تمر في المملكة هذه ذكرى الأيام ذكرى مرور خمسة أعوام على توالي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في ظل شروخ سياسية واقتصادية، وأزمات دبلوماسية، وحرب تقودها المملكة في اليمن، وانفتاح كبير داخل المجتمع، وأوضاع حقوقية قاهرة تندد من أجلها المنظمات الدولية.
وتفاقمت خلال الأعوام الخمسة الصعوبات الاقتصادية والتطورات السياسية غير المحسوبة، وما صاحبها من أزمات مختلفة ما زالت تحاصر المملكة حتى اليوم.
ومنذ اعتلاء الملك سلمان سدة العرش بعد رحيل الملك عبد الله في يناير 2015، ونجله محمد لا يتوانى عن صعود سلم السلطة في خطوات متلاحقة وسريعة، مستخدماً سلطة والده لتغيير صورة السعودية إلى الأسوأ.
ومع تولي الملك سلمان الحكم، قامت الحكومة بتخفيض رواتب القطاع العام وخفض الدعم، وارتفعت أسعار الوقود والكهرباء والمياه، في محاولة منها لمواجهة العجز الكبير في ميزانية الدولة، فضلاً عن اقتراض المملكة المليارات من الداخل والخارج.
كما أطلق الملك “سياسة التقشف” في مختلف قطاعات الدولة لتقليص العجز في الميزانية، وتخفيض الدعم للمحروقات والكهرباء والمياه وسلع أساسية، وهو ما أثر على الاقتصاد السعودي وزاده ركوداً وأضر بـ”القطاع الحكومي” الذي تضاءلت فرص الوظائف فيه.
وتشير تقارير دولية إلى أن السعوديين كانوا يتمتعون بأوضاع اقتصادية جيدة نسبياً في السابق، بفضل العائدات النفطية التي تحصل عليها بلادهم، لكنهم بدؤوا يشعرون خلال الأعوام الخمسة الأخيرة بأن ظروفهم المعيشية قد تدهورت كثيراً، بسبب السياسات المتخبطة والحرب المستمرة في اليمن منذ مارس 2015.
وكان آخر خسائر المملكة حين شهد فائض ميزان تجارتها الخارجية (النفطية وغير النفطية) انخفاضاً بنسبة 6.1% على أساس سنوي في النصف الأول من 2019، وخسائر عملاق النفط “أرامكو” الكبيرة عقب الهجوم الذي تعرضت له في منتصف سبتمبر الماضي، وأوقف تصدير نصف إنتاجها لنحو نصف شهر.
وبعد شهر فقط من توليه الحكم يبدو أن أسوأ قرار اتخذه الملك سلمان هو إعلان بلاده حرباً على الحوثيين في اليمن دعماً للحكومة الشرعية هناك.
وفي حين ظنتها حرباً خاطفة لن تستغرق سوى بضعة أسابيع أو أشهر للقضاء على جماعة متمردة، ما زالت السعودية تتجرع كأس الحرب التي شنتها ضد مليشيات الحوثي، فترتد تلك الحرب عليها خسائر عسكرية واقتصادية لم يُفصح بعد عن أبعادها.
ولم يعد التساؤل حالياً عن عدد الطلعات الجوية السعودية والمواقع الحوثية العسكرية المستهدفة، بل عن الهجمات المضادة والصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي بات الداخل السعودي فيها هدفاً سهلاً لجماعة الحوثي.
وإلى جانب ذلك تلاحق المملكة المنظمات الدولية تتهمها بارتكابها مجازر بحق المدنيين باليمن؛ في حربها التي خلفت آلاف القتلى، وسط مطالبات برفع تلك الجرائم إلى الجنايات الدولية للمطالبة بمحاكمة المسؤولين السعوديين.
ويضاف إلى ذلك الضريبة الاقتصادية للحرب، التي تحولت إلى الحاجة لصفقات أسلحة بـ46 مليار دولار مع أمريكا، ثم الاستعانة بقوات أمريكية لحماية البلاد من تكرار الهجمات على مصالحها النفطية، وهي الخطوة التي أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الرياض دفعت لأجلها.
وكان لجريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، في أكتوبر 2018، بالغ الأثر على حكم الملك سلمان، ووصمة عار ستلاحق نجله ولي العهد، الذي أكدت تقارير استخباراتية تورطه بالجريمة.
وشكل الاغتيال صفعة مدوية للأعراف الدبلوماسية بتحويل القنصليات إلى ساحات للقتل، كما أن بشاعة الجريمة شكلت استهتاراً حتى بالشريعة الإسلامية التي تقول السعودية إنها مصدر التشريع فيها.
