في ذكرى قتل خاشقجي.. العالم يدين نظام آل سعود
استهلت صحيفة واشنطن بوست تغطية خاصة تضمنت 15 مقالا أنجزتها بمناسبة ذكرى مقتل خاشقجي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي بقنصلية بلاده في إسطنبول بتركيا، ضمنتها آراء من زويا مختلفة بشأن هذه الجريمة شملت السياسة والإعلام وحقوق الإنسان.
وكانت مقدمة الصحيفة بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لجريمة مقتل خاشقجي هكذا, ظن ولي العهد محمد بن سلمان أن بوسعه جعل حد لحرية الرأي بمنشار، لكنه كان واهما إذ لم يسكت بقتله زميلنا الشجاع المتميز جمال خاشقجي سوى صوت واحد، واستمر النقاش واستمرت محاولة تحقيق ما كافح خاشقجي من أجله من حرية وتسامح وتفاهم أكثر بين الثقافات.
واختارت واشنطن بوست لذلك كتابا وشخصيات عامة لهم علاقة بشكل أو بآخر بهذا الموضوع، مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والناشطة الحقوقية اليمنية توكل كرمان والناشطة السعودية هلا الدوسري والسيناتور الأميركي روبرت مانينديز وخطيبة خاشقجي خديجة جنكيز والناشط الحقوقي المصري الأميركي محمد سلطان، هذا فضلا عن عدد من كتاب الصحيفة المرموقين، مثل محرر افتتاحية الصحيفة فريد هيات والمدير الناشر للصحيفة فريد ريان والكاتب ديفد إيغانشيوس والكاتبة كارين عطية.
فريد ريان: لماذا لن ينسى العالم فظاعة مقتل خاشقجي؟
فعن السبب الذي يجعل العالم لن ينسى الرعب الذي خلفه اغتيال خاشقجي، قال فريد ريان في مقاله إنه بغض النظر عن بشاعة بعض الأخبار وشدة وقعها على النفوس، فإن هناك أفعالا شنيعة للغاية لدرجة أنه لا يمكن لأي أمر آخر أن يجعل الجمهور ينساها.
وأرجع الكاتب استحالة نسيان الجمهور الأميركي هذه الجريمة إلى الأسباب التالية:
أولا: الطبيعة الشيطانية والجنونية لهذه الجريمة، ثانيا: كون مرتكبها حليفا كبيرا لأميركا، ثالثا: ردة الفعل الأميركية نفسها التي تقاعست فيها الإدارة الأميركية عن الدفاع عن قيمها القائمة على حرية الصحافة وحقوق الإنسان، ورابعا: ازدراء هذه الإدارة غير المبرر بوكالة الاستخبارات الأميركية والأمم المتحدة والكونغرس.
روبرت مانينديز: ترامب خان الزعامة الأخلاقية لأميركا مع السعودية
وهذا هو ما جعل السيناتور الأميركي روبرت مانينديز يقول في مقاله بهذه المناسبة إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خان الزعامة الأخلاقية لأميركا لإرضاء السعودية، وهو ما دفع الكونغرس للتحرك.
وقال في هذا الإطار “سوف نستمر في المطالبة بالمساءلة والضغط من أجل العدالة والعمل على استعادة نزاهة مؤسساتنا الوطنية”.
خديجة جنكيز: بحثي عن العدالة لجمال مستمر ولم يفت الأوان
والإفلات من العقاب هو الذي تصر كذلك خطيبة خاشقجي خديجة جنكيز على أنها لن تقبله، وتؤكد في مقال لها بمناسبة الذكرى الأولى لمقتل خطيبها أن بحثها عن العدالة مستمر.
وتقول إنها جابت العالم بحثا عن الحقيقة وطلبا للعدالة، ورغم ذلك لم تتخذ حتى الآن أي خطوة مادية واحدة لمعاقبة الجناة الحقيقيين، هذا على الرغم من أن وسائل الإعلام الدولية واصلت لفت الانتباه إلى الوحشية التي قتل بها خاشقجي.
وشددت على أن السعودية تحاول حصر المسؤولية عن مقتل خاشقجي في المنفذين وحجب المسؤولين الحقيقيين عن هذه الجريمة، أي أولئك الذين خططوا لها وأمروا بتنفيذها.
وعبرت جنكيز عن إحباطها مما اتخذته الإدارة الأميركية من خطوات لدفع السعودية لتحقيق العدالة في قضية خاشقجي، منددة بتغليب مصالح جماعات الضغط الخاصة بصناعة الأسلحة والطاقة والنفط على إنفاذ العدالة.
