تواصل سلطات نظام آل سعود ممارسة الاعتقال التعسفي بحق دعاة بارزون عقابا على آرائهم الهادفة للإصلاح ومحاربة الفساد المستشري في المملكة.
وكشف حساب “معتقلي الرأي” الحقوقي على تويتر عن إعادة سلطات آل سعود اعتقال الشيخ إبراهيم السكران منذ شهر تقريباً بعد فترة قصيرة من الإفراج عنه.
وطالب الحساب بالإفراج الفوري عن الشيخ السكران، مؤكدا على رفض إعادة اعتقاله التعسفي وسياسة القمع التي تمارسها السلطات ضد مشايخ و دعاة المملكة بلا سبب.
وكانت سلطات آل سعود اعتقلت السكران منتصف عام 2016 لاعتراضه على سياسة “رؤية 2030” التي قدّمها محمد بن سلمان وتستهدف فرض ضرائب باهظة على المواطنين السعوديين، وتحول اقتصاد البلاد إلى سياسة السوق المفتوحة.
يأتي ذلك فيما يقترب الداعية علي أبوالحسن من إتمام ثلاثة أعوام في سجن نظام آل سعود بسبب التعبير عن الرأي، وهو حال الشيخ صالح آل طالب الذي بسبب كلماته في خطبة ألقاها يقبع رهن الاعتقال التعسفي منذ عامين.
ويقترب عيد الأضحى لهذا العام وسط افتقاد العديد من علماء و دعاة ومفكري المملكة الذين كانوا لا يفوتون هذه الأيامن المباركة، حتى يفيضوا علينا من علمهم ودعوتهم للحق، ولا يبخلون بها على أحد، سواء من مواطني المملكة، أو سائر المسلمين بالعالم.
ووهناك عشرات دعاة الإسلام حجبهم المتهور محمد بن سلمان عن العالم وعن المؤمنين، فقط لأنهم لم ينساقوا معه ومع سياساته، وأبوا أن يشدوا على يد الظالم، وأبوا أن يعطوا من دينهم الدنيَّة، فغابوا في سجونه، وانقطعت اخبارهم، حتى يُخيل للمرء انهم لم يكونوا فيما بيننا يومًا.
أدخلهم الظالم في غياهب السجون، مع المئات من خيرة شعب المملكة، من دعاة ومشايخ ومفكرين ومدافعين عن الحقوق، قابعين في سجونها ينتظرون الفرج من رب العالمين، عنوانهم الصبر على البلاء، والخشية من أن يقعوا في الفتنة التي وقع فيها غيرهم، من الذين يُطلق عليهم الأن بـ”وعاظ السلاطين”.
اعتقلت سلطات آل سعود في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وتحديدًا منذ صعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، عشرات دعاة وعلماء الدين والناشطين والناشطات في حقوق الإنسان.
وسنة بعد سنة تكبر قائمة المعتقلين في سجون بن سلمان من دعاة ومشايخ، عبر حملات اعتقالٍ لم يراع فيهم حرمة عالم أو فقيه أو صاحب رأي من الكتاب والمفكرين، بل وشملت حتى من ينتمي للعائلة المالكة نفسها، حتى لا يبقى فيها أحد ينازعه بالملك، ولتكميم أي صوت معارض له، وهو في طريقه لاستلام الحكم بشكل نهائي. منذ سبتمبر 2017.
ويعاني دعاة وعلماء ونشطاء في السجون، من تدهور الوضع الحقوقي والصحي داخل معتقلات المملكة، ويتعرضون لمحاكمات سرية لا تتوفر فيها أدنى سبل العدالة، ويرمون بسيل من التهم الكاذبة وصل بعضها حدَّ السذاجة.
وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة جارديان البريطانية، تقريرًا لها في 15سبتمبر 2017، ذكرت فيه، إن ”ولي العهد السعودي يحاول تعزيز قوته بسلسلة من الاعتقالات” التي لا تفرق بين دعاة ومعارضين.
فيما ذكرت وكالة رويترز، أن “سلطات آل سعود اعتقلت عددا من الدعاة، بينهم سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري، وانضم إليهم كل من الأكاديمي محمد موسى الشريف، والدكتور علي عمر بادحدح، والدكتور عادل بانعمة، إضافة إلى الإمام إدريس أبكر، والدكتور خالد العجمي، والطبيب عبد المحسن الأحمد والإعلاميان أحمد الصويان ومالك الأحمد”.
وكان من بين المعتقلين، الإعلامي فهد السنيدي، والشيخ يوسف الأحمد، والشيخ محمد الهبدان، والدكتور محمد الخضيري، والدكتور إبراهيم الحارثي خطيب مسجد في جدة، والداعية إبراهيم الفارس، والداعية غرم البيشي، وأخيرا انضم إليهم الشيخ د. إبراهيم الدويش.