وأدى تصاعد الغضب الدولي إثر مقتل خاشقجي إلى مواجهة الملك سلمان ونجله محمد عزلة دولية، ووضعت سجل حقوق الإنسان في المملكة تحت المجهر وأساءت لصورة السعودية.
وسعى الملك ونجله منذ ذلك الحين إلى إصلاح سمعتهما عبر إطلاق حملات علاقات عامة من أجل جذب المستثمرين الأجانب، مع تسريع ما يصفه المحللون بـ”الميل نحو الشرق”؛ بتعزيز التحالف مع دول لا تنتقدهما، مثل الهند والصين وروسيا، ولكن هذه الخطوة لم تحقق نجاحاً كبيراً، كما منعتهما لفترة من التنقل إلى دول أوروبا وأمريكا خشية ملاحقتهما دولياً.
وكان حصار قطر الذي قادته المملكة والإمارات إلى جانب البحرين ومصر، في يونيو 2017، أحد أكبر الأزمات التي صنعتها المملكة في عهد الملك سلمان، وتسببت في شرخ كبير داخل البيت الخليجي لأول مرة في تاريخه.
وليست جريمة مقتل خاشقجي هي الانتهاك الوحيد للمملكة، وإن كانت هي الأبرز والأكثر تعقيداً، بل يمكن الجزم بأن حقوق الإنسان تدهورت في المملكة بشكل كبير وملحوظ، حيث توالت الاعتقالات لأصحاب الرأي والمفكرين والناشطين وبتهم سطحية لا تتناسب مع أحكام إعدامهم التي صدرت، وفق منظمات حقوقية.
ومنذ استلام ولي العهد محمد بن سلمان السلطة بدأ بحملات اعتقال لبسط سلطته ونفوذه، طالت العديد من رجال الأعمال بحجة مكافحة الفساد، وشملت عدداً من العلماء والكُتاب، معظمهم ضمن “تيار الإصلاح” في المملكة، وبينهم المفكر والداعية سلمان العودة الذي اتهم بعدة تهم ينفيها، أبرزها “التقصير في الدعاء لولي الأمر”.
وأظهر تقرير لمنظمة العفو الدولية “تقصير الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه عن التزامهم بدعم وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يواجهون تهديدات وهجمات مميتة على نحو متصاعد في بلدان مختلفة من ضمنها السعودية”.
وبعد عقود من المحافظة على عادات وقيم المجتمع المحافظ وبشكل صارم، شهدت السعودية خلال العامين الأخيرين من تولي الملك سلمان الحكم، تغريب نمط الحياة ثقافياً ودينياً واجتماعياً في البلاد.
ومن افتتاح دور السينما، وتشريع الحفلات المختلطة، والسماح للنساء بحضور مباريات كرة القدم، وترخيص لعبة البلوت وإقامة مباراة رسمية لها، وإقامة حلبات المصارعة النسائية والرجالية، واستضافة المغنيات الغربيات بسمعتهن المرتبطة بالعري، ومسابقة الألوان المختلطة بين الرجال والنساء، بدت المملكة مؤخراً بوجه غير مألوف على الشعب والعالم.
جاء تخفيف القيود الأخيرة على عديد من أشكال الترفيه كجزء من خطة ولي العهد السعودي، بحجة تنويع اقتصاد البلاد، لكن منتقديها من بوابة الشرع والقيم واجهوا قمعاً واعتقالات.
حيث تتعرض السلطات للعديد من الانتقادات إثر التغيير الاجتماعي والترفيهي المفاجئ في البلاد، والذي خالف جميع العادات والتقاليد والالتزام الديني الذي حافظت عليه المملكة سنوات طويلة.
ويقول مراقبون إن المملكة لا تبدو بأحسن حالاتها اليوم، ولا تبدو الأماني بعد مرور خمس سنوات على “سعودية سلمان” متحققة، أو في وارد التحقق، بل على العكس توجد مؤشرات على فشل ذريع لحكمه”.
فالملك سلمان بمجرد توليه موقع الحاكم وإحكامه القبض على السلطة، أعطى لنجله محمد الصلاحيات الكاملة، الذي ساهم في فقدان المملكة لسمعتها عالمياً.
كما أن المملكة أصبحت “سيئة السمعة، فمن حرب اليمن إلى الاعتقالات، وصولاً إلى جريمة قتل وتقطيع خاشقجي لمجرد أنه انتقد طريقة الحكم، وهذا ما يؤكد أن هناك نظاماً مجرماً يسيطر حالياً على المملكة.