اقتربت خسائر بورصة المملكة من جراء تداعيات انتشار فيروس كورونا القاتل في الصين من 100 مليار دولار، بعد أن واصلت نزيف النقاط خلال تعاملات الأسبوع الماضي، الذي شهد هبوط أغلب القطاعات.
وفقدت الأسهم نحو 195.4 مليار ريال (52.1 مليار دولار)، بعد أن تراجعت القيمة السوقية إلى 8.554 تريليونات ريال (2.28 تريليون دولار) بنهاية الأسبوع، مقارنة مع 8.749 تريليونات ريال في الأسبوع السابق عليه.
وتواصل البورصة خسائرها منذ منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، حيث بدأت أضرار انتشار فيروس كورونا القاتل في الصين تلقي بظلال سلبية على أسعار النفط وأسواق المال العالمية.
وبحسب بيانات بورصة المملكة، خسرت الأسهم نحو 351 مليار ريال منذ منتصف الشهر الماضي، فيما وتراجع المؤشر العام للسوق بنسبة 2.35 في المائة، بنهاية تعاملات الأسبوع الماضي، ليفقد 193.5 نقطة، ليهوي إلى مستوى 8053.09 نقطة.
وانخفض 15 قطاعا، تصدرها الاتصالات بنسبة 3.87 في المائة، بينما ارتفعت 6 قطاعات فقط.
وتضررت أسهم بورصة المملكة بشدة، مع دخول أسعار النفط موجة جديدة من التهاوي منذ انتشار كورونا، فقدت على أثره نحو 20 في المائة. كما سجلت أسهم معظم دول الخليج الأخرى خسائر لكنها لم تتجاوز مجتمعة بضعة مليارات دولارات.
وتسيطر المخاوف على منتجي النفط، خاصة في المملكة، من عودة الأسعار للهاوية وإعادة المشهد إلى عام 2014، حيث بدأت الأسعار بالانهيار لتلامس في 2016 مستوى 27 دولاراً للبرميل.
وسجلت الأسعار انخفاضاً للأسبوع الخامس على التوالي، بختام تعاملات أمس الجمعة، إذ يُحجم المضاربون بسبب تراجع أرقام الاستهلاك والتوقعات بأن الفيروس، الذي أودى بحياة أكثر من 720 شخصاً، سيظل يضغط على الطلب.
وتراجعت أسعار العقود الآجلة لخام برنت إلى نحو 54.47 دولاراً للبرميل عند التسوية، أمس، خاسرة 6.3 في المائة على مدار الأسبوع، ونزلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي إلى 50.32 دولاراً للبرميل، فاقدة 2.4 في المائة.
وأصاب الشلل، الذي سيطر على مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية في الصين، مصافي التكرير بالجمود، ما دفع شركة “سينوبك”، أكبر شركة تكرير هناك، إلى خفض الإنتاج بنحو 12 في المائة لشهر فبراير/شباط الجاري.
وكان حذر صندوق النقد الدولي دول الخليج وفي مقدمتها المملكة من مخاطر فقدان الثروة خلال 15 عاماً مع تراجع الطلب العالمي على النفط وانخفاض الأسعار في ظل الاعتماد شبه الكلي على إيرادات النفط.
وقال الصندوق في دراسة حول “مستقبل النفط والاستدامة المالية” في المنطقة، إنه “في الموقع المالي الحالي، فإنّ ثروة المنطقة المادية قد تستنزف بحلول 2034”.
ولا تملك دول الخليج وفي مقدمتها المملكة التي لطالما اعتمدت بشدة على “الذهب الأسود” الذي كان له الفضل في إثرائها لعقود، أي خيار سوى تسريع وتوسعة الإصلاحات الاقتصادية، تجنباً لأن تصبح مقترضة صافية.
ويضخ مجلس دول التعاون الخليجي خمس إجمالي إمدادات النفط الخام في العالم، ويشكل دخل النفط ما يتراوح بين 70 إلى 90% من الإيرادات العامة.
وجمعت دول الخليج الست استناداً إلى عائدات ضخمة من النفط لعقدين نحو 2.5 ترليون دولار من الأصول المالية التي تم استثمارها في الخارج عبر صناديق الثروة السيادية. ومنذ عام 2014، تسبب انهيار أسعار النفط بخسارة اقتصادات الخليج مئات المليارات من الدولارات.
وعانت دول الخليج بزعامة المملكة أكبر مصدر للنفط بالعالم، من عجز مستمر في الموازنة وتراجع النمو الاقتصادي وتدفق الاستثمارات الأجنبية، ما دفعها إلى اللجوء للاقتراض الداخلي والخارجي.
ونتيجة لذلك، انخفض الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي. بينما قدر صندوق النقد بأنّ نسبة النمو في دول مجلس التعاون كانت 0,7% العام الماضي، مقارنة مع 2% الضئيلة في عام 2018 – بعيداً عن معدلات وصلت إلى أكثر من 4% قبل انهيار النفط.
وذكر صندوق النقد الدولي أنّ سوق الطاقة العالمي، يشهد تغييراً كبيراً مع قيام التقنيات الحديثة بزيادة العرض، بينما دفعت المخاوف المتعلقة بالتغير المناخي العالم إلى الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.
وأكد الصندوق أنّ “هذه التوقعات تمثل تحدياً كبيراً في مجال الاستدامة المالية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي” التي يجب أن تتكيف مع انخفاض الأسعار وتراجع الطلب لفترة طويلة الأجل.
وبحسب التقرير، فإنّ الإرث الناجم عن ارتفاع الإنفاق الحاد في الفترة بين 2007-2014، والتي أعقبها انخفاض حاد في إيرادات النفط والغاز أدى إلى إضعاف المراكز المالية في المنطقة. وأدى العجز الناجم عن ذلك إلى تخفيض صافي الثروات المالية في الفترة بين 2014-2018، بقرابة 300 مليار دولار لتصبح 2 تريليون دولار، بحسب تقديرات صندوق الدولي.
وارتفعت ديون حكومات دول مجلس التعاون الخليجي من قرابة 100 مليار دولار في عام 2014، لتصبح نحو 400 مليار دولار في عام 2018. ويؤكد التقرير أنه نتيجة لذلك فإنّ صافي الثروة المالية في طريقه ليصبح سلبياً بحلول عام 2034 أو حتى قبل ذلك، ما سيؤدي إلى تحول المنطقة إلى الاقتراض.
وأقدمت غالبية دول الخليج على إجراءات لتنويع الاقتصاد وبرامج إصلاحات تضمنت خفض الدعم الحكومي ورفع أسعار الطاقة، وحتى فرض ضريبة القيمة المضافة وضرائب أخرى.
وأكد صندوق النقد أنّ “الإصلاحات الجارية تدفع منطقة دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة في الاتجاه الصحيح، ولكن يجب تسريعها”.
وحذر الصندوق من أنّ تسريع تنويع الاقتصاد لن يكون كافياً، مؤكداً أنّ العملية يجب أن يرافقها خفض في الإنفاق الحكومي، وفرض ضرائب بشكل موسع.
ويتوجب على الدول الخليجية أيضاً ترشيد الإنفاق، وإصلاح قطاعات الخدمة المدنية الكبيرة لديها، وتخفيض فواتير الرواتب العامة التي تعد مرتفعة، وفقاً للمعايير الدولية.
وتتصاعد التحديات أمام اقتصاد المملكة بفعل فشل سياسات نظام آل سعود وفساد رموزه في العام 2020 في ظل التوقعات مع استمرار انخفاض النمو وتفاقم العجز في الميزانية العامة.