لكن على الرغم من استمرار الجمود فإن خديجة تقول إن الوقت لم يفت، وإنها ستظل تأمل أن تقف الولايات المتحدة إلى جانب الحق والعدل، و”حتى ذلك الحين سوف أستمر في البحث عن العدالة لخاشقجي، وآمل أن تؤازرني كل شعوب ودول العالم في ذلك”، على حد تعبيرها.
محمد سلطان: أفكار خاشقجي مستمرة ولم تمت
أما الناشط المصري الأميركي محمد سلطان فاستذكر بهذه المناسبة الأليمة كيف كان خاشقجي سندا شخصيا له، وكيف ساعده في تلمس طريقه وهو يدلي بدلوه في أول مشاركة له في نقاش بأحد المركز البحثية وكذلك في أول لقاءاته التلفزيونية، وكيف شجعه -فضلا عن ذلك- على مسامحة خاله الذي كان عميدا في الشرطة المصرية التي فضت بعنف تجمعا كان ضمنه فأصابته قبل أن تعتقله.
وأكد أنه كان محظوظا جدا لأنه استفاد من صداقة خاشقجي وتوجيهاته في عامه الأخير الذي عاش فيه بالقرب من العاصمة الأميركية واشنطن.
وأبرز سلطان أن خاشقجي مثّل بالنسبة للمجتمعات العربية المعارضة في المنفى وفي المنطقة عنصرا مكملا كان مفقودا منذ فشل الربيع العربي.
وقال إن خاشقجي لم يقتل فقط بسبب أفكاره التي لم تكن تروق للمستبدين وإنما أيضا بسبب شخصيته، إذ كان لطيفا للغاية ميالا للحرية ولديه قدرة كبيرة على تحفيز الآخرين، ولئن كان قد مات فإن أفكاره مستمرة لم تمت، وفقا لسلطان.
كارين عطية: دعوا العالم يسمع آخر كلمات خاشقجي باللغة العربية
بدورها، دعت الكاتبة بالصحيفة ومحررة مقالات الرأي بالصحيفة كارين عطية إلى تمكين الناس من سماع آخر ما قاله خاشقجي من كلام وهو يحاجج قاتليه بلكنته السعودية، مؤكدة أن جمال الذي كانت تناقشه بشأن مقالاته كان حريصا كل الحرص على أن يسمع السعوديون ويقرؤوا ما يكتب ومن بعدهم كل القراء في العالم العربي.
ولفتت في هذا الإطار إلى ما جاء في صحيفة “صباح” التركية قبل فترة حين كشفت أن آخر ما قاله خاشقجي لقاتليه هو “لا تكمموا فمي، أنا مصاب بالربو، لا تفعلوا، ستخنقونني”.
واعتبرت عطية أن على السلطات التركية أن تنشر الشريط المسموع لهذا الحوار “فحتى وهو يموت فإن جمال يستحق أن يسمع، وأصدقاؤه وأفراد أسرته ومواطنوه يحق لهم أن يجدوا فرصة لمعرفة الحقيقة” على حد تعبيرها.
ونددت عطية بتعاطي الإدارة الأميركية مع المواد الصوتية لعملية اغتيال خاشقجي، إذ رفض ترامب وكبار مسؤوليه الاستماع إليها بحجة أنها باللغة العربية.
لكنها أوردت في هذا الإطار كلاما للأستاذ في جامعة كولومبيا حميد دباشي تساءل فيه: “كيف يكون صراخ الشخص باللغة العربية؟” ليجيب بأن كلمات خاشقجي الأخيرة لم تكن بالعربية وإنما كانت صراخا مدويا للشعوب العربية والإسلامية وهي تتعرض للإهانة والإذلال على يد طغاة دأبوا على إذاقتها مر العذاب.
فلو كان خاشقجي حيا لسره سماع أصوات العرب وهم يحتجون في شوارع السودان وفي الفترة الأخيرة في شوارع مصر، فأصوات هؤلاء صيحات أمل ومقاومة تدل على أن سلطة الشعب ما زالت لها فرصة لأن تجد طريقا للممارسة، على حد تعبيرها.
هلا الدوسري: السلطات حولت السعودية إلى بلد هش وفاقد للتوازن
واختارت الناشطة السعودية هلا الدوسري العنوان التالي “السلطة الملكية حولت الدولة إلى بلد هش وفاقد للتوازن” للتعليق على الذكرى الأولى لمقتل خاشقجي، قائلة إنها لم تكن دائما متفقة مع آرائه، لكن ثمة نقطة واحدة لا يختلفان بشأنها هي أن السلطة المطلقة تشكل دائما خطرا داهما، خاصة في حالة المملكة العربية السعودية.
وأضافت أنها اتفقت مع خاشقجي على أن غياب الضوابط والموازين في المملكة العربية السعودية يمثل مشكلة حقيقية تفاقمت بسبب الظروف الحالية التي أصبح فيها بن سلمان يسيطر على موارد البلد وعلى قراره السياسي في آن واحد معا، حيث تتجه الأمور نحو مزيد من القمع وتستمر تدخلاته المدمرة في الخارج دون اعتراض من أي كان.