ومع حلول شهر رمضان الذي اعتاد الناس في المملكة وخارج المملكة، من كل سنة، أن يكون لهم موعدًا مع برامج حافلة لكبار الدعاة والمشايخ، لأحياء شهر رمضان عبر برامج هادفة، تُبْرز فيها المعاني الدينية والتربوية وتجدد دينهم وإيمانهم.
لكن بعد إن شن بن سلمان ووالده العديد من حملات الاعتقال ضد أولئك المشايخ والدعاة، من الذين لا يروقون له، وعمل على استبدالهم بما يطلق عليهم اصطلاحًا بـ “وعاظ السلاطين” الذي يُحرّمون ما يُحرّم السلطان ويحلّون ما أحلّه، لتتغير معالم هذا الشهر الفضيل، إلى غير ما تعودنا عليه، من شهر بركةٍ وعلمٍ وإيمان، ومن دون أن يكون للعلماء الحقيقيين، بصمتهم الواضحة في انارة الطريق للناس سواء كان ذلك في داخل المملكة أو خارجها.
يحل علينا شهر رمضان، والعديد من هؤلاء الدعاة والمشايخ والمفكرين، خلق قضبان السجون، حتى وصل الأمر أن تقوم قنوات غير سعودية، ببث محاضرات أولئك المشايخ والدعاة، رغم إن بلدهم يحظر تلك المحاضرات، هذا ما قامت به قناة الجزيرة، حينما بدأت في بث محاضراتٍ للشيخ سلمان العودة، لتستمر في هذه البث طيلة أيام رمضان، لتعوض الناس عن غيابه طيلة ثلاث سنوات.
أما إعلام آل سعود فقد اكتفى ببث برامج “وعاظ السلاطين” ممن هم مرتبطون بالسلطات السعودية، يمجدون فيها الملك وولي عهده على أي شيء يفعله، سواءً كان ذلك الفعل حقًا أم باطل، لتكون بديلًا عن البرامج التي تحث على الفضيلة والخوف من الله.
وبدلًا من أن تكون أيام هذا الشهر الفضيل مناسبة لابن سلمان يكسب فيها ودّ شعبه ويطلق سراح المشايخ والدعاة والاصلاحيين، قام بإهمالهم طبيًا وكأنه يتعمد قتلهم وهم في السجون، حتى فُجع شعب المملكة، بخبر وفاة المعتقل الحقوقي الإصلاحي “عبدالله الحامد” نتيجة الإهمال الطبي، في أول يوم من أيام شهر رمضان، ولم تقبل السلطات الإفراج عنه رغم سنه الذي شارف الـ70 عامًا. والدكتور”الحامد” هو أكاديمي وناشط حقوقي سعودي وأحد أبرز الوجوه الداعية للإصلاح بالمملكة.
و أكدت حسابات كثيرة على أن “وفاة الحامد في السجن ليست أمرا عاديا، فهو اغتيال متعمد قامت به السلطات السعودية بعد أن تركته إدارة السجن في غيبوبة عدة ساعات قبل نقله للمستشفى”. وحذّروا من “السكوت على هذه الجريمة”، لأنها “قد تتسبب بوفاة آخرين من المعتقلين الأحرار”.
وكان حساب “معتقلي الرأي” الحقوقي، دشن أكبر حملة تغريد لدعم معتقلي الرأي في السعودية والعالم العربي عبر وسم #قبل_الكارثة في ضوء المخاوف من انتشار فيروس كورونا المستجد، وذلك في نهاية شهر أذار من هذه السنة، للضغط من أجل الإفراج عن جميع المعتقلين تعسفياً قبل فوات الأوان وانتشار فيروس كورونا داخل الزنازين.
لكن سلطات آل سعود بدلًا من ذلك، قامت باستغلال انشغال العالم بفيروس كورونا، لتشن حملة اعتقالات جديدة، بالتزامن مع ذكرى مرور عام على اعتقالات أبريل/نيسان من العام الماضي، شملت ناشطين وأكاديميين شبابا.
ومن الدعاة الذين كانوا يتحفوننا بعلمهم ودعوتهم الصادقة، الداعية الشيخ الدكتور الطيار محمد الشريف، هذا الداعية مثُل أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، وتضمنت التهم الموجهة له “الانتماء والتأييد لجماعة الإخوان، وتواصله مع بعض أعضائها ورموزها، والإشادة ببعض قادتها والمنتمين لها”، ومن بين التهم “الانضمام إلى (أكاديمية بناء)، والمشاركة في إلقاء المحاضرات، ودخول مخيمات اللاجئين السوريين دون إذن رسمي، والمشاركة في أعمال الإغاثة ” إلى اخر تلك التهم التي لا ترتقي لأدانته بأي جرم، سوى إنه كان يُحاكم بسبب أفكاره وتوجهاته الإسلامية والدعوية.
