كشفت خديجة جنكيز (38 عاما) لأول مرة أنها وجمال خاشقجي (59 عاما) لم يكونا خطيبين فقط، بل كانا قد تزوجا شرعا يوم 16 سبتمبر/أيلول 2018 بحضور عائلتها، ولكنها لم تتحدث عن ذلك من قبل.
ورد ذلك في مقابلة أجراها ألكسندر دويك بصحيفة لوموند الفرنسية (Le Monde) مع خديجة في إسطنبول قال فيها إنه بعد أن استقبلت فريق الصحيفة في صالة صغيرة سرية بفندق ماريوت جلست من عرفها العالم بأنها “خطيبة خاشقجي” وإلى جانبها حارسها الشخصي.
وبدأت الحديث “لم أكن شيئا، لم أكن معروفة مطلقا، وها أنا أحكي لكم قصة حياتي”.
وتقول إحدى قريباتها للصحيفة إن “خديجة في البداية قبلت بتسمية الخطيبة لأنهما لم يتمكنا من تسجيل زواجهما مدنيا، وهي تعتقد اليوم أن الوقت قد حان للتصالح مع كونها ليست خطيبة خاشقجي بل زوجته، خاصة أنه سلم المهر، وقدم نفسه للوالدين وبقية الأسرة، كما وافق والد الفتاة على ذلك”.
“كل ما تبقى هو الزواج المدني، وكان على السعودي أن يثبت أنه مطلق بالفعل في بلده الأصلي، لأن تعدد الزوجات محظور في تركيا، ولذلك طلب هذه الوثيقة التي أتى ليحصل عليها من القنصلية عندما أغلق عليه الفخ القاتل”، كما تابعت القريبة.
ومع أن خديجة -كما يقول الكاتب- كانت تحلم باحتفال فخم بزواجها فقد آثرت البساطة ورضيت باحتفال بسيط بحضور عدد قليل من الأصدقاء والعائلة، في انتظار إضفاء الطابع الرسمي على الزواج المدني المقرر أن يكون في اليومين التاليين لاستلام الوثيقة.
وقال دويك إنه منذ مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 تناضل طالبة الدكتوراه التركية خديجة جنكيز -التي عرفها العالم بأنها خطيبته- من أجل تسليط الضوء على مسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المشتبه به في أنه أمر بقتل زوجها.
وذكّر دويك بأحداث القتل، منذ أن قال خاشقجي لخديجة أمام القنصلية “انتظريني هنا، لن تنتظري طويلا”.
وهناك بقيت خديجة تنتظر لمدة 3 ساعات، سألت الموظفين الذين يغادرون المبنى والشرطة التركية العاملة هناك، وبدأ القلق يتسرب إليها ثم الخوف بعد أن لم تجد أي جواب، فلا أحد يعرف شيئا ولم ير أحد شيئا، والقنصلية تغلق أبوابها.
بعد ساعة، سألت موظفا سعوديا وهو يخرج من المكان موضحة له من هي، فأدركت من شحوبه “أن شيئا سيئا قد حدث”، وعندها اتصلت فورا بسارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش الأميركية غير الحكومية، والتي كان خاشقجي قد أوصاها بها في حالة القلق الشديد.
تتذكر ويتسن أنها أوصتها بأن تبقى في مكانها، وأن تتصل بالشرطة، وهذا ما فعلته، قبل أن تعود وحيدة إلى منزلها وهي تحمل قلقها وتتخيل كل شيء إلا ما علمته لاحقا من قتل زوجها وتقطيع جثته التي لم يتم العثور عليها أبدا.
ويورد تقرير الصحيفة أنه في مايو/أيار 2018 كان خاشقجي أحد ضيوف مؤتمر دولي عن الشرق الأوسط، وقد حضرت خديجة المؤتمر، وهي صحفية وباحثة وطالبة دكتوراه في العلوم السياسية.
تتحدث خديجة العربية بطلاقة وتحلم بمقابلة الرجل الذي عرفته من خلال مقالاته وأعجبت بأفكاره وتحليلاته، خاصة فيما يتعلق بـ”الربيع العربي”.
