تحديات الاقتصاد السعودي: خفض تقييمات الصندوق السيادي وتراجع أداء سوق الأسهم

في خطوة لافتة، أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي عن خفض قيمة استثماراته في المشروعات العملاقة داخل المملكة بمقدار 8 مليارات دولار، لتتراجع من 64 مليار دولار في 2023 إلى 56 مليار دولار بنهاية 2024، أي بانخفاض نسبته 12.4%.

هذا التخفيض طال أبرز مشاريع “رؤية 2030″، وعلى رأسها مشروع نيوم الذي قُدرت تكلفته الإجمالية بـ500 مليار دولار. وأرجع الصندوق هذه المراجعة إلى تغيرات في الخطط التشغيلية، وأوضاع اقتصادية عالمية مضطربة، وارتفاع التكاليف المقررة.

وتكشف هذه التطورات هشاشة النموذج الاستثماري المعتمد على مشروعات ضخمة وطموحات عالية الكلفة، في وقت تتعرض فيه إيرادات الدولة لضغوط من تراجع أسعار النفط، ما يدفع الحكومة إلى إعادة تقييم أولويات الإنفاق.

نيوم: حلم ضخم يواجه واقعًا معقدًا

مشروع نيوم، الذي رُوّج له كمدينة مستقبلية خطية على ساحل البحر الأحمر، يواجه تحديات هائلة تشمل التأخير في التنفيذ وصعوبات لوجستية وهندسية، نتيجة حجم المشروع الضخم وموقعه النائي.

وبحسب مسؤولين سعوديين، فإن أجزاء من المشروع ستُنفذ على مراحل أو تُقلّص، ما يعكس فجوة بين الطموحات والقدرات الواقعية، ويثير تساؤلات حول الجدوى الاقتصادية في ظل التقلبات المالية العالمية والاعتماد المستمر على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات.

الاعتماد المفرط على النفط: مأزق بنيوي

رغم تحقيق نمو قوي في بعض القطاعات غير النفطية خلال السنوات الأخيرة، ما زالت المملكة تعتمد على النفط لتأمين أكثر من 60% من إيراداتها.

ومع انخفاض أسعار الخام، تراجعت قيمة أسهم أرامكو بنسبة 14.3% منذ بداية 2024، كما خفضت الشركة توزيعات الأرباح، ما أثر مباشرة على عوائد الصندوق السيادي الذي يمتلك حصة 16% منها.

كما تراجعت متوسط العوائد السنوية للصندوق إلى 7.2% في 2024، مقارنة بـ8.7% في العام السابق، فيما هبط صافي أرباحه بنسبة 60% متأثرًا بارتفاع أسعار الفائدة والتضخم وانخفاض قيمة بعض الأصول.

تراجع الاستثمار الخارجي والتركيز على الداخل

خلال 2024، خفّض الصندوق حصته من الاستثمارات الدولية إلى 17% من المحفظة، مقابل 20% في العام السابق، مع إعادة جزء من الأصول الأجنبية إلى الداخل.

وتقلل هذه السياسة، رغم دعمها للمشاريع المحلية، من تنويع المخاطر وتزيد من تعرض الاقتصاد للصدمات المحلية والإقليمية.

بورصة السعودية: طموحات عالمية تصطدم بواقع السوق

في موازاة ذلك، تسعى المملكة لجعل سوق الأسهم السعودية “تداول” ضمن أكبر 10 بورصات في العالم. لكن الأداء الفعلي يناقض هذه الطموحات، إذ تراجع المؤشر العام بأكثر من 9% منذ بداية العام، في واحد من أسوأ الأداءات العالمية، رغم نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 4.9% في الربع الأول من 2025.

التناقض بين قوة الاقتصاد الحقيقي وضعف أداء السوق يعود إلى مشكلات هيكلية، أبرزها:

ضعف حوكمة الشركات ومعايير الإفصاح، ما يثير قلق المستثمرين الدوليين.

سيطرة قطاعات البنوك والطاقة والمواد الأساسية على ثلثي وزن المؤشر، مع غياب عمق في قطاعات النمو المستقبلية كالتكنولوجيا والسياحة.

قيود على التذبذب السعري تحد من ديناميكية السوق وتجعلها أقل جذبًا للمستثمرين العالميين.

ضعف ثقة المستثمرين الأجانب

رغم نشاط الطروحات الأولية، التي جمعت 2.8 مليار دولار في النصف الأول من 2025، إلا أن الثقة تتراجع، مع انخفاض متوسط العائد بعد الطرح من 27% في 2024 إلى 4% فقط، وتداول العديد من الأسهم الجديدة دون سعر الطرح.

كما تباطأ النشاط التداولي، حيث انخفضت إيرادات مجموعة تداول بنسبة 13% على أساس سنوي في الربع الأول، وتراجع متوسط أحجام التداول اليومية بمقدار الثلث. هذه المؤشرات تعكس تآكل ثقة المستثمرين، وهو ما لا تعالجه الأموال الأجنبية وحدها دون إصلاحات هيكلية.

تحديات الحوكمة والإفصاح

تعاني البيئة الاستثمارية السعودية من قصور في الشفافية، حيث يُسمح للشركات بنشر الحد الأدنى من الإفصاحات، فيما تظل عمليات الرقابة على التداول قائمة على إجراءات لا تزال في طور التطوير لتواكب المعايير العالمية.

تحسين الحوكمة ورفع مستوى الإفصاح من شأنه تعزيز ثقة المستثمرين، لكنه يتطلب إصلاحات مؤسسية جريئة تتجاوز الإجراءات الشكلية إلى إرساء ثقافة شفافية ومساءلة.

المخاطر المستقبلية: ما بين الطموح والواقعية

“رؤية 2030” وضعت أهدافًا طموحة لتحويل السعودية إلى قوة اقتصادية عالمية متنوعة الموارد، لكن التحديات الراهنة — من انخفاض أسعار النفط، وتراجع تقييمات المشاريع العملاقة، وأداء السوق الضعيف، وثغرات الحوكمة — تشير إلى فجوة بين الرؤية والتنفيذ.

من دون معالجة هذه الثغرات، قد تتحول مشاريع الصندوق السيادي وسوق الأسهم إلى مؤشرات ضعف اقتصادي بدلًا من أن تكون أدوات جذب للاستثمار، خاصة في بيئة مالية عالمية تنافسية.

وفي الخلاصة فإن الاقتصاد السعودي يقف أمام مفترق طرق: إما المضي في مسار إصلاحات هيكلية شاملة تعزز الشفافية، وت diversify الاقتصاد، وتعيد الثقة للمستثمرين، أو مواجهة مخاطر تباطؤ التحول الاقتصادي وفقدان الزخم الاستثماري.

ويرى مراقبون أن خفض تقييمات الصندوق السيادي وتراجع أداء سوق الأسهم هما إنذار مبكر بضرورة التحرك السريع، قبل أن تتفاقم التحديات وتؤثر على قدرة المملكة على تحقيق أهدافها الطموحة في أفق 2030.