السعودية تحول دراما رمضان إلى مبعث للفتنة الطائفية بين المسلمين

حولت الاستراتيجية التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان تمويل السعودية لمسلسلات دراما رمضان إلى مبعث للفتنة الطائفية بين المسلمين وإثارة الجدل والعداء بين الدول الإسلامية.

فقد أنتجت السلطات السعودية مسلسل تلفزيوني بملايين الدولارات يصوّر حياة الصحابي معاوية بين أبو سفيان أحد الحكام الأوائل في التاريخ الإسلامي، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا في الشرق الأوسط، حيث حظرت كل من العراق وإيران عرض المسلسل، بينما ندد به بعض رجال الدين واعتبروه عملًا آثمًا.

ومسلسل “معاوية”، الذي يُعرض على قناة MBC السعودية، هو أغلى مسلسل عربي على الإطلاق، بتكلفة قد تصل إلى 100 مليون دولار.

ويركز العمل على الانقسام الحاد الذي وقع في القرن السابع الميلادي، وأدى إلى انقسام المسلمين إلى طائفتين رئيسيتين: السنة والشيعة، وهو انقسام ديني وسياسي ما زال قائمًا حتى اليوم.

والمسلسل، الذي يتميز بديكورات فخمة ومشاهد معارك ملحمية، يصوّر حياة معاوية بن أبي سفيان، أحد صحابة النبي محمد، والذي خاض حربًا ضد ابن عم النبي وصهره، علي بن أبي طالب، الذي يحظى بمكانة رفيعة لدى المسلمين الشيعة.

وبدأ عرض المسلسل خلال شهر رمضان عبر مجموعة MBC المملوكة للدولة السعودية. ويُعد هذا الشهر ذروة الموسم التلفزيوني في المنطقة، إذ تعرض القنوات عشرات المسلسلات التي يتابعها الملايين من الأسر بعد الإفطار.

وقد صُوِّر المسلسل في تونس بمشاركة طاقم عربي متعدد الجنسيات، وأخرجه مخرج مصري. وكان من المقرر عرضه في عام 2023، إلا أن إطلاقه تأجل. ويرى البعض أن هذا التأجيل كان لتجنب تصعيد التوترات بين السعودية، التي تعتبر نفسها زعيمة العالم السني، وجيرانها من الدول ذات الأغلبية الشيعية.

وقال الدكتور إتش. إيه. هيليير، الباحث البارز في معهد الخدمات الملكية المتحدة للدراسات الدفاعية والأمنية في لندن: “بعد حوالي 14 قرنًا، لا يزال المسلمون السنة والشيعة يختلفون حول بعض الروايات التاريخية المتعلقة بفترة الإسلام المبكر، بما في ذلك شخصية معاوية بن أبي سفيان”.

وأضاف أن هذه الخلافات كثيرًا ما استُغلت لتأجيج الخصومات السياسية القائمة، والتي تفجرت أحيانًا إلى عنف طائفي.

كما واجه المسلسل انتقادات من مشاهدين بسبب ما وصفوه بأخطاء تاريخية وتجسيدات لا تليق بشخصية إسلامية بارزة.

وأشار هيليير إلى أن السعودية ربما قررت طرح المسلسل بعد تحسن علاقاتها مع العراق وإيران، قائلًا: “ربما يشعر السعوديون أن علاقاتهم مع العراق وإيران أصبحت أكثر متانة، وقادرة على تحمل التوترات التي قد تنجم عن ذلك”.

ورغم أن العراق وإيران حظرتا عرض المسلسل، حيث اعتبرت السلطات العراقية أنه قد “يهدد السلم الاجتماعي”، إلا أن ذلك لم يُقابل بتصعيد في الخطاب الرسمي ضد السعودية.

أما في مصر، صرّح أحد علماء جامعة الأزهر بأن تجسيد شخصية معاوية “مرفوض شرعًا”، بينما قال رجل دين آخر إن مشاهدة المسلسل “إثم”. ولطالما عارضت المؤسسة الدينية في مصر تصوير الأنبياء وصحابتهم الأوائل في الأعمال الدرامية.

وفي السعودية، فقد كان موقف المؤسسة الدينية الرسمية أقل حدة، في ظل سياسة الانفتاح الاجتماعي التي يقودها ولي العهد محمد بن سلمان.

وكانت مجموعة MBC قد أثارت جدلًا مشابهًا قبل نحو عقد من الزمن، عندما أطلقت مسلسلًا عن الخليفة عمر بن الخطاب، والذي قوبل حينها بإدانة شديدة من مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الذي رفض تصوير الرموز الإسلامية البارزة.

وواجه مسلسل “معاوية” أيضًا سخرية وانتقادات واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث علّق البعض على مشهد ولادة معاوية بأن والدته ظهرت وهي ترتدي ملابس نوم من “فيكتوريا سيكريت”، بينما كان الطفل ملفوفًا في بطانية من “زارا هوم”.

وأثار مشهد آخر غضب المشاهدين، حيث ظهر معاوية وهو عاري الصدر ملفوفًا بمنشفة، بينما كانت زوجته تدلكه بعد الاستحمام.