خسائر قاسية لشركات “البتروكيماويات” في المملكة هذا العام

تكبدت شركات البتروكيماويات في المملكة المدرجة في البورصة المحلية خسائر قياسية خلال النصف الأول من 2019 دفعت بتراجع أرباحها بنسبة 56%، إلى 8.3 مليارات ريال (2.2 مليار دولار).
كانت شركات البتروكيماويات السعودية المدرجة ضمن البورصة (13 شركة)، سجلت صافي أرباح بلغت 18.9 مليار ريال (5 مليارات دولار) في الفترة المناظرة من 2018.
استنادًا إلى إفصاحات الشركات على موقع البورصة، استحوذت شركة سابك، أكبر شركات البورصة وقطاع البتروكيماويات، على 66.5% من أرباح القطاع خلال الفترة المذكورة.
تراجعت الأرباح الصافية لـسابك السعودية، أكبر شركة بتروكيماويات في الشرق الأوسط، بنسبة 54.85% على أساس سنوي، خلال النصف الأول 2019.
بحسب إفصاح الشركة للبورصة المحلية، بلغ صافي أرباح سابك 5.5 مليارات ريال (1.47 مليار دولار)، مقارنة مع 12.2 مليار ريال (3.25 مليارات دولار)، في الفترة المناظرة من 2018.
وتراجع صافي أرباح الشركة السعودية للصناعات الأساسية “سابك”، بنسبة 68.4% على أساس سنوي خلال الربع الثاني من عام 2019.
وفقًا للبيانات المالية المنشورة على موقع بورصة المملكة، تراجعت أرباح “سابك”، بما يزيد عن الثلثين، لتبلغ 2.12 مليار ريال (566 مليون دولار)، انخفاضًا من 6.7 مليار ريال (1.79 مليار دولار) في الفترة المماثلة من عام 2018، وهو أدنى مستوى للأرباح منذ عام 2009.
استحوذت شركة ينساب ثاني أكبر شركة في القطاع من حيث الأرباح، المملوكة من شركة سابك بنسبة 51%، على 8.5% من الأرباح الإجمالية لشركات البتروكيماويات في النصف الأول 2019، بقيمة 707 ريال (188 مليون دولار).
و”سابك”، هي أكبر شركة بتروكيماويات في الشرق الأوسط، والرابعة عالميًا. في 27 مارس/آذار الماضي أعلن عملاق النفط السعودي “أرامكو”، إتمام صفقة استحواذ على 70% من سابك، مقابل259.125 مليار ريال (69.1 مليار دولار).
جاء استحواذ أرامكو على 70% منها، ضمن استراتيجية أرامكو لطرح 5% من أسهمها بأسواق المال، والتي تأجلت حتى إتمام هذه الصفقة، ومرور عام عليها حتى يظهر أثرها على ميزانية عملاق النفط العالمي.
في هذه الأثناء تتزايد العقبات والصعوبات الطرح الأولي لـ”أرامكو” بحيث ربما يصبح أكبر أصول الشركة عبئاً عليها، فاحتياطيات النفط الهائلة التي تملكها الشركة ويمكنها أن تحافظ على مستويات الإنتاج الحالية على مدار السنوات الخمسين المقبلة تعرّضها أكثر من أي شركة أخرى لتأثيرات المد المتصاعد لتيار الدفاع عن البيئة ومطالب التخلي عن أنواع الوقود الأحفوري.
وفي السنوات الثلاث التي انقضت منذ اقترح محمد بن سلمان قيد أسهم الشركة في البورصة مال بعض المستثمرين لاسيما في أوروبا والولايات المتحدة للنأي بأنفسهم عن قطاع النفط والغاز بسبب التغير المناخي والتكنولوجيات الجديدة الصديقة للبيئة.
وتشير بعض التقديرات إلى أن الاستثمارات المستدامة تمثل أكثر من ربع كل الأصول المدارة على المستوى العالمي.
وتجادل أرامكو من جانبها بأن النفط والغاز سيظلان محورا أساسيا في مزيج الطاقة لعشرات السنين، وتقول إن مصادر الطاقة المتجددة والنووية لا يمكن أن تلبي الطلب العالمي المتزايد وإن إنتاجها من النفط الخام يطلق قدرا أقل من الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري مقارنة بمنافسيها.
إلا أنه في ضوء تواصل الشركة من جديد مع البنوك لبحث طرح أولي عام، يقول بعض المستثمرين والمحامين إن فرصة تنفيذ عملية البيع بسعر مغر بدأت تتقلص وإن أرامكو سيتعين عليها أن تشرح للمساهمين المحتملين كيف تنوي تحقيق الربح في عالم يسعى لتقليل الانبعاثات الكربونية. وقالت ناتاشا لاندل ميلز المسؤولة عن دمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة في الاستثمار بشركة ساراسين وشركاه لإدارة الأصول في لندن لوكالة “رويترز” إن “أرامكو السعودية اختبار مهم فعلا لما إذا كانت السوق تعمل بجدية على أخذ مخاطر نقلة الطاقة في اعتبارات التسعير”.
وأضافت “كلما تأخر (الطرح الأولي العام) لفترة أطول قلت رغبة السوق في تقبل سعر مغر لأن المستثمرين سيجدون أنفسهم مضطرين تدريجيا لطرح تساؤلات عن مدى قيمة هذه الاحتياطيات في عالم يحاول تقليل الانبعاثات إلى الصفر الصافي بحلول 2050”.
