يتجه نظام آل سعود إلى الاقتراض مجددا من الأسواق الدولية عبر طرح سندات جديدة، لمواجهة تراجع الإيرادات المالية المرتقب جراء خفض إنتاجها النفطي وما تكبدته المملكة من خسائر.
وسبق أن أعلنت وزارة المالية في نظام آل سعود نهاية الشهر الماضي، أنّ المملكة باعت صكوكاً (سندات دين إسلامية) محلية بقيمة 15.568 مليار ريال (4.15 مليارات دولار)، في مارس/ آذار الماضي.
وبلغ الدين العام للمملكة 678 مليار ريال (181 مليار دولار)، حتى نهاية 2019، يشكل 24% من الناتج المحلي، حسب بيانات رسمية.
وقد تمحو التخفيضات التي تعهدت بها المملكة، أكبر مصدّر للنفط في العالم، بموجب الاتفاق نحو 40 مليار دولار من إيرادات الدولة هذا العام، وذلك وفقا لمحلل استند في توقعه إلى متوسط سعر للنفط يبلغ 40 دولارا للبرميل. وكان سعر برميل نفط برنت، أمس الاثنين، يراوح حول 32 دولارا.
وقالت أربعة مصادر في القطاع المصرفي لوكالة رويترز إن المملكة ستبيع على الأرجح سندات دولية جديدة بمجرد أن يتسبب اتفاق خفض الإنتاج في مزيد من الضغوط على الإيرادات المتضررة بالفعل من انهيار أسعار الخام.
ورفعت الرياض سقف الدين لديها إلى 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، من 30 بالمئة في مارس/ آذار الماضي.
وقال مصرفي في قطاع الدين “إنها الخطوة التالية المنطقية أن تصدر السعودية سندات بعد قطر وأبوظبي. قد ينتظرون قليلا حتى تستجيب سوق النفط للتخفيضات، إذ إن اسمهم مرتبط بشكل أوثق بالنفط”. ولم تصدر أي تعليقات رسمية من الجانب السعودي حول هذه المعلومات.
ولجلب الاستقرار إلى أسواق النفط، اتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها بقيادة روسيا، في إطار المجموعة التي تُعرف باسم أوبك+، على خفض الإنتاج في مايو/ أيار ويونيو/ حزيران بواقع 9.7 ملايين برميل يوميا، أي نحو عشرة بالمئة من الإمدادات العالمية.
وكانت وزارة المالية أعلنت في يناير/ كانون الثاني الماضي، إصدار سندات دولية بقيمة خمسة مليارات دولار، كأول طروحات خلال 2020 لسد العجز المتوقع في الميزانية العامة.
وكشف نظام آل سعود في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عن موازنة 2020 بإنفاق 272 مليار دولار (أقل من عام 2019)، مقابل إيرادات بـ222 مليار دولار، متوقعة عجزا قيمته 50 مليار دولار.
وتتعرض خزائن المملكة بالفعل لضغوط نتيجة انهيار سعر النفط وتأثير الإجراءات المفروضة لوقف انتشار فيروس كورونا المستجد، والتي تشمل حظر التجول وإغلاق معظم الأماكن العامة في أنحاء المملكة. وحسب توقعات مراقبين، سينكمش قطاع النفط بالسعودية بنحو 6.1 بالمئة في 2020.
ولا يستبعد أن تلجأ الرياض مجدّدا إلى الاقتراض المحلي بالإضافة إلى الاقتراض الخارجي، جراء تهاوي إيراداتها المالية.
وكان توصّل أكبر منتجي النفط في العالم إلى اتفاق تاريخي لخفض الإنتاج العالمي بما يقرب من 10% ابتداءً من الأول من مايو/ أيار القادم، ولوضع حد لحرب الأسعار المدمرة التي دفعت صناعة الطاقة إلى أزمة كبيرة.
إلا أن هذا الاتفاق لم يحرر الأسواق من القلق الناتج من تأثيرات فيروس كورونا على الاقتصادات، والتخمة النفطية المعروضة في الأسواق.
إذ بعد ماراثون من المكالمات الهاتفية ومؤتمرات بالفيديو لوزراء من تحالف أوبك + ومجموعة العشرين، تم الإعلان عن اتفاق أخيراً، لمعالجة تأثير الوباء على الطلب على النفط، حيث تراجع استهلاك النفط في العالم بنحو 30% نتيجة لانتشار كوفيد-19.
