهديد معارض سعودي في المنفى باغتياله.
وذكرت الصحيفة أن الحكومة السعودية عرضا مكافأة على رأس العقيد المعارض رابح العنزي، وأكثر من 2600 دولار، لمن يستطيع تحديد مكانه.
وبحسب الصحيفة اخترق عملاء ينشطون لصالح الحكومة السعودية حساب العنزي على تويتر، وذلك بعد أن كشف عن انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في المملكة، وانتقد السياسات المتهورة لولي العهد محمد بن سلمان.
وأشارت إلى أن العنزي لجأ إلى العاصمة البريطانية لندن بعد أن انشق عن النظام السعودي وتحول إلى منتقد لسجل حقوق الإنسان في المملكة.
ونشر ربيع العنزي عضو جهاز الأمن السعودي ، مقطع فيديو على تويتر الشهر الماضي أعلن فيه تخليه عن منشوره بسبب “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان” و”السياسات المتهورة والمخالفات السياسية” لمحمد بن سلمان.
كما نشر العنزي على حسابه الشخصي في تويتر، صور لجواز سفره وهويته العسكرية إلى جانب كشف راتبه والعلاوات المالية التي يتحصل عليها لإثبات منصبه العسكري.
وشن العنزي في سلسلة تغريدات، هجوما شديدا على النظام السعودي وسياساته، مخاطبا عناصر الأمن في المملكة بالقول “إن من مقتضيات القسم الذي أقسمناه هو أن لا نظلم المواطنين بالتجسس عليهم والتسبب في سجنهم وتشتيت أسرهم”.
وأبرز سوء الأوضاع في المملكة في ظل “انتشار الفقر والبطالة لدى كثير من الشباب السعودي الذي يعاني كثيراً بسبب رؤية (كابوس) 2030”.
واعتبر العنزي أن “الأسوأ من هذا هو زيادة في سجل حالات انتحار السعوديين وذلك بسبب تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي المتصل بالقمع الشديد والذي وصل ذروته بسبب سياسات محمد بن سلمان”.
وشدد على أن “أكبر تهديد لأمن الوطن والمجتمع السعودي هو محمد بن سلمان ولهذا زاد في عهده الخوف والإرهاب الأمني لدى كافة شرائح المجتمع”.
بعد ذلك بوقت قصير، اخترق عملاء سعوديون على ما يبدو الحساب الشخصي للعنزي ووضع عليه صورة عائلة آل سعود الحاكمة.
والشهر الماضي نشرت وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس) تقريرا يبرز مخاوف المعارضون السعوديون في المنفى من تسليمهم مع استمرار المملكة في قمعها.
ففي زنزانته في بلغاريا، يخشى المعارض السعودي عبدالرحمن الخالدي تسلميه إلى بلاده مثل ناشطين آخرين اقتيدوا إلى المملكة الخليجية رغما عن إرادتهم قبل أن يختفي أثرهم.
وقال الخالدي لوكالة “فرانس برس” عبر الهاتف من مركز احتجاز إداري في صوفيا: “في حال الترحيل، سوف أتعرّض للتعذيب والسجن الطويل كوني عملت مع المعارضة لسنوات”.
وتابع الشاب البالغ 29 عاما والأب لطفلين: “هذا مصير تعرّض له زملائي الآخرون الذين كانوا على تواصل مع المعارضة أو عملوا معها أو طرحوا آراءهم علنا”.
وازدادت مخاوف الخالدي ومعارضين سعوديين آخرين ممن غادروا السعودية بعد انتقادهم سياسات بلادهم، بعد الترحيل المفاجئ الشهر الماضي للشاب السعودي حسن آل ربيع الذي كان يقيم في شكل مؤقت في المغرب.
ومذاك، لم ترد أي أخبار عن آل ربيع المنتمي لعائلة شيعية ناشطة سياسيا، والذي يواجه اتهامات من السلطات السعودية بـ”التنسيق مع إرهابيين”. وهو ما تنفيه أسرته.
وحذّرت 24 منظمة حقوقية الشهر الماضي من أنه يواجه مخاطر “التعذيب والاضطهاد” بعد ترحيله إلى بلاده.
وسلّطت قضية آل ربيع الضوء على ضعف موقف العديد من المعارضين السعوديين في الخارج وسط حملة قمع واسعة تنفذّها السلطات منذ تولّي ولي العهد محمد بن سلمان مهامه.
وتتهم مجموعات حقوقية ولي العهد البالغ 37 عاما والذي يعتبر الحاكم الفعلي لبلاده، بقمع الحريات السياسية، علما أن حملة إسكات المعارضين تترافق مع حملة انفتاح وإصلاح اجتماعي طموحة تشمل الاستثمار في قطاعات الترفيه والسياحة والرياضة وإقرار حقوق وحريات أوسع للنساء، وعلى رأسها الحق في العمل وقيادة السيارات.
