لا تزال تداعيات قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده مطلع أكتوبر 2018، تتفاعل في وقت أبرزت فيه وسائل إعلام دولية أن “رحمة نظام آل سعود تقتصر على جرائمه.
وتعتقل سلطات آل سعود مئات المعتقلين والمعتقلات في سجونها على خلفية حرية الرأي والتعبير، وترفض الإفراج عنهم رغم تدهور أوضاعهم الصحية، ووفاة بعضهم.
وقال عبد الله العودة، الباحث في مركز التفاهم الإسلامي- المسيحي بجامعة جورج تاون، إن جريمة قتل جمال خاشقجي لا يمكن العفو عنها.
وأشار العودة إلى التغريدة التي نشرها صلاح، النجل الأكبر لخاشقجي يوم الخميس وقال فيها إنه وإخوانه قرروا العفو عن قتلة والدهم محتسبين الأمر عند الله. واستحضر صلاح شهر رمضان لإصدار العفو.
وجاء في حديث العودة، الزميل الزائر أيضا بجامعة جورج واشنطن، في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” أن “عائلة خاشقجي لا تختلف عن أية عائلة سعودية أخرى تتعرض للابتزاز والضغوط الكبرى من الحكومة السعودية”.
— salah khashoggi (@salahkhashoggi) May 21, 2020
وأضاف العودة: “نحن نشاهد عددا غير مسبوق فيه من الحالات التي تستخدم فيها العائلات كرهائن يتم من خلالها ابتزاز الناشطين والكتاب في الخارج”. وآخر مثال هو سعد الجبري الذي ترأس جهود مكافحة الإرهاب لعدة عقود بوزارة الداخلية.
وقال ابن الجبري، خالد، إن شقيقه الأصغر عمر (21 عاما) وشقيقته سارة (20 عاما) اعتقلا على يد قوات الأمن الشهر الماضي ولم تسمع العائلة عنهما منذ ذلك الوقت.
وبالإضافة إلى ذلك، تعتقل سلطات آل سعود شقيق الجبري، وهو أستاذ جامعي في الستينات من عمره بدون سبب، غير كونه شقيق الجبري الذي فر إلى كندا.
وقال نجل الداعية المعتقل سلمان العودة: “تم استفزاز عائلتي ومنع 17 فردا منها من السفر واعتقل عمي لمدة عامين في محاولة واضحة للضغط على والدي والضغط عليّ لكي أعود إلى السعودية”.
وأشار إلى أن الكثير من أفراد عائلة وأصدقاء الناشط عمر عيد العزيز اعتقلوا، في محاولة لابتزازه وإسكاته.
وتابع: “في هذا المناخ من الخوف والاستفزاز قام صلاح خاشقجي بالإعلان عن العفو”. ويضيف أن الحسابات على تويتر السعودي غمرت بسيل من الاستشهادات القرآنية والتقاليد الإسلامية بعد إعلان صلاح العفو، وكلها أثنت على قيمة الصفح والعفو في الإسلام، خاصة عندما يحدث الأمر في رمضان.
واستطرد العودة أن العفو وقيمته الإسلامية لم يتم التأكيد عليه من هذه الحسابات المؤيدة للحكومة عندما يتعلق الأمر بلجين الهذلول، التي قالت منظمة “أمنستي” إنها: تعرضت للتعذيب والصعقات الكهربائية في السجن.
ولم يشمل العفو الاقتصادي عصام الزامل الذي عانى من انتهاكات، أو عبد الله الحامد الذي مات في السجن الشهر الماضي بعد الإهمال الطبي الذي تعرض له.
وقال إن سلطات آل سعود التي تتبع القانون الإسلامي أعلنت محكمتها العليا قبل خمسة أعوام أن قتل الغيلة غير مشمول بالعفو، حتى لو كان من فرد أو أفراد عائلة القتيل.
وفي عام 2014 أعلن وزير العدل محمد العيسى أن هذا النوع من القتل لا يشمله العفو وأكدت هذا القرار وزارة العدل بعد عام.
وأثبت النائب العام بأنه الشخص المناسب للسعودية، حيث وصف قتل خاشقجي في كانون الأول/ ديسمبر بأنه قصاص يمكن لأهل القتيل العفو والحصول على الدية.
ورأي الكاتب أن قتل خاشقجي هو مثال كلاسيكي عن قتل الغيلة الذي يعني جر الضحية عن قصد وقتله. وبهذه المثابة فلا يشمله عفو العائلة أو صفح الملك. فكما هو معروف فقد انتظر فريق من القتلة جمال في تشرين الأول/أكتوبر 2018 وقتلوه ثم قطعوا جثته.
وقال العودة إن رمضان هو شهر الرحمة، لكن سلطات آل سعود رفضت الصفح عن الناشطين السلميين والمثقفين والكتاب والاقتصاديين الذين قدموا النصح لها.
وختم الأكاديمي السعودي: “وا أسفاه، تتذكر الحكومة قيم العفو فقد عندما يتعلق الأمر بمن ارتكبوا ابشع عملية اغتيال في تاريخ المنطقة”.
ولطالما تمسكت أسرة الصحفي السعودي، بقوة، بحقها محاكمة قاتليه، نافية القبول بأي تسوية مالية. ولم يتبين بعد، حجم وطبيعة الضغوطات التي مورست على عائلة خاشقجي التي لا يزال أفرادها داخل المملكة لإجبارهم على التنازل أو كون هذا التنازل جاء برغبة منهم.