وستخفض أوبك+ 9.7 ملايين برميل يومياً، أقل بقليل من الاقتراح الأولي البالغ 10 ملايين برميل. فيما قال وزير النفط الكويتي خالد الفاضل إن إجمالي تخفيضات الإمدادات العالمية من النفط الذي ستنفذه أوبك+ ودول أخرى في مجموعة العشرين قد يصل إلى 20 مليون برميل يوميا، أي حوالي 20% من الإمدادات.
وبموجب الاتفاق، ستخفض المملكة إنتاجها إلى أقل من 8.5 ملايين برميل في اليوم، وهو أدنى مستوى لها منذ عام 2011. وتقيس صفقة أوبك+ التخفيض السعودي من خط أساس يبلغ 11 مليون برميل في اليوم، مثل روسيا.
لكن في الواقع سينخفض إنتاج المملكة من مستوى أعلى بكثير. في إبريل/ نيسان، عززت المملكة الإنتاج إلى مستوى قياسي بلغ 12.3 مليون برميل في اليوم كجزء من حربها النفطية مع روسيا للحصول على حصتها في السوق.
وستساهم الولايات المتحدة والبرازيل وكندا بـ3.7 ملايين برميل أخرى مع انخفاض إنتاجها، وستسهم دول مجموعة العشرين الأخرى بـ1.3 مليون برميل، وفق وكالة “بلومبيرغ”. ومع ذلك، لا تمثل أرقام مجموعة العشرين تخفيضات طوعية حقيقية، ولكنها تعكس التأثير الذي تركته الأسعار المنخفضة بالفعل على الإنتاج.
ويتحول التركيز الآن إلى ما إذا سيكون الاتفاق كافياً للسيطرة على التخمة الهائلة التي تستمر في النمو مع إغلاق فيروس كورونا للاقتصاد العالمي.
وكانت المحادثات النفطية قد انهارت في أواخر الأسبوع الماضي، وسط مقاومة من المكسيك، لكنها عادت من حافة الهاوية بعد نهاية أسبوع من الدبلوماسية العاجلة. وفي عرض داخلي شاهدته وكالة بلومبيرغ نيوز، توقعت أوبك انخفاض الطلب العالمي على النفط بمقدار 20 مليون برميل يوميًا في إبريل/ نيسان.
وقال إد مورس، مراقب النفط المخضرم الذي يرأس أبحاث السلع في “سيتي غروب إنك” لوكالة “بلومبيرغ” الأميركية: “إنها إجراءات غير مسبوقة في أوقات غير مسبوقة”، ولعبت الولايات المتحدة دوراً حاسماً في التوسط بين السعودية وروسيا للوصول إلى اتفاق أوبك + الجديد.
وفور إعلان الاتفاق، علق دونالد ترامب على تويتر قائلاً: “تم إبرام صفقة النفط الكبيرة مع أوبك+. هذا سينقذ مئات الآلاف من وظائف الطاقة في الولايات المتحدة”.
وقال وزير الطاقة عبد العزيز بن سلمان لـ “بلومبيرغ نيوز” في مقابلة بعد دقائق من إبرام الصفقة: “لقد أظهرنا أن أوبك + على قيد الحياة. أنا أكثر من سعيد بالصفقة”.
والاتفاق يتوج شهراً مضطرباً عندما انخفض خام برنت إلى أدنى مستوى له منذ عقدين تقريباً، وسجل 20 دولاراً للبرميل. وفي وقت سابق من هذا العام، تم تداول البرميل فوق 70 دولاراً. واضطر وزراء أوبك+ إلى الاجتماع في عيد الفصح الأحد، قبل أقل من أربع ساعات من إعادة فتح سوق النفط، للإعلان عن ولادة الصفقة.
وقال جيسون كيني، رئيس الوزراء في ألبرتا أكبر مقاطعة منتجة للنفط في كندا، في منشور على تويتر: “أوبك + بدأت الحريق، وكان من مسؤوليتها إخماده. الأشهر المقبلة مليئة بالتحديات مع الطلب المنخفض للغاية والمخزونات الضخمة، ولكن على الأقل هناك طريق للتعافي الآن”.
وحققت المكسيك انتصارا دبلوماسيا لأنها ستخفض فقط 100 ألف برميل، بعدما أعاقت الاتفاق منذ الكشف عن الخطة لأول مرة يوم الخميس الماضي. وقال المندوبون إن مستقبلها الآن داخل أوبك+ غير مؤكد، حيث من المتوقع أن يقرر خلال الشهرين المقبلين ما إذا كانت ستترك التحالف.
ويبدو أن الفائز الأكبر هو ترامب، الذي رفض خفض إنتاج النفط الأميركي وتوسط شخصياً في الصفقة عبر المكالمات الهاتفية مع الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.