أما الداعية والذي نفتقد وجوده لا سيما في أيام رمضان الفضيلة، الداعية سلمان العودة، والذي طالبت النيابة السعودية بإعدامه بعد توجيه تهم له، وصلت نحو 37 تهمة، من بينها محاولة قلب النظام السعودي، والانتماء لجهات ومكونات غير مرخصة. بالإضافة إلى الداعية العودة، نفتقد دعاة وشخصيات بارزة في المملكة، منهم عوض القرني، وعلي العمري، ومحمد الهبدان، وغرم البيشي، والشيخ عبدالمحسن الأحمد، ومحمد عبدالعزيز الخضيري، وإبراهيم الحارثي.
أما الشيخ المعتقل عبد العزيز الطريفي، الذي طالما أتحفنا بحضوره في أيام رمضان داعيًا ومرشدًا إلى الله، عُرف عنه بين النُّخب العلمية الشابة، بمكانته العلمية الكبيرة وحرصه على طلب العلم، قبل أن يُعرف بين العامة بالجرأة على قول الحق والجهر به. كان في مقالاته وتغريداته، لا يتحرز من قول الحق وإنكار المنكرات بطريقة علمية دقيقة وجذابة، ويُسمي الأمور بأسمائها بصرف النظر عن رضا الحاكم أو غضبه.
وفي 9 سبتمبر 2017، قُبض على الدكتور علي حمزة العمري، الداعية الإسلامي والشخصية الإعلامية البارزة، التي طالما نفع الشباب بتوجهاته الوسطية، والدعوة إلى التطوير وفق الشرع الإسلامي، جاء اعتقاله وسط موجة من الاعتقالات لشخصيات دينية وصحفيين وأكاديميين ونشطاء.
اتهم العمري بموجب قانون مكافحة الإرهاب. وطالب المدعي العام بالحكم عليه بالإعدام. لم تكن في حقيقة الامر تهمة العمري سوى إنه باحث إسلامي، ومؤسس لقناة تلفزيونية تروج للقيم الدينية المعتدلة. ولأنه كان عضوًا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والذي أضيف إلى قائمة المملكة للكيانات الإرهابية.
وجهت للعمري رسمياً أكثر من 30 تهمة في غالبها بسبب انتماءاته السياسية المزعومة، والبث على وسائل الإعلام العامة، بما في ذلك إنشاء قناة تلفزيونية فضائية في بلدين عربيين لنشر فكر “الإخوان المسلمين” -حسب ما يدعون-. خلال المحكمة، أبلغ العمري القاضي بتعرضه للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية أثناء احتجازه وكشف عن الجروح والحروق التي على جسده. لكن مع ذلك، لم تأمر سلطة الادعاء ولا القاضي بإجراء تحقيق في مزاعمه ولا في اعترافاته المنتزعة تحت التعذيب، والتي تُستخدم كدليل في المحاكمة.
ورغم أن سلطات آل سعود قامت لأجل منع تفشي الفيروس المستجد، بالإفراج عن عشرات السجناء المخالفين لنظام الإقامة والعمل من سجون عديدة، لكنها تجاهلت إطلاق سراح معتقلي الرأي الذين يعانون من ظروف صحية حرجة نتيجة التعذيب والحرمان من الحصول على الرعاية الصحية وعدم توفر أدنى معايير النظافة، وهو ما يمثل كارثة إنسانية بكل المستويات.
من ناحيتها، أوردت منظمة القسط في تقارير سابقة لها، معلوماتٍ عن الاكتظاظ الشديد في سجون آل سعود وافتقارها للنظافة. حيث ينتشر التعذيب والمعاملة القاسية.
وفي وقت سابق من عام 2017، نشرت القسط عن الحالات المتكررة لتفشي الدرن والجرب وغيرها من الأمراض المعدية نتيجة لهذه البيئة السيئة. إن معتقلو الرأي في السعودية، يعانون من ظروف صحية حرجة، لا سيما نتيجة التعذيب الوحشي، ونخص بالذكر النساء المحتجزات، لكن إدارة السجن تزيد من معاناتهن بمنع المسكنات والأدوية الأولية عنهن، وقد طالبت لينا الهذلول، شقيقة المعتقلة لجين الهذلول، بإطلاق سراح المعتقلين، وفي مقدمتهم شقيقتها، نظرا للخطر الحقيقي الذي يشكله انتشار كورونا.