قالت دراسة أصدرها مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، إن دوافع ضعف وتراجع إقليمي وراء تفاوض النظام السعودي مع إيران.
وحملت الدراسة عنوان (مستقبل المباحثات السعودية الإيرانية | هل من اتفاق يلوح في الأفق بينهما؟) مستعرضة دوافع كل من الرياض وطهران في التفاوض الثنائي بينهما وتوقعات ذلك.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2021، حول الانتهاء من جولة رابعة من المباحثات السعودية الإيرانية لتؤكد وجود مفاوضات قائمة.
كما أنها جاءت مؤكدة للتصريحات السابقة للرئيس العراقي برهم صالح، الذي أعلن في وقت سابق استضافة بلده لأكثر من جولة جمعت بين الطرفين، من أجل مناقشة مجموعة من القضايا التي ينبغي الاتفاق حولها لمواكبة التغيرات الإقليمية التي فرضها تغير السياسة الأمريكية في المنطقة.
اشتملت المفاوضات على مناقشة ملفات عدة، أبرزها تهدئة وتيرة الحروب بالوكالة من أجل تخفيض التوتر في المنطقة، وإعادة افتتاح القنصليات والتمثيل الدبلوماسي بين البلدين، إضافة إلى مناقشة مقترح بإنشاء طريق دولي يربط بين مشهد الإيرانية وكربلاء العراقية ومكة السعودية.
إمكانات التقارب السعودي الإيراني
نظراً للظروف والتغيرات الإقليمية التي تشهدها المنطقة أصبح من الممكن الحديث عن إمكانية حدوث تقارب بين الطرفين، فالسياقات التي يواجهها الطرفان تحتم عليهما ضرورة الانطلاق من قاعدة مشتركة.
وعلى الرغم من حالة العداء التي استمرت قرابة خمس سنوات؛ منذ 2016 عقب اقتحام السفارة السعودية في طهران من قبل محتجين إيرانيين اعتراضاً على إعدام المعارض الشيعي نمر النمر، جاءت التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لتؤكد التصريحات السابقة للرئيس العراقي برهم صالح الذي صرح مسبقاً باستضافة بلاده لأكثر من جولة جرت بين البلدين. وترتبط إمكانات حدوث التقارب بين البلدين بالسياقات الإقليمية والدولية، التي تتضح في النقاط التالية:
1- تغيير السياسة الأمريكية في المنطقة
منذ قدوم الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن والمنطقة تشهد جملة من التغيرات، فمقابل لهجة الانتقادات الشديدة للسعودية رفعت أمريكا العقوبات عن جماعة الحوثي ضمن سياسات العودة إلى مفاوضات المشروع النووي الإيراني.
إذ يتبنى بايدن سياسة تحييد الإشكاليات وربطها بالحلول الدبلوماسية والمفاوضات، وذلك من أجل التفرغ للتهديد الجديد الذي يواجه الولايات المتحدة الأمريكية، المتمثل بالتهديد الصيني والنفوذ الروسي العسكري. ونتيجة لتراجع أهمية مخاطر الجماعات الإرهابية والتهديدات الإيرانية جاء إعلان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتحجيم وجودها العسكري في العراق متوافقاً مع هذه السياسة الجديدة.
ويأتي التقارب السعودي الإيراني متوافقاً مع سياسة الولايات المتحدة في المنطقة من جانبين؛ الأول تخفيض حدة التوتر وخطر الحرب في هذا الجزء من العالم يقلل أيضاً من مستوى التطرّف الذي قد يضر بمصالح واشنطن.
