غير ولي العهد محمد بن سلمان واحدة من أهم ثوابت المملكة, وهو الدفاع عن الأقليات المسلمة, إذ اصبحت الرياض تؤيد حملة الصين لتغيير عقيدة مسلمي الإيغور, وكذلك اضطهاد ميانمار للروهينغا.
وشكلت زيارة محمد بن سلمان الأخيرة إلى بكين نقطة تحول لافت عن الدور التقليدي الذي كانت تدعيه سلطات المملكة الدفاع عن الإسلام والمسلمين، بدعمه الإجراءات الصينية لـ”إبادة شعب الأويغور المسلم.”
ودافع بن سلمان، خلال زيارته للصين، عن الإجراءات القمعية التي تتخذها السلطات الصينية ضد مسلمي الأويغور، وقال: إن “الصين لها الحق في تنفيذ أعمال مكافحة الإرهاب والتطهير من أجل أمنها القومي”.
ويقول الكاتب جيمس دورسي، الزميلُ الأول في كلية الدراسات الدولية بجامعة راجارتنام في سنغافورة «يُسهم موقف السعودية من محنة آلاف الروهينغا الذي يقيمون بصورةٍ غير شرعية في المملكة، هرباً من الاضطهاد في ميانمار ومخيمات اللاجئين البنغلاديشية الحقيرة، في تفسير الدعم السعودي للحملة الوحشية التي تشنها الصين على المسلمين الأتراك في إقليم شينجيانغ المضطرب في شمال غربي البلاد».
فعلى مرِّ الأشهر الستة الماضية، رحَّلت المملكة أعداداً كبيرة من الروهينغا الذين دخلوا المملكة بتأشيرات الحج أو باستخدام وثائق سفر مزوَّرة، بعدما كانت هذه الحيلة هي السبيل الوحيد لمغادرة ميانمار أو بنغلاديش في كثيرٍ من الأحيان.
ويمثِّل طرد الروهينغا ومئات الآلاف من العمال الأجانب الآخرين، إلى جانب فرض رسومٍ على مَن يعولونهم، وقيودٍ على القطاعات التي يمكن توظيفهم فيها، جزءاً من جهود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لإصلاح اقتصاد المملكة، المعتمد على النفط وزيادة فرص العمل.
إذ يعتمد نجاح إصلاحات محمد بن سلمان اعتماداً كبيراً على قدرته على خفض إجمالي معدل البطالة في المملكة دون 12.7%، وهو المعدل الذي يرتفع إلى 25.8% بين شباب المملكة، الذين يمثلون أكثر من نصف سكانها.
لكنَّ التهديد بطرد ما يصل إلى 250 ألف روهينغي يُعتقَد أنَّهم يقيمون في المملكة، يتناقض تناقضاً صارخاً مع إدانات الرياض، وكذلك منظمة التعاون الإسلامي التي يقع مقرها في جدة، للاضطهاد الذي تمارسه ميانمار ضد الروهينغا.
ودعت منظمة التعاون الإسلامي، في شهر يونيو/حزيران الماضي، إلى رفع دعوى قضائية ضد ميانمار، أمام محكمة العدل الدولية، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة التي تمارسها ضد الروهينغا، والتي أسفرت عن فرار حوالي 750 ألف روهينغي إلى بنغلاديش في السنوات الأخيرة، حيث يقيمون في مخيماتٍ للاجئين.
وكذلك تتبرع المملكة بملايين الدولارات في صورة مساعداتٍ للاجئين، وقد قالت سابقاً إنَّها «تشعر بقلق بالغ، وتدين سياسة القمع والتهجير القسري التي تنتهجها حكومة ميانمار ضد أقلية الروهينغا».
لكنَّ عمليات الترحيل، وتأييد المملكة للحملة القمعية في إقليم شينجيانغ، التي وضعت حوالي مليون فردٍ من أقلية الإيغور في معسكرات إعادة التأهيل، حيث يُلقَّنون تفضيل أيديولوجية الحزب الشيوعي وفِكر الرئيس شي جين بينغ على دينهم الإسلامي، يشيران إلى أنَّ المملكة ليست على استعدادٍ للتنازل عن مصالحها الاقتصادية، حتى لو أسفر ذلك عن التشكيك في ادعائها الأخلاقي بأنَّها قائدة العالم الإسلامي.
بيد أنَّ هذا النهج السعودي يُشكِّل سيفاً ذا حدين.
فمن ناحية، يتعزز دور المملكة القيادي, إذ تستمد غالبية الدول الإسلامية التي تُحجم عن انتقاد الصين جرأتها على ذلك من حقيقة أنَّ خادمة الحرمين الشريفين قد أخذت زمام المبادرة في حماية الصين من نقد المسلمين.
من ناحيةٍ أخرى، تُجازف الصين والدول الإسلامية الأخرى برهانٍ محفوفٍ بالمخاطر يمكن أن يضعها في الجانب المُظلم من التاريخ في نهاية المطاف.
