خيارات صعبة ومعقدة أمام السعودية بعد تقليص الوجود العسكري الأمريكي
باتت سلطات آل سعود أمام خيارات صعبة ومقعدة لحماية المملكة بعد سلسلة تقليصات أمريكية عسكرية من منطقة الخليج.
وبدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن في تقليص الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، إذ تم سحب حاملة طائرات وأنظمة مراقبة وما لا يقل عن ثلاث بطاريات
من بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ من منطقة الخليج وذلك في إطار استراتيجية شاملة لنقل الإمكانات العسكرية الأمريكية إلى مكان آخر، بزعم التصدي للصين.
ولم ينفك الرؤساء الأمريكيون منذ جورج بوش الابن بالإعراب عن رغبتهم في الحد من الحضور العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط
ومع ذلك اضطروا جميعهم إلى مواصلة الحضور بقوة في المنطقة. وحتى ترامب، الذي تعهد في حملته بإنهاء هذه الحروب التي لا تتوقف ودخل في مفاوضات لإخراج الولايات المتحدة من أفغانستان
ويقول تحليل لموقع Responsible Statecraft الأمريكي، إن بعض المعلقين فسروا هذه الخطوة على أنها “روتينية”
وعلق ديف دي روش، الأستاذ المساعد في جامعة الدفاع الوطني والخبير في الشؤون العسكرية الخليجية، في تغريدة: هذه الخطوة ليست أكثر من تقليص للحضور العسكري
الذي ساهم ترامب في بنائه بعد الهجوم على منشأة بقيق النفطية في سبتمبر/أيلول عام 019″. ونصح بالقول: “لا تسرفوا في تمحيصها”.
لكن ترامب كان أول رئيس يعيد إرسال قوات أمريكية إلى السعودية عام 2019 بعد سحبها في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
وقال روش: قد يقرر بايدن العودة إلى السياسة التي تعتبر وجود القوات الأمريكية على أرض الحرمين الشريفين “استفزازاً لا داعي له”.
وتعيد هذه الخطوة أيضاً تقييم سياسة أُعلن عنها في 26 يناير/كانون الثاني، أي بعد خمسة أيام من تولي إدارة بايدن السلطة
حين صرحت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أنها قد تزيد من أعداد القوات الأمريكية في المملكة، وربما كانت هذه الخطوة انعكاساً لتفضيلات إدارة ترامب
وليس بالضرورة إدارة بايدن. فبشكل عام، أعطى نهج ترامب في المنطقة الأولوية للنزعة القتالية في التعامل مع إيران وكذلك لمبيعات الأسلحة.
بايدن يغازل إيران
وفي المقابل، يبدو أن إدارة بايدن تتراجع أخيراً عن نهج ترامب تجاه إيران، بالتزامن مع الأخبار الأخيرة بأن الولايات المتحدة وإيران
جنباً إلى جنب مع دول أوروبية والصين وروسيا، ستبدأ في مناقشة خطوات استعادة الاتفاق النووي الإيراني في فيينا يوم 6 أبريل/نيسان.
ومن المؤكد أن هذا الخبر، فضلاً عن تقليص الوجود العسكري الأمريكي في السعودية والمنطقة بشكل عام، سيثير قلق قادة الخليج، الذين كانوا يرحبون بصفقات أسلحة ترامب وعدائيته مع إيران.
وسلطت صحيفة The National اليومية البارزة التي تصدر باللغة الإنجليزية في الإمارات، الضوء على أن هذا الخفض يأتي في الوقت الذي تواجه فيه السعودية
هجمات معززة بطائرات مسيرة وصواريخ من مقاتلي الحوثيين في اليمن. وقد أعرب بايدن عن “تصميمه على دعم جهود السعودية للدفاع عن نفسها والتصدي لهجمات الحوثيين”
وبشكل عام، في الوقت الذي يحاول فيه بايدن إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط أخيراً، سيتعين على الأطراف الفاعلة في المنطقة أن تبني قراراتها على أساس
استعدادها لتحمل تكاليف القتال، عوضاً عن الاعتماد على الولايات المتحدة لفعل ذلك نيابة عنها.