ويقلل هذا التطور أيضاً من الحاجة إلى الانتشار العسكري الأمريكي أو الالتزامات المكلفة الأخرى لحماية الممرات المائية وأمن أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة، كما أن إدارة بايدن تدرك أن اتفاق سلام حذراً مسيطراً عليه يفتح الآفاق أمام حركة إعمار في جميع القطاعات المدنية والعسكرية، لا مناص فيه من الاعتماد على صناعات واستثمارات أمريكية وغربية متطورة. من جانب آخر تحاول الولايات المتحدة الأمريكية من خلال دفع السعودية للتقارب مع إيران احتواء التهديد الصيني بعد أن وقعت اتفاقية مع إيران لمدة 25 عاماً، إذ وقع الطرفان، في 27 مارس/آذار 2021 معاهدة تعاون اقتصادي واستراتيجي، وهو تهديد اقتصادي وأمني تحاول أمريكا- بطريقة غير مباشرة- احتواءه من خلال توفير بدائل لا تلغي عقوباتها على إيران، ولا تتركها بالكامل في المجال الصيني.
2- فشل سياسة القطيعة والحرب بالوكالة
تزايدت الاحتقانات السياسية في المنطقة بعد أن نشط دور الحروب بالوكالة بين الفواعل الإقليمية والدولية على حد سواء، وعلى الرغم من وجود إمكانية عسكرية لاستمرار مثل هذه الصراعات في المنطقة، تأتي الفواتير الاقتصادية والتبعات الأمنية والسياسية لتحجم من فاعلية وسيلة الحروب بالوكالة في إضعاف الخصوم.
إذ لم تتمكن لا السعودية ولا الإمارات ولا إيران من حسم المعارك بطريقة جذرية، ونظراً للتكاليف الاقتصادية التي فرضتها الجائحة على السعودية والإمارات من جهة، إضافة إلى الضغط الذي تمثله العقوبات الاقتصادية على إيران.
من جهة ثانية، فقد أصبح من الضروري على هذه الأطراف البحث عن بدائل غير مكلفة، لكن هذه البدائل لم تكن لتصل إلى استبدال سياسة المواجهة بالمفاوضات لولا التغيرات الإقليمية؛ إذ إن السعي لتهدئة إقليمية لا ينفصل عن التغييرات التي تحصل على المستويين العالمي والإقليمي.
فالنظام العالمي خرج من الأحادية الأمريكية الأوروبية، مع وجود دور متنامٍ لكل من روسيا والصين، أما إقليمياً فعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع طهران ستعني نوعاً من التهدئة مع حلفاء واشنطن في المنطقة.
3- ضرورة الحد من دور المشاريع المنافسة في المنطقة
خلال فترة القطيعة في السنوات الخمس بين الطرفين تنامى دور مشاريع منافسة في المنطقة على حساب كلٍّ من السعودية وإيران، فالدور التركي تنامى في الجانب العسكري عقب الإمكانيات التكنولوجية والاتفاقات السياسية التي مكنت تركيا من تحقيق حضور أوسع في مختلف ملفات المنطقة.
فضلاً عن أن مشروع التطبيع الإسرائيلي يأتي في سياق إضعاف المشاريع المتنافسة في المنطقة، ومن هنا يأتي سعي الطرفين لاستعادة النشاط الدبلوماسي بينهما من أجل مواجهة هذه المشاريع.
فمن جهة تسعى إيران إلى تحسين علاقتها بالرياض لتسهم في تقليص آثار التطبيع بين الإمارات والبحرين مع الكيان الإسرائيلي، من أجل تقليص أجواء المواجهة في الخليج وتحسين مكانتها الإقليمية، ومن أجل تحسين ظروف مفاوضات المشروع النووي.
ومن جهة السعودية يأتي تقاربها مع إيران ردة فعل على عدم ثقتها بالجانب الأمريكي، خصوصاً بعد وصول الديمقراطيين للسلطة، كما أن تقاربها مع إيران يأتي متوافقاً مع رغبتها في تجنيب المنطقة لأي اهتزاز سياسي، خصوصاً بعد الانسحاب الأمريكي، ومن هنا تبنت أسلوباً جديداً في إدارة ملفات المنطقة يقتضي ضرورة تقسيم الأدوار بينها وبين إيران.
