تقليص برامج رؤية 2030 بفعل فشلها الذريع
نشرت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، تقريراً كشفت فيه عن استياء ولي العهد محمد بن سلمان، وعدم رضاه عن التقدم المُحرَز في خطة “رؤية 2030″، مشيرة إلى أن المملكة تُراجع الآن الخطط المتعلقة بمستقبل المملكة بعد النفط، فيما تسعى الحكومة إلى السيطرة على الإنفاق.
وأبلغ مسؤولون سعوديون الوكالة ذاتها أن الحكومة السعودية بدأت تعيد النظر في مئات البرامج والمبادرات التي تتضمنها خطة رؤية 2030، ويمكن أن يضطروا إلى تقليص بعض البرامج ودمجها وتعديلها، أو إنشاء برامج جديدة.
جديرٌ بالذكر أنَّ هذه المراجعة ليست الأولى منذ إعلان الخطة قبل أقل من أربع سنوات.
وتهدف خطة رؤية 2030 واسعة النطاق إلى تنويع اقتصاد المملكة المعتمد على النفط بجذب استثمارات أجنبية، وتحقيق التوازن في الميزانية، وخصخصة أصول حكومية.
لكنَّ بعض خبراء الاقتصاد يقولون إنَّ خطوات تحقيق بعض الأهداف تتعثر بينما ينتقد موظفون حكوميون المسؤوليات المتداخلة والأولويات المتضاربة. وتجدر الإشارة إلى أنَّ الطرح العام الأوَّلي القياسي الذي شهدته شركة النفط الحكومية العملاقة أرامكو مؤخراً يعد جزءاً من عملية الإصلاح، إذ جمع حوالي 26 مليار دولار بصورةٍ سريعة مُفاجئة.
تجدر الإشارة كذلك إلى أنَّ أحد دوافع إعادة الهيكلة هو التحكم في الإنفاق المرتبط بالخطة، على حد قول ثلاثة أشخاص، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لأن المعلومات ليست علنية. وأضافوا أن محمد بن سلمان يشع بالإحباط من ضعف الإنجازات التي تحققت حتى الآن.
من جانبه، قال محمد الجدعان، وزير المالية السعودي، في لقاءٍ مع قناة Bloomberg TV يوم الإثنين الماضي 9 ديسمبر/كانون الأول، إنَّ رؤية 2030 “تُراجع كل عام”، مؤكداً أنَّ المراجعة الحالية ستضمن استمرار العناصر التي تحقق التأثير المرجو، وتحسين العناصر التي تحتاج إلى تحسين، وإذا احتجنا إلى برامج أو مبادرات جديدة لضمان تركيزنا على بعض الأهداف، ستُدرَج في الخطة.
كما ذكر الجدعان، عند إعلان ميزانية الحكومة لعام 2020 في وقتٍ مبكر من يوم الإثنين الماضي، أنَّ المراجعة تُجرى بانتظام، وستكتمل في نهاية الربع الأول.
يُذكَر أنَّ الخطة توسَّعت منذ إعلانها إلى أكثر من عشرة برامج لتحقيق الرؤية، تتضمَّن مئات المبادرات وعدداً كبيراً من الكيانات الحكومية الجديدة لتنفيذها بالكامل.
ومن بين المشروعات، يوجد مشروع لرعاية أطفال النساء العاملات، وأخر لتطوير شركةٍ لخدمات التاكسي الطائر. وتعد العديد من المشروعات الضخمة للمملكة -بما في ذلك مدينة نيوم التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار والتي يريد محمد بن سلمان بناءها من الصفر- من مبادرات الرؤية.
كذلك تتضمن الأهداف الأصلية خطةً لزيادة أصول صندوق الثروة السيادي من 600 مليار ريال سعودي (حوالي 163 مليار دولار) إلى 7 تريليونات ريال (1.9 تريليون دولار)، وخطة أخرى تهدف إلى خفض نسبة البطالة بين المواطنين السعوديين إلى 7%.
