جدل في واشنطن بشأن اعتبارات “حماية” آل سعود
تشهد الولايات المتحدة جدلا على إثر الهجمات الأخيرة على المملكة ومدى حاجة واشنطن للاستجابة لطلبات نظام آل سعود بتوفير الحماية له خاصة في ظل الانقسامات على خلفية السجل الحقوقي الأسود لآل سعود.
تساءلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمركية في افتتاحيتها، هل يمثل الدفاع عن المملكة وحماية منشآتها النفطية من الهجوم مصلحة حيوية للولايات المتحدة، وهل ينبغي المخاطرة بأرواح الجنود الأميركيين لحماية نظام محمد بن سلمان؟
وتطرقت الصحيفة إلى أن موقف الإدارة الأميركية لم يستبعد الخيار العسكري للرد على الهجوم الذي تعرضت له منشآت النفط السعودية في أرامكو الأسبوع الماضي.
وأشارت إلى أن رد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الهجمات شمل حتى الآن فرض عقوبات على إيران التي حملتها الولايات المتحدة والرياض المسؤولية عن الهجوم، لكنه أيضا أرسل تعزيزات أميركية إلى الخليج ولم يستبعد القيام بعمل عسكري.
وتوقعت الصحيفة قيام الصقور الجمهوريين بالمطالبة برد عسكري أميركي في حال قيام إيران بمزيد من الهجمات.
وفي معرض المقارنة بين موقف ترامب من هجمات أرامكو وموقف الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش من غزو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين لدولة الكويت وتهديده لمنشآت النفط السعودية قبل ثلاثة عقود، قالت واشنطن بوست إن بوش استنتج بسرعة ضرورة التدخل العسكري.
وأضافت أن مبررات التدخل العسكري كانت واضحة، بينما تبدو المبررات الآن أقل وضوحا نتيجة لمجموعة من الأسباب، أبرزها تهور ترامب.
وبحسب الصحيفة فإن حماية منشآت النفط السعودية لم تعد تمثل هدفا إستراتيجيا للولايات المتحدة كما هي الحال قبل ثلاثة عقود، فقد انخفض اعتماد الولايات المتحدة على واردات النفط السعودية بشكل كبير.
وأوضحت أن اعتماد أميركا على النفط السعودي تراجع بنسبة 50% خلال العامين الأخيرين فقط.
وأنه بالرغم من أن المملكة لا تزال تنتج 10% من إمدادات النفط حول العالم، فإن الولايات المتحدة باتت الآن أكبر منتج للنفط.
وأضافت أن طبيعة التهديد الذي مثلته الهجمات التي تعرضت لها المملكة الأسبوع الماضي تختلف كثيرا عن التهديد الذي شكله نظام صدام حسين في التسعينيات.
وأوضحت أن الهجوم على أرامكو -إن صحت مسؤولية إيران عنه- يعتبر حلقة في صراع طويل من أجل النفوذ الإقليمي بين طهران والرياض تغذيه الطائفية، بينما مثل غزو الكويت عملا عدوانيا صارخا يهدف إلى تعزيز السيطرة على إمدادات النفط في الشرق الأوسط.
وتشير الصحيفة إلى أن مصلحة الولايات المتحدة إزاء الصراع السعودي الإيراني في الوقت الراهن تقتضي تعزيز توازن القوى بين السعودية وإيران لا في تغليب ميزان القوة لدى جانب من أطراف الصراع على حساب الآخر.
وأشارت إلى أن مصالح الولايات المتحدة تتمثل في منع إيران والسعودية من امتلاك سلاح نووي وردع العدوان الإيراني على إسرائيل، الذي يعد أحد أسباب الوجود العسكري الأميركي في سوريا، وليس في تمكين المملكة من الانتصار على إيران أو اليمن.
ولفتت الصحيفة إلى أن ترامب أضر بتلك المصالح الأميركية من خلال مواقف عديدة من ضمنها انسحابه من الاتفاق النووي الموقع مع إيران، رغم التزام طهران ببنوده مما دفعها إلى تكثيف أنشطتها النووية.
وتضيف أن موقف ترامب دعم حرب محمد بن سلمان المدمرة في اليمن التي أودت بحياة آلاف المدنيين وشكلت ذريعة للهجمات على أهداف سعودية، كما سعى إلى سحب القوات الأميركية من سوريا.
وخلصت واشنطن بوست إلى أن أخطاء ترامب الكثيرة وضعته على شفا حرب مع إيران لا يرغب فيها ولا تخدم مصالح الولايات المتحدة، وأن الحل الأفضل الذي على الرئيس الأميركي اتخاذه الآن هو البحث عن طريقة تضمن نزع فتيل الأزمة مع إيران.
وقال المحلل السياسي الأردني عمر عياصرة إن موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحالي مما يجري من توتر في منطقة الخليج هو “تسليع الأزمة”، إذ يسعى لانتهاز الفرصة لبيع مزيد من الأسلحة بينما تنقاد الرياض لرغبات واشنطن.
وذلك في أعقاب تصريح وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر عن موافقة ترامب على إرساله قوات إضافية لحماية منطقة الخليج، ومنشآت البنية التحية في المملكة والإمارات، بناء على ما قال إنه طلب من هاتين الدولتين قدمتاه لبلاده.
وحذر عياصرة من مآلات المشهد الحالي على المنطقة، متسائلا عن سبب فشل الدفاع السعودي في التصدي للهجوم على شركة أرامكو النفطية، رغم امتلاكه ترسانة أسلحة أميركية ضخمة.
ومن جانبه؛ دافع الباحث الأميركي في معهد الشرق الأوسط كينث كارتزمان عن موقف ترامب، قائلا إنه لجأ إلى بيع المزيد من الأسلحة لدول الخليج ووضع المزيد من العقوبات على إيران، وذلك كحل وسط يجنب ترامب النزاع مع طهران أو إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي.
أما المحلل السياسي الكويتي حسين جمال فقد رأى أن ترامب اتخذ من الهجوم على شركة أرامكو ذريعة لاستقطاب المزيد من الصفقات والأموال من دول الخليج، مشيرا إلى تصريحاته الأخيرة التي أعلن فيها بوضوح عزمه جمع الأموال لتحقيق مصالح أميركا الاقتصادية والجيوسياسية.
وفيما يتعلق بالعلاقة الوثيقة بين واشنطن ودول الخليج؛ أكد جمال على أهمية تلك العلاقة التي ترتبط أميركا بغالبية دول الخليج لحفظ أمنها، خاصة مع هيمنة الولايات المتحدة على المنطقة أمنيا وعسكريا وفي العلاقات النفطية.
ومن جهته؛ أوضح كارتزمان أن الشعب الأميركي أصبح يميل إلى فك الارتباط بمنطقة الشرق الأوسط وعدم الانخراط في شؤونها الداخلية، حيث يرون أن تلك العلاقة لا تحمي المصالح الأميركية وتتسبب لبلادهم في المزيد من الأزمات.
واعتبر عياصرة أن العلاقة التي تجمع الولايات المتحدة الأميركية بالسعودية الآن هي “أخطر” من العلاقة بين الأخيرة وإيران، داعيا الرياض إلى التفكير الذاتي والانحياز إلى الخيار الأقل تكلفة.