مجلة أميركية: مقامرة آل سعود بالضرائب ينذر بخطر داخلي قادم
اعتبرت مجلة أميركية فرض سلطات آل سعود سلسلة من الإجراءات الحكومية القاسية عبر تصعيد الضرائب ضد مواطني المملكة ينذر بخطر داخلي قادم. وتوقعت أن هذا الأمر “سيعرض النظام الاستبدادي لثورة أو مقاومة”.
وللمرة الأولى، أقرت وزارة المالية في المملكة، مايو/ أيار المنصرم، إجراءات وصفتها بـ “المؤلمة” لإنقاذ الموازنة العامة من العجز الكبير. وشملت هذه الإجراءات زيادة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بدءا من الأول من يوليو/تموز، ووقف صرف بدل غلاء المعيشة اعتبارا من يونيو/حزيران الجاري.
وفاجأت الهيئة العامة للجمارك في المملكة، السعوديين، بنشرها قائمة بالسلع المقرر رفع الرسوم الجمركية عليها، اعتبارا من العاشر من الشهر الجاري.
واستدلت مجلة “ذي أتلانتك” بأزمة حظر تصدير النفط بعد حرب عام 1973، وظهرت وقتها صور الطوابير الطويلة أمام محطات الوقود في أنحاء الولايات المتحدة، بعدما فرضت الدول العربية آنذاك حظرا لتصدير النفط على الولايات المتحدة لدعمها إسرائيل في الحرب العربية-الإسرائيلية عام 1973.
وتضاعف سعر النفط أربعة أضعاف تقريبا، مما أدى إلى نقص في كميات النفط الأمر الذي ترك أثره السيء على الأمريكيين، بينما ترك هذا الأمر دولا مثل السعودية غنية لدرجة جعلها تقوم بتفكيك الأنظمة الضريبية، ولم يدفع المواطنون السعوديون أية ضريبة في العقود التي تلت.
وذكرت أن الوضع استمر إلى ما قبل العامين الماضيين عندما فرضت الرياض، إلى جانب الأنظمة الاستبدادية النفطية المجاورة، ضريبة القيمة المضافة بقيمة 5 بالمئة على معظم السلع والخدمات.
وقال الكاتب عبد الله فياض في مقاله بذات المجلة إنه بشكل عام لا أحد يحب دفع الضرائب، خاصة الأشخاص الذين لم يدفعوها أبدا، وقد شكا الكثير من مواطني تلك الدول أن الدولة فرضت عبئا ماليا غير ضروري.
ومنذ ذلك الحين، وبفعل الأزمة الاقتصادية التي نجمت عن فيروس كورونا انخفض الطلب على النفط أكثر مما كان عليه، مع هبوط حاد بالأسعار.
وفي مواجهة تفاقم العجز في الميزانية، قرر نظام آل سعود خفض الإنفاق ومضاعفة القيمة الضريبية ثلاثة أضعاف عما فرضته عام 2018، فيما لم تضع الدول المجاورة مثل الإمارات العربية المتحدة، حتى الآن خططا لزيادة الضريبة الخاصة بها.
لكن المملكة ليست وحدها التي سارعت لإيجاد حلول لمعالجة آثار الوباء. ففي جميع أنحاء العالم تقترح الدول ضرائب جديدة أو توسيع شبكة الأمان الاجتماعية في محاولة للتخفيف من الضغوط المالية الأسوأ على المواطنين.
وفي الوقت الذي يأمل فيه المسؤولون أن تكون العديد من هذه الإجراءات مؤقتة، ويبدو أنها تعول على تعاف اقتصادي قصير المدى فقط، إلا أن الضرائب الجديدة قد تتحول إلى سياسات طويلة المدى تشكل تغييرا في توقعات المواطنين من حكومتهم، مما قد يطلق العنان لتحولات جيوسياسية رئيسية ستظهر في العقود القادمة.
وفي حالة السعودية، يعتبر معدل الضريبة الجديد وإجراءات التقشف استجابة مناسبة على ما يبدو لدولة تعتمد بشكل حصري على قطاع واحد (النفط) لتمويل نفقات الحكومة.
وسبق أن تحدث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عن انفتاح بلاده على استثمارات دولية أكبر وتنويع الاقتصاد، فضلا عن ترويج صورة أكثر علمانية لها إلى العالم الخارجي. وتعرقلت هذه الجهود عندما انسحب المستثمرون الأجانب بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي الذي كان مقيما في الولايات المتحدة.
إلا أن نظام آل سعود، استبدادي كبير، قاوم تاريخيا فرض الضرائب على مواطنيه لسبب: أن الضرائب تدفع الناس لطلب المزيد من حكوماتهم، ويمكن أن تكون في كثير من الأحيان حافزا للديموقراطية. ونقل عن سفين ستينمو البروفيسور في جامعة كولورادو قوله إن “الضرائب تلعب دورا عميقا في صعود الديموقراطية”.
وأضاف فياض أن الضرائب وجدت فعليا مع وجود الحكومات، فالأولى ضرورية لتمويل الأخيرة. لكن وبحسب وولفجانج شون مدير معهد ماكس بلانك لقانون الضرائب والمالية العامة فإن “الأنظمة الضريبية في حالة السعودية جديدة نسبيا وغير شائعة”.
وبفضل الأرباح من الموارد الطبيعية، تمكنت المملكة ودول خليجية أخرى من بناء حكومات كبيرة ذات صناديق رعاية اجتماعية ضخمة دون أن تطالب المواطنين بالدفع.
