قالت وكالة Associated Press الأمريكية إن رئيس سريلانكا الهارب غوتابايا راجاباكسا توجه إلى المملكة العربية السعودية للإقامة فيها بعد الإطاحة به من منصبه.
وذكرت الوكالة أن راجاباكسا سافر من سنغافورة يوم الخميس على متن رحلةٍ تابعة للخطوط الجوية السعودية من أجل الإقامة في المملكة.
ونقلت الوكالة عن مسؤولٍ في المالديف أن الرئيس الهارب في طريقه إلى جدة، لكن المسؤول أفاد لاحقاً بأنه لا يستطيع تأكيد المعلومة.
وإذا انتهى به المطاف إلى مدينة جدة الساحلية، فسينضم راجاباكسا بذلك إلى قائمةٍ لا يُحسد عليها من الحكام المعزولين، الذين فروا إلى المملكة الخليجية، سواءً لعيش حياة التقاعد الهادئة، أو لاستخدامها كمحطةٍ في طريق عودتهم إلى السلطة، كما يقول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
وكثيراً ما مثّلت السعودية موطناً بعيداً عن أرض الوطن للحكام المعزولين والمبغوضين والمتنازع على شرعيتهم، بدايةً من توفير الملاذ للطاغية الأوغندي عيدي أمين في الثمانينيات، ووصولاً إلى سلسلةٍ من زعماء باكستان مطلع القرن الجاري، وانتهاءً باستقبال قادة تونس واليمن عقب ثورات الربيع العربي.
يقول أندرو هاموند، مؤرخ جامعة أكسفورد ومؤلف كتاب عن السعودية، لموقع Middle East Eye البريطاني: “يُمكن القول إن سياسة استضافة الحكام المخلوعين والمرفوضين من حول العالم تعكس النظرة الذاتية التقليدية للقيادة السعودية عن المملكة باعتبارها مساحةً لاسياسية محايدة”.
وتابع “يعني هذا من ناحية أنه لا توجد أحزابٌ سياسية، أو احتجاجات، أو مطالبات، أو غيرها من الظواهر المعاصرة المرتبطة بالسياسات الانتخابية التمثيلية. ومن ناحيةٍ أخرى، يعني هذا أيضاً أن المملكة منفتحةٌ، وترحب بالناس من مختلف الأعراق والأصول، بشرط أن يبتعدوا عن السياسة، ويتصرفوا بموجب الخطوط التي ترسمها الحكومة”.
ويحصل الحكام في غالبية حالات اللجوء على ملاذٍ تدفع الحكومة السعودية نفقاته بنفسها. إذ عاش الحاكم المستبد الأوغندي عيدي أمين آخر عقدين من حياته في سلام بمدينة جدة، بعد أن حكم بلاده لثمانية أعوام في السبعينيات بانتهاك حقوق الإنسان والقتل خارج نطاق القانون والفساد.
إذ كان يُقيم داخل فيلا فاخرة تطل على البحر الأحمر، ودفعت ثمنها الحكومة السعودية التي كانت تمنحه راتباً شهرياً سخياً أيضاً.
فيما قال أمين لصحيفة Sunday Vision الأوغندية خلال مقابلةٍ نادرة أجراها عام 1999: “أعيش حياةً هادئة، وألتزم بتعاليم الله والإسلام. وليست لدي مشكلات مع أحد”.
واختار الديكتاتور التونسي زين العابدين بن علي عيش حياةٍ هادئة هو الآخر أيضاً بعد فراره إلى السعودية في يناير/كانون الأول عام 2011، عقب اندلاع ثورةٍ في بلاده أدت لانتشار ثورات الربيع العربي في المنطقة بأكملها.
ولم يعرف أحدٌ شيئاً عن حياة بن علي في السعودية، باستثناء صورةٍ نُشِرَت على إنستغرام عام 2013 وظهر خلالها الديكتاتور السابق وهو يبتسم مرتدياً بيجامةً مخططة.