ويمكن القول إنه لو أقدم أحد الرؤساء الأمريكيين على هذه الخطوة في وقت مبكر، فلربما قررت السعودية الامتناع عن شن حربها غير المدروسة على اليمن
وحماية نفسها من هجمات الحوثيين والوجود الإيراني المعزز على حدودها الجنوبية.
وتقول صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية صراحة، إن واشنطن تسعى من خلال هذه الخطوة، إلى نقل عبء الدفاع عن السعودية أمام هجمات الحوثيين والميليشيات في العراق أكثر فأكثر إلى الرياض.
وأشارت إلى أنه مع تحرك الولايات المتحدة نحو تقليص قدراتها العسكرية في السعودية، شكّل البنتاغون في الأسابيع الأخيرة
“فريق النمر” -وهي مجموعة مخصصة من خبراء السياسة الدفاعية والعسكريين- لإيجاد طرق لمساعدة المملكة على حماية منشآتها ونفطها، وهو الأمر الذي يصفه محللون بهدية الترضية للمملكة.
وتشمل المطروحة على الطاولة لمساعدة السعودية على الدفاع عن نفسها مبيعات أسلحة دفاعية محددة، مثل الصواريخ الاعتراضية
وتوسيع تبادل المعلومات الاستخبارية، وتدريب إضافي، وبرامج التبادل العسكري دون الانخراط في مزيد من الأعباء.
“فجوة حاملات طائرات”
وتعني إزالة بطاريات باتريوت من الخليج، والوجود الدائم لحاملات الطائرات، وغيرها من القدرات العسكرية، أن بضعة آلاف من الجنود قد يغادرون المنطقة بمرور الوقت.
وربما يُعاد نشر بعض المعدات، مثل طائرات المراقبة المسيّرة والبطاريات المضادة للصواريخ، في أماكن أخرى
للتركيز على من يعتبرهم المسؤولون المنافسين العالميين الأبرز للولايات المتحدة، ومن بينهم الصين وروسيا.
إذ نُشِرَت حاملات الطائرات في السنوات الأخيرة باعتبارها رمزاً للقوة الأمريكية الرادعة بالشرق الأوسط.
وفي وقتٍ مبكر من العام الجاري، غادرت حاملة الطائرات “يو إس إس نيمتز” المنطقة، بينما توجهت “يو إس إس أيزنهاور” إلى هناك.
لكن ليس من المتوقع أن تبقى الأخيرة في المنطقة لأشهر طويلة كما هو معتاد، مما سيُسفر عن “فجوة حاملات طائرات” في المنطقة التي تُشرف عليها القيادة المركزية الأمريكية، بحسب مسؤولين في البحرية.
سيناريوهات السعودية
ويشير محللون إلى أن خطوة بايدن تأتي في إطار الضغط على الرياض للانسحاب من حرب اليمن، وقد كان جمد مبيعات الأسلحة للمملكة سابقاً وأعلنت إدارته عن إعادة تقييم العلاقة.
لكن نظرًا لأن المملكة قد لا تكون على استعداد للانسحاب الكامل من اليمن الآن، فقد تؤدي موجة جديدة من هجمات الحوثيين إلى إعادة الرياض إلى الصراع.
وعلى الرغم من مبادرة السلام الأخيرة في اليمن، وقول بايدن في فبراير الماضي إنه “سيدعم حق المملكة في حماية أمنها القومي”، ها هو يقلص قواته هناك ويزيد الكثير من أسباب المناعة للمملكة.
في النهاية، من غير المعروف إذا كانت هذه الخطوة ستجر خطوات أخرى أكثر جرأة من بايدن للانسحاب من المنطقة خلال الفترة المقبلة
لكن من المتوقع أن خروج واشنطن سيفتح الباب للصين أو روسيا لتعبئة الفراغات، ومن غير المستبعد لجوء السعودية لإحداهما، أو حتى لغيرهما، أملاً في حماية نفسها.