لكن يعد تنفيذ الخطة الأخيرة على وجه الخصوص صعباً، إذ ارتفع معدل البطالة في العام الماضي 2018 إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من عقد قبل أن ينخفض قليلاً إلى 12.3%.
ويجمع مراقبون على وجود مخاطر حسيمة تهدد اقتصاد المملكة وهو ما أكده العجز الحاصل في موازنتها المتوقعة للعام 2020 التي شهدت تقليص شديد في النفقات المتوقعة ضمن عجز من المحتمل أن يرتفع ليبلغ عتبة 50 مليار دولار.
ويأتي العجز الحاصل على خلفية تراجع انتاج النفط وانخفاض أسعاره وتخبط نظام آل سعود في إدارة الشأن الاقتصادي وفساد رموزه فضلا عن فشل رؤية المملكة 2030.
ويتناقض العجز في الموازنة مع ترويج نظام آل سعود إلى سعيه لتمويل خطّة للتحول الاقتصادي ومشاريع كبرى في قطاعات غير نفطية، بينها الترفيه والسياحة.
وبلغت النفقات المتوقعة للسنة المقبلة 1020 مليار ريال، أي حوالى 272 مليار دولار، على أن يصل العجز إلى 131 مليار ريال، أي 50 مليار دولار.
وفي العام 2019، بلغت النفقات الفعلية 1048 مليار ريال، أي 279,4 مليار دولار، بينما وصل العجز إلى 131 مليار ريال، أي 35 مليار دولار، بحسب أرقام وزارة المالية.
وتشهد المملكة عجزا في موازناتها منذ خمس سنوات حين هبطت أسعار النفط بشكل كبير، واستقرّت مؤخرا عند مستوى 50 و60 دولارا. وبين 2014 و2019، وصل مجموع العجز في الموازنات إلى نحو 385 مليار دولار.
واتّفقت المملكة مع دول منتجة أخرى على خفض الانتاج في محاولة لرفع أسعار الخام. والأسبوع الماضي أعلن أعضاء منظمة الدول المصدّرة أوبك وشركاؤهم، بما في ذلك روسيا، بعد اجتماع في فيينا أنهم اتفقوا على زيادة خفض إنتاجهم النفطي بما لا يقل عن 500 ألف برميل إضافية يوميًا لدعم أسعار الخام.
ورفع هذا التخفيض سيرفع الحد من الإنتاج إلى 1,7 مليون برميل يوميًا للمجموعة التي تضم 24 دولة اعتباراً من الأول من كانون الثاني/يناير 2020.
وينفق نظام آل سعود مليارات الدولارات على مشاريع سياحية وعقارية وترفيهية ضمن خطوات ولي العهد محمد بن سلمان المثيرة للجدل للانفتاح في المملكة بما يمثل انقلابا على قيم المجتمع السعودي المحافظ.
والأرقام التي نشرت على موقع وزارة المالية والخاصة بالموازنة العامة للمملكة لعام 2020، تحمل صورة سلبية -على الرغم من إمكانية تغيرها عند إصدار الميزانية الحقيقية-، من حيث تراجع قيمة الإيرادات والنفقات وتزايد قيمة الدين العام، وكذلك ارتفاع معدلات التضخم.
وكل هذه المؤشرات كفيلة بتصدير صورة سلبية عن واقع الاقتصاد بالمملكة، ومناخ الاستثمار به، فحسب أرقام وزارة المالية، والمنشورة على موقعها، يتوقع أن تتراجع الإيرادات العامة من 917 مليار ريال (244 مليار دولار) إلى 833 مليار ريال (222 مليار دولار)، أي أن القيمة المنتظرة للتراجع في الإيرادات العامة تقدر بـ 84 مليار ريال، وبما يمثل 9.1%.
أما النفقات فيتوقع لها أن تتراجع أيضًا في عام 2020 إلى 1020 مليار ريال (272 مليار دولار) بعد أن كانت في 2019 نحو 1048 مليار ريال (279 مليار دولار)، أي أن قيمة التراجع في النفقات العامة يتوقع أن تكون 28 مليار ريال، وبما يمثل نسبة 2.6%.