دوافع التقارب السعودي-الإيراني
ينطلق الطرفان من عدد من الدوافع الذاتية، التي مهدت لحدوث أكثر من جولة مفاوضات جمعت بينهما سراً ثم أعلن عنها في وقت لاحق، ومن هذه الدوافع الآتي:
الدوافع السعودية
من خلال التدقيق في الموقف السعودي في تقاربه مع إيران نجد أن الملفات الأمنية هي المحرك الرئيسي في مفاوضاته، وتتمثل هذه الدوافع في النقاط الرئيسية التالية:
– وقف التهديد الحوثي وإنهاء الحرب في اليمن:
في السنوات الأخيرة شكلت الهجمات الحوثية مصدر تهديد حقيقي للأمن السعودي، خصوصاً بعد أن استهدفت عصب الاقتصاد السعودي المتمثل بالنفط، إضافة إلى استهدافها للداخل السعودي من خلال استهدافها للبنى التحتية والمطارات والأماكن الحيوية، وهو ما شكل بمجمله تهديداً حقيقياً لا يمكن مواجهته من خلال خارطة التحالفات القديمة وعلاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، أو من خلال العمليات العسكرية المحدودة في اليمن، بل من خلال مخاطبة إيران الممول الرئيسي لجماعة الحوثي في اليمن.
والحرب في اليمن لها تكلفتها الاقتصادية العالية؛ بسبب حرب الاستنزاف التي آل إليها مشهد الصراع في اليمن. وقد زادت من حدة الضغط الاقتصادي الذي يثقل كاهل السعودية التأثيرات الاقتصادية السلبية التي فرضتها جائحة كورونا، إضافة إلى لهجة الانتقادات القاسية والصريحة التي تبنتها الإدارة الأمريكية بعد أن أصبحت في يد الديمقراطيين، كما أن واشنطن أعلنت سابقاً أنها ستوقف دعمها للرياض في حرب اليمن.
هذه التغيرات دفعت الجانب السعودي إلى البحث في البدائل التي يمكن أن تنهي الحرب في اليمن بعيداً عن الوسائل العسكرية، ومن هنا تضمنت جولات المفاوضات هذا الملف أيضاً.
– الخوف على مكانتها الإقليمية:
تنامي الدور الإيراني وفاعليته العسكرية في أكثر من دولة عربية وفي المقابل تأخر المملكة في حسم المعركة في اليمن قد يكون له انعكاسات سلبية على توازن القوى في المنطقة.
كما أن التقارب الأمريكي مع إيران بشكل قد يفضي إلى مضيها في المشروع النووي سيكون له تبعاته الأمنية والسياسية على السعودية، وهو أمر تحاول وقفه أو تأجيله على الأقل من خلال استعادة حضورها ودورها في دول المنطقة من خلال التوصل إلى تفاهمات تسهم في تبريد حالة التوتر القائم من أجل حلحلة الاحتقانات السياسية في المنطقة.
إذ إن استتباب الأمن مهم وضروري من أجل المضي في مشاريع التنمية، فمن خلال إيجاد حل لحرب اليمن يمكن للمملكة المضي في مشروع رؤية 2030، وهو المشروع الذي يتوقع منه تعزيز مكانة السعودية إقليمياً ودولياً.
الدوافع الإيرانية
من خلال التدقيق في موقف إيران في تقاربها مع السعودية نجد أن الملفات الاقتصادية هي المحرك الرئيسي في مفاوضاتها، وتتمثل هذه الدوافع في النقاط الرئيسية التالية:
– إيجاد فرص اقتصادية مع المملكة تخفف من ضغط العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها: من خلال تقاربها مع المملكة تحاول إيران تخفيف حدة الضغوط التي فرضتها العقوبات الاقتصادية ومنعتها من الاستفادة من إمكاناتها الاقتصادية، وهو أمر ينعكس سلباً على مشاريعها التوسعية في المنطقة، وعلى قدرتها في المضي في مشروعها النووي، وعلى قدرتها في الحفاظ على استقرارها الداخلي في ظل تنامي الاحتجاجات الداخلية.
– وقف الدعم السعودي لجبهات المعارضة الإيرانية
في الفترة الأخيرة ازدادت معاناة إيران بسبب استمرار العقوبات الاقتصادية، وتغير الأوضاع الإقليمية، وعدم قدرتها على الحسم العسكري، كما أن وجود معارضة داخلية، إضافة إلى وجود احتجاجات شعبية على تردي الأوضاع الاقتصادية، يزيد من حجم الضغوط التي تعترض مشاريعها في المنطقة.