فرغم عدم وجود دلائل على أنَّ اليأس يغذي التطرف على نطاقٍ واسع بين الروهينغا، يشير بعض المحللين إلى أنَّه في مخيمات اللاجئين البنغلاديشية “يمكن العثور على كل عوامل التطرُّف التي حددها خبراء التطرف تقريباً، بدرجةٍ أكبر أو أقل, وإذ اعتنق بعض هؤلاء اللاجئين الفكر المتطرف، ولو نسبةٌ صغيرة جداً منهم، ستنشأ مشكلةٌ أمنية كبيرة”.
إذ إنَّ ظهور التطرف بين الروهينغا إلى جانب طريقة تعامل السعودية معهم التي تُشكِّل إحدى مظالمهم يمكن أن يجعل المملكة هدفاً لهجماتٍ إرهابية.
بالنظر إلى وقائع تاريخية، سنجد أنَّ المملكة والدول الإسلامية تراهن رهاناً أقرب للإخفاق منه للفوز على أنَّ الصين ستنجح في تحويل المسلمين الأتراك ليصبحوا صينيين وضمان احتواء المشاعر المتزايدة المعادية للصين في دول آسيا الوسطى ذات الروابط الثقافية والعرقية الوثيقة مع إقليم شينجيانغ (الإقليم الذي يسكن فيه الإيغور).
ومع ذلك، فالمملكة تخطو بحذرٍ بالغ لتحقيق التوازن بين مصالحها الوطنية والتوقعات المطلوبة منها بصفتها قائدة للعالم الإسلامي.
صحيحٌ أنَّ خطوة احتجاز آلاف الروهينغا وغيرهم من العمال المسلمين المحتاجين غير الشرعيين وترحيلهم إلى مستقبلٍ غامض كان من المرجح أن تُفاقم الإحباط واليأس، لكنَّ وزير الشؤون الإسلامية السعودي عبداللطيف بن عبدالعزيز الشيخ أعلن أنَّ الملك سلمان سيستضيف في موسم الحجِّ في العام الجاري 200 شخصٍ من أقرباء ضحايا الهجوم الذي نفَّذه شخصٌ من أنصار سيادة ذوي البشرة البيضاء على مسجدين في مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية، والذي أسفر عن مقتل 50 شخصاً.
وقال الوزير السعودي إنَّ هذه الدعوة، التي من الواضح أنَّ هدفها إظهار المملكة على أنَّها داعمٌ سخي لقضايا المسلمين وتحسين صورتها التي شوهتها الحرب في اليمن ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي العام الماضي، جزءٌ من جهود السعودية في مكافحة الإرهاب.
وصحيح أنَّ مشاعر الشعب السعودي تجاه الحملة القمعية في شينجيانغ ما زالت غير واضحة على الرغم من الدعم السعودي الواضح لمحنة الروهينغا في ميانمار وبنغلاديش.
لكنَّ بعض المؤشرات تشير إلى أنَّ شريحةً كبيرة من سكان المملكة ما زالت متمسكةً بتفسيرها المحافظ للغاية للإسلام.
إذ أظهر استطلاع رأي أُجري مؤخراً على موقع تويتر أنَّ غالبية السعوديين يعارضون اقتراح التوقف عن إجبار المتاجر على الإغلاق أثناء الصلوات، وهو جزء رئيسي من تقاليد المملكة المتمثلة في التدين العام القسري، حسب وصف الكاتب.
ومن ثَمَّ، يثير الالتزام بالتقاليد المحافظة للغاية التساؤل عمَّا إذا كانت تلك الشرائح من السكان السعوديين أكثر تعاطفاً مع محنة الإيغور.
وفي إطار الجهود الصينية الرامية إلى اجتذاب المغتربين الصينيين ومكافحة الانتقادات، تسعى الصين إلى جذب المجتمع الصيني العرقي في المملكة.
ومن أجل ذلك، تستضيف قنصلية الصين في ميناء جدة المُطِل على البحر الأحمر فعالياتٍ باللغة المندرينية والعربية بل والإيغورية كذلك، حسبما ذكر محمد السديري الباحث السعودي المتخصص في الشؤون الصينية.
وعزا السديري تركيز الصين على الإيغور السعوديين، الذي يُمثلون واحداً من أكبر وأثرى مجتمعات الأتراك الصينيين المغتربين في دول العالم، “إلى دور هذا المجتمع بصفته معقلاً للمشاعر المناهضة للصين والحزب الشيوعي الصيني في المملكة، وبصفته مجتمعاً يحظى ببعض التأثير في تشكيل تصورات النخبة والشعب السعودي تجاه جمهورية الصين والحزب الشيوعي”.
ويشير هذا التركيز إلى أنَّ المشاعر الشعبية تجاه محنة المسلمين في أماكن مثل ميانمار وشينجيانغ قد تكون أشد تعقيداً من المواقف التي يعرضها قادة الدول الإسلامية.