تتكبد السعودية في عملياتها العسكرية الإجرامية في اليمن خسائر تقدر بـ200 مليون دولار يوميا على الأقل.
وتقول دراسات إن السعودية قد تجاوزت في مصاريفها على حرب اليمن سعر الدولة اليمنية. وقام الفريق بتقدير سعر اليمنين، أرضين وقيادتين وخرابين، وتبين أن سعر اليمنين معاً لم يتجاوز سعر الصواريخ التي تهبط عليه.
أما قرار الحرب السعودية على اليمنين كان قد اتخذ أساساً بسبب قرب موعد انتهاء صلاحية الأسلحة السعودية المكدّسة في المخازن، وهي أسلحة كانت بأمسّ الحاجة لرؤية الشمس، خاصّة أن السعوديين والعرب إجمالاً قد بدأوا بالشك بقدرة الجيش السعودي على استخدام هذه الأسلحة المتصورة.
وتبين الآن أن الأسلحة السعودية تمتاز بأنها دقيقة وذكية التوجيه، بحيث لا تستهدف إلّا اليمنيين، ولا تخطئ طريقها لضرب معاقل دولة الخلافة أو القاعدة، أو اسرائيل لا قدّر الله، إذ أن الأمر قد يؤدي إلى كارثة تشبه الكارثة اليمنية لكن على مستوى العرب أجمع، من المحيط للخليج، شعوباً وأنظمة ومعارضة وشبيحة ومساجين، في الدول العربية وفي الشتات، في مخيمات اللجوء وقصور الملوك على السواء.
ويرى خبراء آخرون أن سبباً آخر يقف أمام عدم قيام السعودية بشراء اليمنين بدلاً من تسوية البلاد بالأرض.
ويكمن السبب الثاني في عدم قدرة مال النفط على شراء كل شيء. فعلى الرغم من الفقر الذي يعاني منه اليمنان، إلّا أن مال النفط السعودي لا يتمتع بقيمة شرائية عالية لدى الشعوب، بل يحتفظ بقيمته لشراء الأنظمة والحكومات والأسلحة، وليس إرادة الشعوب.
المعطيات المذكورة واحدة من مواد سخرية تنتشر عربيا ودوليا على السعودية التي تحولت إلى مجرد مادة للسخرية وإثارة الجدل بقيادة آل سعود.
والسخرية من آل سعود وصلت حد انتشار خبر تهكمي بعقد الرياض صفقة مع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا بقيمة ٢٢٠ مليار دولار لشراء سفينة فضائية مأهولة صنعت خصيصا لمراقبة الحكومة الأمريكية وخططها.
وتكملة الخبر طبعا تتضمن إعلان الحكومة السعودية أن جميع المهندسين الذين سيقومون بإطلاق المركبة هم من أصول بنجالية وباكستانية، وسيكتفي المهندسون العرب بأخذ صور بجانب المركبة مرتدين زي رواد الفضاء الرسمي الذي تم إلحاقه بالمجان من قبل ناسا مع الصفقة.
من جهته يقوم مهندسو وزارة الإفتاء السعودية بمعاينة المكوك للتأكد من أن استخدامه حلال تبعاً لآخر الفتاوى فيما يتعلق بالفضاء الخارجي.
مثل هذه المواد الساخرة من آل سعود باتت دورية ومنتشرة كالنار في الهشيم ما يعكس تدهور شديد في صورة المملكة التي رغم عديد المزايا التي تتمتع بها، سواءً من جهة الثروة الهائلة أو من جهة احتضانها لأهم مكانين مقدسين لدى المسلمين، إلا أن الفشل يسيطر على كل سياساتها التي تتخبط.
وهذا التخبط يفسره بوضوح كسب السعودية الدائم لعداوة الكثيرين من حولها ممكن كان من الممكن جدًا أن يكونوا حلفاءً لها.