وقال أندريس كريغ، الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الدفاعية بكلية كينغز لندن، للموقع البريطاني: “يتعاطف السعوديون مع تهديد الاضطرابات الشعبية باعتبارهم من الحكام المستبدين، ويولون الأهمية لسلامة النظام فوق كل اعتبار. ولهذا يجد من يواجهون الاضطرابات الشعبية ملاذاً في المملكة عادةً”.
ولا يختفي كل حاكمٍ مخلوع تحول إلى مقيمٍ في السعودية دائماً، بل يستغلها البعض كمحطةٍ للراحة قبل محاولة العودة إلى السلطة.
إذ أُطيح برئيس الوزراء الباكستاني الأسبق نواز شريف عام 1999 بتهم الخطف، والاختطاف، والفساد. وأُرسِل بعدها إلى المنفى في السعودية مع 18 من أفراد عائلته.
وكتب خليفته برويز مشرف في مذكراته لاحقاً إن شريف كان سيُعدم لولا تدخل الملك فهد. وعرضت الرياض اللجوء لاحقاً على مشرف نفسه، بعد اتهامه بالخيانة العظمى.
وعاد شريف من المملكة عام 2008، ثم قضى خمسة أعوام كزعيم معارضة، قبل أن يقود باكستان مرةً أخرى عام 2013.
وقضى شهباز شريف، رئيس الوزراء الحالي لباكستان والشقيق الأصغر لنواز، سنواتٍ في المنفى داخل السعودية هو الآخر مع عائلته.
وأوضح هاموند: “تتوافق هذه السياسة مع الاستراتيجية الأوسع لتحويل الدول الخليجية إلى وجهةٍ سياحية ومركز للاستثمار، إلى جانب توفير وجهةٍ لإجراء المحادثات الحساسة التي تهدف لحل النزاعات”.
وأضاف أن “هذا الاتجاه يمثل جزءاً من الترويج والتسويق باستخدام القوة الناعمة، عن طريق تقديم خدمةٍ أخرى للقوى العالمية التقليدية، ومنحها سبباً إضافياً لعدم مضايقة الخليج بشأن أشياء مثل حقوق الإنسان”.
وتابع “يمثل ذلك في الوقت ذاته أداةً مفيدة للقوى الغربية التي تنظر لنفسها باعتبارها مديرةً للعالم، حيث تعرف أن لديها موقعاً يمكنها أن ترسل إليه أي حاكم صعب المراس في الدول التي يريدون تهدئتها، حتى يتقاعد أولئك الحكام في هدوء”.
بينما أشار كريغ إلى أن الحكام المخلوعين الذين اتجهوا إلى السعودية، ربما فقدوا سلطتهم، لكنهم يظلون مفيدين للرياض.
وأوضح: “يوفر الحكام المخلوعون وصولاً إلى شبكات بديلة من النخب، التي يمكن للمملكة استغلالها من أجل فرض نفوذها في مرحلة ما بعد الثورة. وتكمن القيمة هنا في أهمية استقرار الأنظمة المستبدة بقدر أهمية زيادة نفوذ السياسة الخارجية”.
وواصل الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي محاولاته لإدارة حكومته من منفاه الاختياري في السعودية.
وأدار هادي الحكومة من المنفى لعدة سنوات، قبل أن يسلم السلطة في النهاية لمجلس القيادة الجديد في أبريل/نيسان. وأفاد مسؤولون بأن السلطات السعودية أجبرت هادي على الاستقالة مؤخراً بعد وضعه رهن الإقامة الجبرية.
ويؤمن هاموند بأن استضافة القادة المخلوعين قد تكون محاولةً من السعودية لتحسين صورتها على الساحة العالمية.
وأوضح: “من المؤكد أن هذه الخطوات تبعث بصورةٍ أفضل عن محمد بن سلمان، مقارنةً بالحسابات الخاطئة التي خيّمت على السنوات الأخيرة. إذ ستعزز أهميته بالنسبة لإدارة بايدن في عشية استضافة بايدن نفسه”.
وسيسير راجاباكسا على نهج العمالقة السابقين الذين سقطوا، سواءً عاد إلى سريلانكا للحكم من جديد، أو تقاعد في هدوء.