ودفع آل ربيع ثمن عدم حصوله على لجوء سياسي أو جنسية بلد أخرى كان يمكن أن يدافع عنه، وفق ما يقول المدير القانوني في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان طه الحجي من برلين.
ويُعتبر هؤلاء الأشخاص “فئة مستضعفة تقع دائما فريسة لمخاطر الترحيل”، ومن بينهم الخالدي الذي قد يواجه المصير نفسه.
وقال حجي إن “الناشط والمعارض السعودي في الخارج ينتابه شعور دائم بالملاحقة”.
ونشط الخالدي سياسيا في بلاده قبل وصول الملك سلمان للسلطة في 2015، ثم تعيين الأمير محمد وليا للعهد بعدها بعامين، وخلال فترة الاحتجاجات النادرة التي شهدها شرق السعودية حيث تتركز الأقلية الشيعية، إبان فترة الربيع العربي في 2011.
لكنّه غادر المملكة في 2013 خشية توقيفه قبل أن يستقر في تركيا حيث شاهد السعودية تتعقّب ناشطين بازرين في الخارج، ومن بينهم الحقوقية لجين الهذلول التي أوقفت في الإمارات في مارس/آذار 2018 وأجبرت على العودة إلى السعودية حيث أمضت أكثر من سنتين في السجن.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، قتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول على أيدي عملاء سعوديين. وخلص تقرير من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى أنّ ولي العهد “أجاز” قتل خاشقجي، وهو ما تنفيه السلطات السعودية.
كما يشكو النشطاء من الملاحقات الإلكترونية. وأدان القضاء الأمريكي العام الماضي موظفا سابقا في شركة “تويتر” بالسجن بتهمة تجسسه لحساب السعودية وتسريب بيانات معارضين سعوديين، الأمر الذي يهدّد أمن العديد من النشطاء ومن بينهم الخالدي.
ومع انتهاء صلاحية جواز سفره، اضطر الخالدي لمغادرة تركيا في 2021 في رحلة على الأقدام عبر الغابات إلى بلغاريا، للحصول على حماية في الاتحاد الأوروبي.
لكنّ السلطات البلغارية رفضت في مايو/أيار الماضي منحه اللجوء السياسي بسبب عدم قدرته على إثبات أنه سيتعرّض للاضطهاد في بلاده، وفق ما أكدّه عضو في فريق الدفاع عنه فضّل عدم ذكر اسمه. وينتظر الخالدي حاليا قرارا نهائيا حول ترحيله للرياض.
ولا يوجد إحصاء دقيق لأعداد الناشطين السعوديين في الخارج، لكن ناشطين ومحامين سعوديين أفادوا أنهم يتركزون في ألمانيا والولايات المتحدة وكندا وإنجلترا.
وارتفعت أعداد طالبي اللجوء السعوديين بشكل كبير في دول الاتحاد الأوروبي بعد وصول الملك سلمان إلى سدة الحكم. وسجّل التكتل 15 طلب لجوء سعوديا في 2013 و40 طلبا في 2014، حسب بيانات الوكالة الأوروبية للجوء.
لكنّ الرقم قفز إلى 130 في 2017، وهو رقم قياسي سُجّل مجددا في 2022. لكن حتى الذين حصلوا على اللجوء لا يزالون يشعرون ببعض الخوف.
وغادر المعارض عبدالحكيم الدخيل الذي اعتقل لأكثر من عام سنة 2010 بسبب دعوته الى إصلاحات سياسية عبر الإنترنت، المملكة في 2017، وانتهى به المطاف في فرنسا حيث حصل على اللجوء السياسي في 2020.
وقال الدخيل: “قبلها كنت أخاف أن يتم ترحيلي حيث أحاكم بتهم ملفقة ولا أرى الشمس مجددا”.
لكنّ بعض المخاوف لا تزال تساوره، وقال: “أفضّل التواجد في الأماكن العامة ولا أزال أخاف الذهاب إلى أماكن معينة بمفردي. في النهاية أنا فرد وهم دولة”.
وأوضح نشطاء وحقوقيون سعوديون مقيمون في الخارج أنّهم يتجنبّون حتى “المرور” في دول عربية خشية توقيفهم وتسليمهم، كما حدث لآل ربيع.
وقال نائب رئيس المنظمة الأوروبية السعودية عادل السعيد “لا أحد يغامر بالمرور” عبر الدول العربية. وذكر نشطاء سعوديون أنهم يرفضون باستمرار دعوات لحضور مؤتمرات حقوقية تعقد في بلدان عربية أكثر حرية مثل لبنان وتونس، لتجنّب تسليمهم للرياض.
وترى لينا الهذلول، رئيسة قسم التواصل في مؤسسة ” القسط” لحقوق الإنسان ومقرها لندن، أنّ اللجوء السياسي أو الجنسية الثانية توفّران “طبقة حماية” للمعارضين.
لكنّها تضيف: “مع الأخذ في الاعتبار تأثير السعودية ونفوذها على بعض الدول، فهي ليست حماية مضمونة”.