تحدثت خديجة مع خاشقجي أثناء الاستراحة وهي لا تعلم أنه مهتم بها، والباقي حدث مثل الكثير من قصص الحب، وبسرعة قررا الاستقرار في إسطنبول والزواج، خاصة أن جمال مطلق وأب لـ4 أبناء.
ومع أن والدي خديجة لم ينظرا بإيجابية إلى زواجها من هذا الأجنبي الأكبر سنا من والدتها والذي يعيش نصف الوقت في واشنطن فقد رضيا بالموضوع، وحتى لو رفضا فإن خديجة كانت ستفعل ما تراه، لأنها “شخصية قوية” كما تقول مقررة الأمم المتحدة الخاصة أنييس كالامار التي أصبحت صديقتها أثناء تحقيقها في وفاة خاشقجي.
عندما يتم تشغيل ساعة خاشقجي الذكية تظهر على الشاشة صورتهما وهما يبتسمان، هذا ما بقي لخديجة من قصتها، مع صور ورسالة صوتية وكلمات مكتوبة وعقد وأقراط كهدايا زفاف “لقد كان شخصا لطيفا وجميلا، كان حبيبي وخطيبي ومستشاري وصديقي وأخي” كما تنقل لوموند عنها.
بإمكان خديجة أن تتكلم لساعات عن قصتهما، وكيف تنزها على طول مضيق البوسفور، وكيف تحدثا نفس اللغة، وعن قوله لها “أنت أول امرأة أشعر بالراحة حقا معها”، وكيف كان يكمل الجملة التي تبدؤها، وكيف ذهب كل هذا في لحظة.
انتهى الأمر بالسلطات السعودية بالاعتراف بجريمة القتل، وتبعتها محاكمة صورية بعد أن حاصرتها أجهزة الأمن التركية التي سجلت آخر دقائق خاشقجي في القنصلية، وقد استمعت خديجة إلى هذه التسجيلات وفكرت في الانتحار عدة مرات بحسب أحد أقاربها، لكنها فضلت أن تعرف كل شيء وأن تناضل.
هربت خديجة من إسطنبول التي شهدت مقتل حبها بطريقة فظيعة، لكنها عادت إليها بعد سنة قضتها في لندن، لتقول إن “إسطنبول تعني كل شيء بالنسبة لي”، قبل أن تضيف “لدي كل هذا الحزن في داخلي، هذه جريمة لا يمكن تصورها، لا يمكنني تفصيل جميع التغييرات التي حدثت في حياتي منذ 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018”.
وتورد الصحيفة الفرنسية أن خديجة -التي ترملت قبل زواجها رسميا- أصبحت الوريث غير الرسمي لجمال خاشقجي، لأن الشخص الوحيد الذي يمكن أن يكون الوريث موجود في الرياض، وهو الابن الأكبر للصحفي وقد استقبله بن سلمان المشتبه في كونه المحرض الحقيقي على اغتيال أبيه، وأجبره بصورة مهينة على التنازل عن أي ملاحقة تتعلق بمقتله كما يقول الكاتب.
وبقيت خديجة في قلب الصراع، وهي تتحدث بطلاقة إلى قناة الجزيرة أو “سي إن إن” أو التلفزيون السويدي باللغة الإنجليزية، يقول عنها المخرج الأميركي بريان فوغل إنها “في وقت قصير تعلمت اللغة الإنجليزية، وطورت فهمها للعقليات الغربية، وأصبحت ناشطة قوية ومناضلة في مجال حقوق الإنسان، ومحاربة لا تعرف الخوف وتريد العدالة، إنها قوية ومرحة وذكية”.
تحدثت خديجة إلى البرلمان الأوروبي وأعضاء الكونغرس في واشنطن، وتحدثت في حفل تكريم بلندن، وتحلم يوما ما بتأسيس مؤسسة جمال خاشقجي، وهي -كما تقول كالامار- “رغم الصدمة الشديدة تحمل هذه القصة”، وستفعل كل ما يلزم لحماية كرامتها وكرامة جمال.