وقال جيسون بوردوف، وهو موظف سابق في البيت الأبيض في عهد باراك أوباما: “ربما يكون الأمر الأكثر وضوحاً، بشأن قيام السعودية وروسيا بتقديم أحد أكبر تخفيضات الإمدادات على الإطلاق، هو أن الشخص الذي جمعهما معاً وضغط بشدة عليهما كان من أشد منتقدي أوبك، الرئيس ترامب”.
من المقرر أن تستمر قيود الإنتاج لمدة عامين تقريباً، وفق بلومبيرغ، ولكن ليس على نفس مستوى الشهرين الأولين، إذ من خلال النماذج التي اعتمدتها البنوك المركزية لتقليص مشترياتها من السندات، ستخفض أوبك أيضاً حجم التخفيضات بمرور الوقت. بعد يونيو/ حزيران، سيتم التقليص من 10 ملايين برميل إلى 7.6 ملايين في اليوم حتى نهاية العام، ثم إلى 5.6 ملايين في 2021 حتى إبريل/ نيسان 2022.
وفي حين أن الاتفاق لا يسري حتى الأول من مايو / أيار، ستستطيع دول أوبك+، التي زادت إنتاجها بشكل كبير خلال الشهر الماضي، الاستمرار في إغراق السوق لمدة ثلاثة أسابيع أخرى تقريباً.
وقال بنك غولدمان ساكس الاستثماري الأميركي إن أسعار النفط ستواصل الهبوط في الأسابيع المقبلة، موضحا أن الاتفاق “التاريخي لكن غير الكافي” بين كبار المنتجين على خفض الإنتاج من المستبعد أن يعوض تهاوي الطلب بسبب فيروس كورونا.
ويتوقع البنك سعر النفط عند 20 دولارا للبرميل لخام برنت، ولكنه يرجح أن يتفوق خام القياس العالمي على الخام الأميركي لأن صادرات المنتجين في أوبك+ ستنخفض على الأرجح، مما يحرر المخزونات.
وذكر أنه حتى في حالة التزام الأعضاء الرئيسيين في أوبك بالتخفيضات بالكامل، مع نسبة التزام 50% من جميع الدول الأخرى التي اتفقت على تخفيضات إنتاج في مايو/ أيار، فإن التخفيضات الطوعية سوف تترجم إلى خفض بمقدار 4.3 ملايين برميل يوميا فقط عن مستويات الربع الأول.
وقال: “في نهاية المطاف، هذا يعكس ببساطة أن أي تخفيضات طوعية ليست بالحجم الكافي لتعويض خسارة طلب بمقدار 19 مليون برميل يوميا في المتوسط في الفترة من إبريل إلى مايو”.
وقال المحلل فيرندرا تشوهان بشركة إنرجي آسبكتس: “حتى إذا أوقفت تلك التخفيضات هبوط الأسعار فلن تتمكن من رفعها في ضوء حجم الزيادة في المخزونات التي نراها ماثلة أمامنا”، مشيرا بذلك إلى صهاريج وناقلات التخزين التي تتزايد في مختلف أنحاء العالم وسط تراجع الطلب من جانب المستهلكين.
وأضاف أن “غياب التعهدات المؤكدة من جانب الولايات المتحدة وغيرها من أعضاء مجموعة العشرين يعد نقيصة في الاتفاق”.
وقال تاكاشي تسوكيوكا رئيس رابطة البترول اليابانية في بيان، إنه في حين يساهم اتفاق أوبك+ في تثبيت سوق النفط العالمية “فقد فشلت الصفقة في الوصول إلى مستويات التخفيض التي تتوقعها الأسواق، الأمر الذي سيبقي على ركود الأسعار”. وأضاف: “نأمل أن تواصل أوبك+ محادثاتها لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط”.
ورفع مورغان ستانلي توقعاته لأسعار النفط، قائلا إن اتفاق أوبك+ لن يمنع بناء مخزونات ضخمة في الشهور المقبلة، ولكنه سيقود لخفض المخزونات بداية من النصف الثاني من العام الجاري.
وزاد البنك توقعاته لسعر برنت في الربع الثالث إلى 30 دولارا من 25 دولارا للبرميل وللخام الأميركي إلى 27.50 دولارا من 22.50 دولارا، كما رفع التوقعات للربع الأخير بواقع خمسة دولارات أيضا للخامين ليصل برنت إلى 35 دولارا وخام غرب تكساس الوسيط إلى 32.50 دولارا. وتوقع البنك أن ينخفض الطلب في الربع الثاني بنحو 14 مليون برميل يوميا مقارنة به قبل عام.