وكانت صحيفة “ميدل إيست آي” ذكرت في تقرير آب/ أغسطس الماضي، أن هناك توجه من ولي العهد محمد بن سلمان لإغلاق ملف قضية خاشقجي، عبر عفو أولياء الدم عن قتلته.
وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” في نيسان/ أبريل 2019م، النقاب عن منح آل سعود أبناء خاشقجي منازل تقدر قيمتها بملايين الدولارات ودفعات شهرية لا تقل عن عشرة آلاف دولار، إلا أن صلاح نفى أن تكون تلك المنح لإسكاتهم عن المطالبة بحق والدهم.
وقال مسؤولين في نظام آل سعود إن ذلك يأتي في إطار محاولات التوصل إلى ترتيب طويل المدى مع عائلة القتيل، بهدف ضمني هو ضمان استمرار أعضاء عائلة القتيل في إظهار ضبط النفس في بياناتهم العلنية حول مقتل.
وشهدت قنصلية المملكة في إسطنبول، بـ 2 تشرين أول/ أكتوبر 2018، واحدة من أبشع الجرائم باستدراج مسؤولين سعوديين لخاشقجي، وخنقه، وقتله قبل تقطيع جثته وإخفائها، وسط اتهامات مباشرة لولي العهد محمد بن سلمان بالمسؤولية عمّا حدث.
وتوصلت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (السي آي إيه) بدرجة ثقة “متوسطة إلى مرتفعة” إلى أن محمد بن سلمان أعطى أوامر بقتل خاشقجي، لكن الرئيس دونالد ترامب رفض قبول ما توصلت إليه الوكالة بشأن حليفه المقرب محمد بن سلمان، قائلا: “ربما فعل، ربما لم يفعل”.
وامتنع أبناء خاشقجي منذ ذاك الوقت، عن أي انتقاد قاس للمملكة، رغم أن وفاة والدهم أثارت غضبا عالميا وإدانة واسعة النطاق لوريث العرش السعودي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وظهروا في مقطع فيديو، خلال حضورهم إلى القصر الملكي في الرياض لقبول التعازي التي قدمها لهم الملك سلمان ونجله محمد.
وبذلك تطوي سلطات آل سعود قضية مقتل خاشقجي داخلياً فقط، ففي منتصف نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، أعلنت النيابة العامة السعودية أن من أمر بالقتل هو رئيس فريق التفاوض معه (دون ذكر اسمه).
وأصدر القضاء التركي في 5 ديسمبر / كانون الأول الماضي، مذكرة توقيف بحق النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودي أحمد عسيري، والمستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني؛ للاشتباه بضلوعهما في الجريمة.
وفي 3 يناير / كانون الثاني الماضي، أعلنت النيابة العامة عقد أولى جلسات محاكمة مدانين في القضية، ولا يعرف تفاصيل أكثر عن الجلسات المرتبطة بالقضية، وهو ما دعا الأمم المتحدة إلى اعتبار المحاكمة “غير كافية”، وجددت مطالبتها بإجراء تحقيق “شفاف وشامل”.
ولاحقا حكمت بالإعدام على خمسة متهمين من الاستخبارات السعودية لقيامهم بقتل وتقطيع جثة خاشقجي داخل القنصلية السعودية.
وأصدرت أيضا أحكام متفاوتة بالسجن على ثلاثة متهمين، وقررت الإفراج عن نائب رئيس الاستخبارات أحمد عسيري، وعدم توجيه أي اتهام للرأس المدبر للعملية المستشار الملكي السابق سعود القحطاني، وهو حكم وصفته المنظمات الدولية بأنه يفتقر للعدالة.
وقالت مقررة الأمم المتحدة، آنياس كالامار إن أدلة موثوقة تبين أن ولي العهد محمد بن سلمان ومسؤولين كبار يتحملون المسؤولية الشخصية عن جريمة القتل. ودعت إلى تحقيق دولي مستقل في القضية.
كما قال يرى فرِد رايان، المدير التنفيذي لصحيفة واشنطن بوست، في مقال نشرته الصحيفة، إن السلطات السعودية “تتبنى استراتيجية مراوغة” عبر تقديم “مسؤولين يمكن التضحية بهم ككباش فداء” لإجراء محاكمة صورية وتخفيف حدة الغضب العالمي.
ومنذ ذاك الحين، تبحث المملكة السعودية عن صورة جديدة أمام المجتمع الدولي في أعقاب سلسلة جرائم هزت الرأي الدولي، أبرزها قضية اغتيال الصحفي خاشقجي.
وكشفت وكالة أسوشيتد برس مطلع مايو/أيار الحالي أن السعودية بصدد إجراء إصلاحات جديدة بغية تحسين سجلها في حقوق الإنسان، وتلميع صورتها التي تضررت نتيجة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي والانتهاكات في حرب اليمن.
وشرعت المملكة مؤخرا – حسب وكالة أسوشيتد برس- في إجراء تعديليْن على الأحكام، يلغي أحدهما عقوبة الجلد، في حين يلغي الثاني تنفيذ حكم الإعدام في المدانين الذين ارتكبوا جرائم عندما كانوا قاصرين.