وتدرك إيران أن تنامي هذه الضغوط مرتبط بالتغيرات الإقليمية إضافة إلى وجود عامل الدعم الخارجي أياً كان مصدره. ومن هنا ضمنت بند التوقف عن دعم المعارضة وتقديم أي دعم سياسي أو إعلامي أو مالي لها من قبل السعودية ضمن الشروط الأساسية في جولات مفاوضاتها، إذ كان على رأس هذه الشروط وقف دعم السعودية لـ”جيش العدل”، ومقره في بلوشستان، جنوب شرق إيران، ويمثل المعارضة السنية بالمنطقة، ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وفصائل المعارضة الأحوازية؛ إذ تتهم طهران الرياض بتقديم دعم وتمويل لهجمات الجماعة المسلحة التي كانت تنفَّذ على جهاتٍ أمنية وعسكرية تابعة للنظام الإيراني.
– تنسيق جهود الدعم السعودي واستثماراته في العراق وسورية
في ظل استمرار أمد الصراع وتدهور الأوضاع الاقتصادية أصبح من الصعب استمرار الحياة في المناطق التي شهدت الحروب بالوكالة بعد أن دمرت بنيتها التحتية، وفي حين أعلنت السعودية إمكانية تبنيها مشاريع إعادة الإعمار، ظهرت تخوفات من قبل الجانب الإيراني من إمكانية توظيف خطط إعادة الأعمار في تقليص المكتسبات الإيرانية وتقليص نفوذها في الداخل السوري والعراقي، أو استخدام تلك المساعدات والخطط في الضغط على التيارات الشيعية التي شُكلت خلال الفترة السابقة، ومن هنا ركزت على ضرورة وضوح أهداف واستراتيجيات تلك الخطط بشكل لا يتعارض مع مصالحها في أماكن وجودها في تلك المناطق.
– احتواء التغيرات الإقليمية التي ليست في مصلحتها
على الرغم من وجود نفوذ إيراني كبير في كل من العراق وسوريا فقد عانت مؤخراً من خسارات متتالية في الحرب الأهلية السورية في ظل صعوبة حسمها عسكرياً، بالإضافة إلى خسارتها لبعض نفوذها في الأوساط الاجتماعية العراقية بعد الاحتجاجات الرافضة للتدخلات الإيرانية التي انطلقت عام 2019، وأرغمت حليفها رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي على الاستقالة.
كما أن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية ووصول حركة طالبان السنية إلى السلطة شكل تحدياً إضافياً للنفوذ الإيراني في المنطقة، وصار من المحتم عليها أن تتبنى أساليب سياسية جديدة تميل إلى الجانب الدبلوماسي أكثر من الحسم العسكري حتى تتواكب مع هذه التغيرات ولا تفقد مكاسبها السابقة.
انعكاسات التقارب السعودي الإيراني على ملفات المنطقة
كلا الطرفين يملكان ثقلاً في المشهد السياسي والأمني في المنطقة، لذا انعكست حالة التوتر القصوى التي شابت العلاقة بينهما على مختلف الملفات الأمنية والسياسية في المنطقة على مدار السنوات الخمس المنصرمة، وفي حال المضي في تحديد ملامح جولات المفاوضات القائمة وتمكن الطرفين من تحقيق تقارب حقيقي بينهما فستشهد المنطقة انعكاسات عدة، أبرزها:
1- إمكانية حل إشكاليات المنطقة بجهود إقليمية
من الأهمية بمكان النظر إلى الدور العراقي القائم في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، فعلى الرغم من أنه قائم بفعل تأثير أمريكي نتيجة تقارب السلطة السياسية الجديدة مع المحور الغربي، فإنه وعلى عكس المتوقع كان له دور في نجاح التقريب بين السعودية وإيران من خلال تبنيه جولات المفاوضات على أراضيه.