وقبل فترة نشر موقع ذا إنترسيبت الأمريكي مقالًا تحليليًا عن تخبط السياسات السعودية وكارثيته من جهة تدخلاتها السافرة، وما أدى إليه من خسارة مُبينة أمام خصمها اللدود إيران. في السطور التالية ترجمة لهذا المقال.
كان من المفترض أن تكون المملكة العربية السعودية دولة بالغة القوة، إذ إنها تملك خُمس احتياطي النفط في العالم، وتربطها علاقات وثيقة بالدول الغربية العظمى، علاوةً على قدرتها على الوصول إلى كمياتٍ غير محدودة من الأسلحة الأمريكية، ودعمها مصالح الشركات العالمية، بالإضافة إلى موقعها الديني الثقافي الذي تُوفره لها إدارتها للأماكن الإسلامية المقدسة، ولذا كان حرّيًا بها أن تغدو قوةً إقليمية لا يُستهان بها. إلا أنه بالنظر إلى الوضع الحالي للشرق الأوسط، فمن الجلي أن ذلك ليس صحيحًا أبدًا.
تتخبط السياسية الخارجية السعودية بشكلٍ كان ليبدو هزليًا ومضحكًا لو أنه لم يُسفر عن هذا القدر من الخسائر البشرية. إذ إن زعامة محمد بن سلمان الحديثة تُودي بالحكومة السعودية إلى خسارة جميع المعارك بالوكالة التي تورطت فيها.
فالسعودية فشلت في إخضاع قطر، وكانت أهانت رئيس الوزراء اللبناني الحليف لها، سعد الحريري، فيما بدا وكأنها محاولة مأساوية لزعزعة استقرار الحكومة اللبنانية.
وعادةً ما تُنتقَد السعودية لكونها تربةً خصبة لبذور التطرف، إلا أن هذا قد يكون مَحض عَرَض لمشكلةٍ أكثر عمقًا، ألا وهي عدم كفاءة قيادتها.
إذ اتسمت السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية بالكارثية منذ اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز عام 1975، آخر حكام المملكة الذين روجوا صورة إيجابية عن البلاد.
وعلى الرغم من الأموال الطائلة التي أُنفقَت لمد نفوذ وهيمنة المملكة، إلا أن قادتها يبدون مُحاصرين أكثر من أي وقت مضى، عبر نزاعهم لا مع إيران وحلفائها فقط، بل أيضًا مع قطر والإخوان المسلمين، ومنافسيها الداخليين كذلك.
يمكن المقارنة بين السعودية وإحدى البلاد الأخرى في المنطقة، بالنظر إلى العديد من القواسم المشتركة التي تجمعهما؛ ألا وهي جمهورية إيران الإسلامية.
فعلى الرغم من الاختلافات الطائفية والعرقية بين البلدين، فهناك العديد من الجوانب التي يتشابهان فيها رغم المنافسة الدائمة المشتعلة بينهما. فكلتاهما دولة نفطية قمعية، تستخدم دين الدولة كأداةٍ للسيطرة على شعبها. وكلتاهما تستخدم الهُوية الطائفية وسيلةً لمد نفوذها خارج حدودها. علاوةً على سعيهما المشترك لتثبيت أقدامهما كقوى إقليمية مهيمنة، بغض النظر عن التدمير الذي يُصيب المنطقة جراء جهودهما.
هناك فوارق حقيقية بالطبع، فإيران دولة منبوذة دوليًا، لا تمتلك سوى قليل مما تمتلكه السعودية، وتبدو دومًا على حافة الاندثار أو أنها تحت خطر دائم من الولايات المتحدة العدائية بلا هوادة. إلا أن السعودية قد أثبتت، أنه بالرغم من المزايا المتعددة التي تتمتع بها، إلا أنها أشد سوءًا من إيران في سعيها لاكتساب النُفُوذ والسُلطة في المنطقة.
