محمد بن سلمان يقاوم خطط الإمارات لتحجيم نفوذه
تظهر الوقائع المتتابعة والتوجهات الجديدة لسياسات السعودية أن ولي العهد محمد بن سلمان بدأ يقاوم خطط دولة الإمارات لتحجيم نفوذه داخليا وإقليميا.
وبين التقرب من تركيا ومحاولة إنهاء الخلاف مع قطر، يظهر بن سلمان وكأنه يغرد أخيرا خارج سرب تحالفه القديم مع الإمارات الذي ورطه في سلسلة أزمات.
وظهرت الإمارات في دور المنافس القوي للسعودي على قيادة المنطقة واتخاذ خطوات تحاول فيها تحجيم النفوذ السعودي بما في ذلك حرب اليمن والملفات الإقليمية.
و خطط الإمارات التي ساهمت في صعود بن سلمان، تعمل الآن على تحجيمه ودفعه للإقرار بتوازن جديد، يضع أبو ظبي في موقع متساو، إن لم يكن في الموقع القيادي بين الطرفين.
وهذا ما يفسر بوضوح الإشارات المتضاربة التي يطلقها بن سلمان منذ فترة باتجاه تركيا والتي تشير مرة إلى استمرار التوتر، ومرة إلى إمكانيات التقارب.
يضاف إلى ذلك تجاوب بن سلمان مع المفاوضات التي يجريها جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ما يخص المصالحة الخليجية وإنهاء الخلاف مع قطر.
وكانت خطط الإمارات قدمت دعما للاتجاه السياسي الذي بدأ بن سلمان، يتبناه منذ صعوده السريع كوزير للدفاع وولي عهد ثان، وصولا إلى تنصيبه وليا للعهد وتمكنه من السيطرة على مقدرات المملكة السياسية والعسكرية والأمنية والمالية في المملكة.
وهذه العلاقة أدت إلى تحالف قوي فيما يتعلق بمجمل السياسات العالمية والإقليمية، بدءا من دخول أبو ظبي في “التحالف” العسكري للتدخل في اليمن، ومرورا بحصار قطر، ودعم الثورات المضادة العربية وليس انتهاء بالموقف من صفقة القرن وخطوات التطبيع الجارية بوتيرة محمومة مع إسرائيل.
غير أن العلاقة الخاصة بين الإمارات ومحمد بن سلمان تعرضت لتوترات عديدة، لا تتعلق بطريقة رؤية ولي العهد السعودي وأبوظبي للقضايا الإقليمية، بل كان للخلافات المضمرة نصيب أيضا فيما يتعلق بالقضايا الداخلية.
وكان لافتا، في هذا السياق، تصريح في تموز/يوليو 2019 لمحمد بن راشد نائب رئيس الإمارات، وحاكم إمارة دبي عن أن “وظيفة السياسي تسهيل حياة الشعوب وحل الأزمات بدل افتعالها”.
وكما جرى حين طالب بالتوقف عن أسلوب الشتم والتشهير التي يتبعها “الذباب الالكتروني” الخليجي على وسائل التواصل.
ومؤخرا كشفت وثيقة سرية صادرة عن وزارة الخارجية الإماراتية، وتصف محمد بن سلمان بأنه شخص سلطوي ومتهور وفاشل، وقد أقحم المملكة في أزمات خليجية ودولية واقتصادية.
وأفصح عن وثيقة سرية ضمن تقييم يحمل اسم “سري للغاية”، تحت عنوان “تقرير بشأن حصاد عامين من عهد الأمير محمد بن سلمان في السعودية”.
وبحسب صحيفة “الأخبار” اللبنانية، فإن الوثيقة شارك في إعدادها وحدة في وزارة الخارجية الإماراتية تحمل اسم “وحدة الدراسات الخليجية”، ويحمل تاريخ أغسطس/آب 2019.
والوثيقة في الأصل مُوجّهة من “محمد محمود آل خاجة”، مدير مكتب وزير الخارجية إلى مكتب وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، إلا أنه في الرسالة التي تُقدّم التقرير يَرِد أن وزير الخارجية “عبد الله بن زايد” وَجّه بإحالة الموضوع على “قرقاش”، وبأن يرسل الأخير التقرير إلى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
وتعتمد الوثيقة على معلومات تم جمعها من داخل المملكة عن “بن سلمان” والدائرة المحيطة به والسياسات غير المعلنة، عبر جملة طرق بينها تسخير مصادر سعودية.
هناك أسباب قديمة وحديثة للخلاف بين البلدين، غير أن التوترات الجديدة تقوم على محاولة أبو ظبي إجراء تعديلات مستمرة على توازن القوى السابق، الذي كان يعطي الرياض رجحانا كبيرا.
فالواضح أن القيادة الحالية للإمارات باتت تشعر بأنها صارت أقرب إلى مركز القيادة في العلاقة منها إلى موقع التابع، وهو أمر يدفعها إليه عامل تزايد قوتها العسكرية والأمنية، والذي انضاف إليه مؤخرا، العمل على تأكيد “علاقة خاصة” مع إسرائيل، بحيث تكون أبو ظبي الوكيل الجديد، وإن لم يكن الحصري، لتل أبيب في الخليج، وربما في أقاليم ومناطق أخرى.
تبدي الإمارات أشكالا عديدة من التنافس مع السعودية والخلاف معها، فبعد إعلان انسحابها من اليمن (مع الاستمرار بلعب دور خاص بها هناك وتوقيعها مع إيران اتفاقية تفاهم “أمن الحدود البحرية” وفيما تتحدث الجوقة الخليجية عن “مواجهة التمدد الإيراني” بقيت أبو ظبي الشريك التجاري الأول لطهران في المنطقة.
لم تعد الإمارات تقبل، على ما يظهر، أن تكون الثاني في السباق، وبدلا من الحديث عن “الظلم” الذي لحق بها في اتفاقية جدة، 1974، فيما يخص حقل الشيبة، بل إنها تنافس الرياض على قضايا كانت حكرا عليها، كالقضايا الإسلامية.