ويأتي الدور العراقي ليعيد النظر إلى إمكانية حل الملفات الساخنة من قبل الفواعل الإقليمية دون الحاجة إلى تدخل الأطراف الخارجية، ولم يكن لهذا الدور العراقي أن يظهر على السطح لولا عزم الولايات المتحدة على انسحابها من المشهد في المنطقة بعد أن تراجعت أهميتها الاستراتيجية أمام تنامي التهديدات الدولية الجديدة المتمثلة بالتهديد الصيني والدور الروسي.
2- تخفيض حدة التوترات في مختلف الجبهات
التقارب السعودي الإيراني قد يكون له انعكاساته الإيجابية على ملفات الصراع العسكري والسياسي القائم في الدول العربية، إذ يشير كثير من التقرير إلى أنه في حال حصل تفاهم بين إيران والسعودية فسيؤدي ذلك إلى إنهاء الحرب بالوكالة في المنطقة، والحكومة اللبنانية سوف تتشكّل.
لأن المشكلة الأساسية في تشكيل الحكومة تكمن في عناد التحالفات السياسية، بحيث يمكن للسعودية وإيران أن تساعدا اللبنانيين على تشكيل الحكومة وترتيب الوضع الاقتصادي، والصراع في اليمن من الوارد جداً أن ينتهي، كما يمكن أن يستتب الوضع في العراق.
إضافة إلى ذلك قد يؤدي هذا التقارب إلى زيادة الزيارات بين الرياض ودمشق، التي من الممكن أن تفشل قانون قيصر في حال التفاهم، وموضوع إعادة الإعمار في سوريا سيكون للمملكة دور كبير فيه، وهذا بدوره قد يسهم في تخفيف حدة التوتر الإقليمي والالتفات إلى المشاكل الداخلية للطرفين، بشكل قد ينعكس على استقرار الدول المتضررة من الصراع بينهما.
3- إمكانية تشكل دبلوماسية جديدة تعيد رسم خارطة التحالفات
على عكس التوقعات المسبقة، لم يؤد الانسحاب الأمريكي؛ من أفغانستان وحالياً العراق، إلى انفجار حالة من الفوضى، بل يبدو أن هذه الانسحابات مهّدت لتشكيل دبلوماسية إقليمية قائمة على أساس المفاوضات التي قد تعود بالفائدة على الإقليم، حيث يسعى جميع الفاعلين إلى إصلاح العلاقات المتوترة للبدء من جديد في ضوء توازن القوى القادم. ويتضح ذلك جلياً من خلال انفتاح تركيا على خصومها، وتوجه السعودية وحلفائها في المنطقة نحو قطر، إضافة إلى التصريحات الأخيرة التي تفيد بإمكانية حلحلة الملفات العالقة بين الرياض وطهران.
خلاصة الدراسة
بعد السرية التي شابت الجولات الثلاث التي جمعت بين السعودية وإيران جاء الإعلان عنها مؤخراً ليفتح باب الجزم بوجود مفاوضات وحوار قائم بين الطرفين، حوار تحددت ملامح بعض محاوره لكن لم يُكشَف عن كل بنوده. وبغض النظر عن الكشف عن هذه البنود من عدمها يبدو أن الطرفين عازمان على المضي في تبني سياسة جديدة تتناسب مع حجم وطبيعة التحديات التي فرضها الانسحاب الأمريكي من المنطقة، إضافة إلى وجود تغيرات إقليمية تستوجب منهما ركن حالة الجمود السياسي وتبني خطوات تكتيكية مشتركة تجنبهما دفع الثمن الغالي الذي سيدفعانه في حال استمرت القطيعة.
لكن هل لمثل هذه التقاربات أن تنهي حالة العداء الجذري الذي يغلف العلاقة؟ أم أنها ستكون أشبه بجولة استراحة تليها جولات جديدة من الحروب بالوكالة؟ إجابة هذا السؤال مرتبطة بشكل أساسي بمدى قدرة الطرفين على تجاوز ملفات العداء والتوصل إلى بنود اتفاق ملزمة بينهما، كما أنه مرهون بالتغيرات المتسارعة والطارئة التي تشهدها المنطقة.