وعلى الرغم من أن جذور المنافسة بين البلدين عادةً ما تُرجَع إلى الصراع الأولي المفترض بين السُنّة والشيعة، إلا أن الجذور الحقيقية لهذه المنافسة ترجع إلى تاريخ أكثر حداثة، تحديدًا اضطرابات عام 1979، أو الثورة الإسلامية في إيران.
في عام 1979، خاضت إيران ثورتها الإسلامية، وبدأت تصدير أيديولوجيتها الثورية بحماسة عبر العالم الإسلامي، وروجت الجمهورية الإسلامية الوليدة لنُسخةٍ مُسيسة من الإسلام الشيعي صِيغت على يد آية الله الخميني في السنوات الطويلة التي قضاها في المنفى.
في الوقت نفسه خيم القلق على السعودية جراء الإطاحة بأحد الملوك المجاورين، مع المشاعر الثورية للقادة الإيرانيين الجدد، بالإضافة إلى حادثة الحرم المكي حين سيطر عليه أتباع جهيمان العتيبي، وهي الحادثة التي أسفرت عن زيادة الجُهود السعودية الموازية لمحاولات إيران تصدير الثورة، والساعية إلى الترويج لنسخة أصولية من الإسلام السني في الداخل والخارج، لأجل كسب المزيد من النُفوذ في المنطقة والعالم بأسره.
وفي حين أن العديد من الجماعات السياسية الشيعية تنظر إلى إيران على أنها نموذج ومصدر للدعم، إلا أن السعودية تُرفض علنًا من قِبل المسلمين السُنّة عبر الطيف الأيديولوجي، باستثناء عدد قليل منهم، هؤلاء الذين تربطهم بها علاقات نفعية مباشرة.
وفي حين يمكن أن تعتمد إيران على دعم الميليشيات الشيعية الموالية في لبنان والعراق، نجد في المقابل أن العديد من الجماعات السُنية المسلحة التي أطلقها التبشير المتطرف في المملكة العربية السعودية، تعلن بشكل روتيني الحرب على القادة السعوديين لكونهم غير ملتزمين بما فيه الكفاية من وجهة نظرهم!
إن التباين بين الانقسامات السُنية والانحياز الشيعي، يمكن أن يُعزى جزئيًا إلى كيفية تعامل السعودية وإيران مع كلٍّ من الطوائف والأحزاب الطائفية، فقد سمحت التحالفات الإيرانية بإنشاء هياكل سياسية مستقلة لا تسيطر عليها الجمهورية الإسلامية وقيادتها مباشرة؛ فهي تدعم الجماعات الشيعية مثل حزب الله في لبنان، والميليشيات العراقية الشيعية، والحوثيين في اليمن، والتي تُحافظ على قدرٍ من الحكم الذاتي في صنع القرار.
حتى أن إيران تسمح للمجموعات والجهات الفاعلة التي لها معتقدات شيعية غير متجانسة، أن تنضوي تحت لوائها، بل ويسُرها أن تستقطب بعض الجماعات السنية والأقليات الدينية الراغبة في العمل تحت قيادتها.
ومن ناحيةٍ أخرى، عملت السعودية بالتنسيق مع رجال الدين المحافظين، على شنّ حربٍ أيديولوچية ضد الأشكال المحلية للإسلام السُني والصوفية، ما وسع المعركة لتضم بعض الحركات الإسلامية المعروفة والمنتشرة مثل جماعة الإخوان المسلمون.
وقد أدت هذه الحملات إلى خلق أعدادٍ لا حصر لها من الأعداء للسعودية، في حين لا يزال أصدقاؤها غير واضحين، بالإضافة إلى عددٍ قليل من العملاء والمشيخات الصغيرة المجاورة.
وباستثناءاتٍ قليلة، فإن مشاركة السعودية في العداء الطائفي الصريح، منعتها أيضًا من حشد الحركات الشيعية المنشقة، وساعدت بدلًا من ذلك على دفعها إلى أحضان إيران من جديد لتُقرر مصيرها.