ويصر بن سلمان على تقدير قيمة الشركة بمبلغ تريليوني دولار وذلك رغم أن بعض المصرفيين والمطلعين على بواطن الأمور في الشركة يقولون إن على المملكة أن تقلل القيمة المستهدفة إلى 1.5 تريليون دولار.
ومن المحتمل أن يعوق فارق التقييم أي عملية بيع للأسهم. وسبق أن تحدد للطرح أن يتم في 2017 أو 2018 ثم تغير الموعد إلى 2020-2021 عندما فات الموعد الأول.
وقالت أرامكو إنها جاهزة للطرح الأولي وإن التوقيت ستقرره الحكومة، وأنها تستثمر في أبحاث لصناعة سيارات أكثر كفاءة وتعمل على تكنولوجيات جديدة لاستخدام الهيدروجين في السيارات وتحويل المزيد من الوقود إلى الكيماويات وتجميع ثاني أكسيد الكربون بحيث يمكن إعادة ضخه في المكامن النفطية لتحسين معدلات استخراج النفط.
سيجادل البعض بأن كل هذا لا يكفي، إذ يعمد عدد متزايد من المستثمرين في مختلف أنحاء العالم إلى أخذ الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة في الحسبان عند اتخاذ القرارات وذلك رغم التباين الشديد في الدرجة التي قد يمتنع عندها البعض عن الاستثمار في أرامكو.
فالبعض سيستبعد الشركة من حيث المبدأ بسبب ناتجها الكربوني بينما سيكون آخرون على استعداد للشراء إذا كان السعر رخيصا بما يكفي لترجيح كفة الاستثمار على كفة المخاطر الظاهرة للاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة لاسيما أن شركات النفط توزع في كثير من الأحيان أرباحا وفيرة على المساهمين.
وإذا ما تحددت قيمة الشركة بواقع 1.5 تريليون دولار فستصبح أرامكو أكبر شركة مساهمة مدرجة في البورصات في العالم.
وإذا ما أدرجت في مؤشرات أسهم رئيسية فستشتريها تلقائيا صناديق الاستثمار السلبية التي تتعقب حركة هذه المؤشرات بغض النظر عن مصداقيتها فيما يتعلق بالاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة.
وباعتبار أرامكو أكبر شركات العالم من حيث حجم الأرباح فسيتخاطف أسهمها كثيرون من المستثمرين النشطين.
وقد تجددت المحادثات بشأن بيع الأسهم هذا العام بعد أن اجتذبت أرامكو إقبالا هائلا من المستثمرين على أول إصدار دولي لها من السندات.
وقالت الشركة في نشرة الإصدار إن من المحتمل أن يكون للتغير المناخي أثر مادي سلبي على نشاطها.
وفي أي طرح عام أولي يحتاج المستثمرون المحتملون المزيد من المعلومات عن المخاطر المحتملة والكيفية التي تنوي الشركات التعامل بها معها إذ إن مستثمري الأسهم يكونون أكثر عرضة من حملة السندات للخسارة إذا ما ساءت الأمور في الشركة.
وقال نيك أودونيل الشريك في إدارة الشركات بشركة “بيكر ماكينزي” للاستشارات القانونية “الشركات بحاجة لتقديم الإجابات في النشرة وليس مجرد نشر فقرتين أو ثلاث فقرات تصف فيها المخاطر المحتملة من جراء المشاكل البيئية”.
وأضاف “تحتاج أي شركة للنفط والغاز للتفكير في الكيفية التي ستفسر بها الأمور على مدى السنوات العشرين المقبلة وطرح ذلك في قسم خاص بدلا من إخفائها في طيات النشرة ويتعين عليها أن تستخدمها كوسيلة للبيع. وكذلك بعد استكمال الطرح العام الأولي يتعين أن يتضمن كل تقرير سنوي قسما منفصلا للاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة”.
وعلى خلاف غيرها من شركات النفط الكبرى لا تنشر أرامكو تقريرا منفصلا يوضح كيف تتناول قضايا الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة مثل الممارسات العمالية في حين أنها لا تنشر شيئا عن الانبعاثات الكربونية من المنتجات التي تبيعها.
كما أنها اعتادت أن تتكتم على المسائل المالية الخاصة بها حتى إصدار السندات هذا العام. غير أن الشركة بها إدارة لحماية البيئة وترعى مبادرات هدفها الاستدامة كما أنها عضو مؤسس في مبادرة النفط والغاز المناخية التي تقودها 13 من كبريات شركات الطاقة وتهدف إلى خفض انبعاثات غاز الميثان وهو من الغازات ذات الأثر القوي في الاحتباس الحراري.
وفي 12 أغسطس/آب نشرت أرامكو معلومات عن تأثير مزيجها من إنتاج النفط والغاز للمرة الأولى وكشفت عن حجم غازات الاحتباس الحراري من كل برميل تنتجه.
وقال خالد الدباغ النائب الأعلى للرئيس للمالية والاستراتيجية والتطوير في أرامكو خلال مؤتمر عبر الهاتف هذا الشهر لمناقشة الأرباح إن انبعاثات الشركة الكربونية من عمليات “المنبع” في الاستكشاف والإنتاج هي الأقل بين نظيراتها من الشركات.
وتوصلت دراسة نشرتها مجلة ساينس العلمية العام الماضي إلى أن الانبعاثات الكربونية من إنتاج النفط السعودي تعادل ثاني أقل مستوياتها في العالم بعد الدنمارك وذلك بفضل امتلاك عدد صغير من حقول النفط ذات الإنتاج العالي.