توكل كرمان: ما نحتاجه هو عدالة لليمن وعدالة لخاشقجي
هذه التدخلات الخارجية المدمرة هي التي نددت بها الناشطة اليمنية الحاصلة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، إذ تقول في مقال لها بمناسبة الذكرى الأولى المقتل خاشقجي إن ما فعلته السعودية من إرسالها فريقا يقطع أوصال خاشقجي هو نفسه الذي تقوم بها تجاه اليمن، إذ أرسلت قواتها مع قوات حليفها الإمارات لتدمير وتقطيع أوصاله.
وقالت إن العالم صدم بما فعلته السعودية بخاشقجي، في حين لم يفاجئ ذلك أهل اليمن الذين يتعرضون لجرائم سعودية لا تقل فظاعة وتهورا.
ولفتت إلى أن جريمة قتل خاشقجي المأساوية ساهمت في قيام صحوة عالمية ضد الانتهاكات السعودية في المنطقة وتوسيع نطاق الحركة المناهضة للحرب في اليمن وخارجه.
وختمت كرمان مقالها بالتأكيد على أن فظائع السعودية في الشرق الأوسط لا تعد ولا تحصى، مؤكدة أن العدالة الحقيقية هي التي لا تستثني أيا من ضحايا هذا البلد بل تشمل الجميع.
ونشرت الصحيفة مقالا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تناول فيه مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وقال أردوغان إن جريمة قتل خاشقجي مثلت الحدث الأبرز والأكثر إثارة للجدل في القرن الحادي والعشرين، فمنذ هجمات 11 سبتمبر 2011 لم يشكل أي حدث تهديدا خطيرا للنظام العالمي أو تحديا للمواثيق الدولية التي أصبحت من المسلمات كما فعلت تلك الجريمة البشعة.
وأشار إلى أنه بالرغم من مرور عام كامل على الجريمة، فإن المجتمع الدولي ما زال يجهل كثيرا من تفاصيل ما حدث، الأمر الذي يشكل مصدر قلق.
وأكد الرئيس التركي رفض بلاده السماح بتصوير الحادثة على أنها خلاف بين تركيا والسعودية، وقال إن تركيا لطالما رأت، ولا تزال ترى في المملكة صديقا وحليفا، وإن إدارته تميز بوضوح لا لبس فيه بين البلطجية الذين قتلوا خاشقجي وبين الملك سلمان ومسؤوليه المخلصين.
وأوضح أردوغان أن علاقة بلاده الوطيدة بالسعودية لا تقتضي الصمت على الجريمة وإنما تقتضي عكس ذلك، فالمثل التركي يقول إن الصديق الحقيقي هو من يواجه صديقه بالحقائق المرة.
وقال إن فريق الاغتيال المكون من 15 شخصا المسؤول عن قتل خاشقجي وتقطيع أوصاله في القنصلية السعودية في إسطنبول لا يمثل الشعب السعودي وإنما يخدم مصالح دولة في الظل داخل المملكة.
وأضاف أن مأساة اغتيال خاشقجي شكلت سابقة خطيرة وانتهاكا صارخا للحصانة الدبلوماسية، حيث سافر القتلة بجوازات سفر دبلوماسية وحوّلوا مبنى دبلوماسيًا إلى مسرح للجريمة، وعلى ما يبدو فقد تلقوا المساعدة للتستر على الجريمة من قبل أكبر دبلوماسي سعودي في إسطنبول، والخطير في الأمر هو أن بعض أولئك القتلة سيفلتون من العقاب في المملكة.
وقال أردوغان إن غياب الشفافية في إجراءات المحكمة التي تنظر في قضية مقتل خاشقجي بالسعودية وسرية جلسات المحاكمة والادعاءات التي تقول إن بعض قتلة خاشقجي يتمتعون بالحرية، هي أمور تضر بسمعة الرياض.
وقال أردوغان إن بلاده ستواصل تسليط الضوء على مقتل خاشقجي، كما ستواصل طرح الأسئلة التي طرحتها في السابق وهي أين رفات خاشقجي؟ ومن وقع مذكرة اغتياله؟ ومن أرسل فريق الاغتيال المكون من 15 شخصا، والذي يتضمن خبيرا في الطب الشرعي، على متن طائرتين إلى إسطنبول؟
وختم أردوغان بأن مصلحة تركيا والإنسانية جمعاء تقتضي العمل من أجل ضمان ألا تتكرر مثل هذه الجريمة، وأن مكافحة الإفلات من العقاب هي السبيل لتحقيق هذا الهدف.