رغم كل ما قدمته السعودية من هباتٍ وعطايا ومخزون ثقافي منحته لها سيطرتها على المدينتين المقدستين للعالم الإسلامي وهما مكة المكرمة والمدينة المنورة، إلا أنها أثبتت عدم القدرة على استخدام صورتها في العالم الإسلامي، ناهيك عن إنشاء وكلاء وحلفاء أقوياء مثل حليف إيران القوي، حزب الله.
وبعيدًا عن علاقاتها التجارية مع الدول الأخرى والجهات الفاعلة غير الحكومية، يبدو أن السعودية غير قادرة على قُبُول الحلفاء الذين لا يسيرون في توافقٍ كامل مع المعتقدات الدينية الخاصة للنظام، وكذا تحت سلطته المطلقة أيضًا.
وقد ارتكب قادة إيران العديد من الجرائم منذ الثورة، والمجتمع الدولي -الذي يقوده الخصم الرئيسي لإيران، والمتمثل في الولايات المتحدة- جعل العالم يعرف ذلك. ومع ذلك، لم تحصل السياسات السعودية على نفس الحجم من الإدانة الدولية، وذلك في إطار دحض نفوذ الجمهورية الإسلامية بالإضافة إلى الدعم الأمريكي المتكرر للسعودية.
ولوقتٍ قصير، بدا أن السعوديين يمكنهم الادعاء برفعة وسُمو أخلاقهم عندما وجد الإيرانيون أنفسهم في موقف غير شعبي، تمثل في دعم دكتاتور تسبب في عمليات قتل جماعية في سوريا، أي بشار الأسد.
لكن ولي العهد ابن سلمان تنازل عن أي سلطة أخلاقية نسبية قد تدعيها المملكة، من خلال هندسة ما قد يُمثِل كارثة إنسانية أكبر في اليمن، حيث يُدان التحالف الذي تقوده السعودية بارتكابه حربًا وحشية لا تزال مستمرة في اليمن.
وبسبب غياب الدعم الشعبي أو الحلفاء الموثوق بهم في العالم الإسلامي، بدأ القادة السعوديون يلمسون السياج الثالث في سياسات الشرق الأوسط، من خلال احتضان إسرائيل علنًا.
حتى في الولايات المتحدة، حيث أنفق السعوديون موارد كبيرة على اللوبي والعلاقات العامة، إلا أنهم فشلوا بشكلٍ واضح في تحسين صورة بلادهم. في حين تمكنت المملكة من الاستفادة من ثقافة الفساد المؤسسي في العاصمة واشنطن لبناء علاقات مع النخبة، لاستخدام قوتها الناعمة للتأثير على الجمهور الأمريكي، إلا أن ذلك الطريق قد فشل أيضًا.
وعلى الجانب الآخر استطاعت إيران، التي تشن عليها الهياكل السياسية والإعلامية الأمريكية حربًا بلا هوادة، من خلال وزير خارجيتها البارع جواد ظريف، ورئيسها حسن روحاني، في السعي لتنشيط وتحسين صورة البلد. ولا يُوجد في المملكة العربية السعودية وجود مماثل، ولا توجد في الواقع أرقام قابلة للمقارنة يمكن ذكرها.
ولكن لا يمكن لبلدٍ مهما مُنح من الموارد والمزايا أن يصمد إلى الأبد تحت قيادة فاشلة. وبرغم التزلف والتملق الذي تمارسه بعض النخب الأمريكية من خلال التسويق للمشروعات “الإصلاحية” الجزئية والخطط الغريبة لبناء مدن روبوتية في الصحراء (مشروع نيوم) التي تقوم بها المملكة، إلا أن انهيارًا بطيئًا يحدث في الخلفية. وبعد قرن من إنشائها، أصبحت المملكة العربية السعودية مهجورة في عالم يعاني منها.