ولكن عندما “تفرض الضرائب بدون أي فائدة مباشرة للمواطن”، فإن “الناس سيطالبون بتقاسم الأعباء وبانضباط في الميزانية على قدم المساواة، وذلك يحدث أيضا في البلدان الديموقراطية”.
والتاريخ العالمي مليء بأمثلة على أنظمة ضريبية قادت إلى اضطراب سياسي. فالثورة الأمريكية اشتهرت بصرخة الحشد “لا ضرائب بدون تمثيل”. أما الثورة الفرنسية فقد كان سببها النظام الضريبي الرجعي، إلى جانب اتساع التفاوت الاقتصادي، مما أدى لاستياء شعبي ضد الأرستقراطية. وحتى وثيقة ماغنا كارتا، وهي وثيقة أساسية في تطور الديموقراطية الغربية، قد وافق عليها ملك بريطانيا جون بعد تمرد الناس ضد الحروب والضرائب.
لكن في أحيان أخرى ليست الضرائب التي عادة ما تسبب الانتفاضات. فعندما يتم إلغاء الإعانات الطويلة (الضرائب السلبية) تزداد الأسعار. وهذا لوحده كاف لاندلاع ثورات قوية. فعندما توقف دعم الوقود عام 2007 في ميانمار أو بورما على سبيل المثال اشتعلت ثورة الزعفران.
وعندما حد السودان من دعم القمح والوقود عام 2018، الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الخبز قاد ذلك إلى حركة احتجاجية أطاحت في نهاية المطاف بديكتاتورها عمر البشير.
وفي النهاية لا تؤدي الثورات الضريبية دائما إلى الديموقراطية، وعلى الرغم من مساهمة الناشطين في ميانمار بفتح البلاد بعد ذلك بسنوات، إلا أن عملهم لم يؤد لديمقرطة الدولة بشكل كامل. وحتى إندونيسيا، التي شهدت نتيجة مماثلة لكن أكثر نجاحا عندما رفعت الحكومة أسعار الغاز عام 1988، واستمر النضال من أجل التصنيف الديموقراطي على الرغم من إجراء انتخابات حرة ونزيهة الآن.
وعلق الكاتب أن الضرائب المباشرة قد تترك تأثيرا مختلفا، ففي الوقت الذي يؤدي فيه رفع المعونات إلى ضجة كبيرة، فإن الضرائب الإيجابية، خاصة عندما تكون دائمة، تشكل تذكيرا لا مفر منه للمواطنين بضرورة أن يكون لهم رأي في طريقة حكمهم.
ومع أن الخطة الضريبية الجديدة في السعودية قد لا تؤدي إلى سلسلة من الأحداث التي تقود إلى الديموقراطية في شبه الجزيرة العربية، إلا أنها قد تحمل تأثيرا سياسيا كبيرا.
ونقل الكاتب عن جيم كرين الخبير في الجغرافيا السياسية للطاقة في معهد بيكر بجامعة رايس، أنه عندما يدفع المواطنون الضرائب فإنهم يميلون إلى الاهتمام بالتأثير، أو حتى تحديد، كيفية إنفاق تلك الأموال. وقال أيضا “إنها تشجع على المشاركة، وبالتالي فهي تحد من استقلالية الحكومة”.
وسبب ذلك، أن الضرائب تجعل الحكومة مسؤولة أمام من يدفعون لها المال.
والديموقراطية هي الطريقة الوحيدة التي تجعل دافع الضريبة يخبر ممثله أنه يدعم الحكومة أم لا. وتظل وسيلة من وسائل محاسبة من هم في الحكم، فالنظام قد يلجأ لتلبية مطالب المواطنين حتى وإن لم يكن لديه مؤسسات ديموقراطية، لأنه يعرف أن انفصامه عن مطالب المواطنين يجعله عرضة للمشاكل كما يقول ستينمو، مؤلف كتاب “الضريبة والديمقراطية”. وعليه تشعر تلك الحكومات أنها بحاجة لتقديم تنازلات قليلة.
والصين هي حالة دراسة لذلك، فهي لا تزال تأخذ بعين الاعتبار المشاعر العامة وتسمح للمواطنين بالحراك الاجتماعي وتحسن من أوضاعهم المعيشية. ويعلق كرين أن الصين لديها نوع مختلف من العقد الاجتماعي تظل فيه الدولة في السلطة بناء على إدارة الاقتصاد.
أما العقد الاجتماعي في السعودية فهو باتجاه واحد، حيث ظلت الأموال تتدفق من الحكومة إلى المواطنين، حتى العامين الماضيين. ولأن هذا تغير في فترة زمنية قصيرة فمن الصعب التكهن بالطريقة التي سيؤثر فيها على العلاقة بين المواطنين والحكام.
وعليه، فالتنازلات من نظام آل سعود قد يأتي على شكل توفير حريات اجتماعية مثلما تفعل الآن من فتح الباب أمام المرأة لقيادة السيارة والمشاركة في الانتخابات المحلية.
ولا تتعامل المملكة وغيرها من الدول مع الأزمة الصحية العالمية والانهيار الاقتصادي المرافق لها، بل مع القيود المفروضة على اقتصاداتها، مما يعني أن تخلف سياساتها مثل ارتفاع الضريبة وإجراءات التقشف آثارا.
وعندما تتلاعب الحكومة بالعقد الاجتماعي بدون تشاور مع المواطنين وتطلب منهم مزيدا من المال فهذا قد يقود إلى تذمر ومقاومة أو ثورة.