شكك خبراء في الإصلاحات الأخيرة على نظام الكفيل التي أعلنت عنها سلطات آل سعود لإنهاء معاناة العمالة الوافدة في البلاد لوجود عدة عقبات.
واستعرض خبراء في تقرير نشرته “دويتشه فييله” هذه العقبات، والتي جاء على رأسها الوضع القانوني لهؤلاء العمال الذين يخضعون لسلطة رب العمل، ولذلك فإنهم عرضة لسوء المعاملة والاستغلال.
ويشكل العمال الأجانب حوالي ثلث سكان السعودية، البالغ عددهم 34 مليونا بحسب تقديرات رسمية وأخرى صادرة عن خبراء.
ونظام الكفالة في السعودية هو الأكثر تقييدا في منطقة الخليج، وكثير من المنظمات الحقوقية وتلك التي تدافع عن حقوق العمال ترى فيه شكلا من أشكال العبودية الحديثة.
إلى أن بدأ الأمل يلوح في الأفق هذا الأسبوع، عندما أعلن مسؤولون عن إصلاحات، قد تسمح لقرابة 8 ملايين من العمال المهرة وشبه المهرة بتقرير مصيرهم والخروج من البلد أو تغيير الكفيل، دون موافقة الكفيل الأول.
ويقول “لطيف” (تم تغيير الاسم)، وهو موظف باكستاني في مجال تقنيات المعلومات قدم إلى السعودية قبل 7 سنوات، إنه سعيد بهذه التغييرات التي تريد السلطات هنا القيام بها، “إنه أمر كان يجب أن يحصل منذ وقت طويل… إنهم يخففون الآن بعض القواعد، وهذا أمر سيساعد حتما”.
ولكن هناك من العمال من يشعر بالتشاؤم والقلق لأن التفاصيل الرئيسية لا تزال مبهمة، إضافة إلى أن 3.7 ملايين عامل من الفئات الأضعف، ومنهم العاملون في الخدمة المنزلية والسائقون والمزارعون وعمال البستنة والحراس، كل هؤلاء تم استثناؤهم من الإصلاحات.
“إنهم الأكثر عرضة للعمل الجبري”، كما تقول “روتنا بيجم”، الباحثة لدى منظمة “هيومن رايتس ووتش”، وتضيف: “قمنا بتوثيق حالات لتعرض العاملات في المنازل للاحتجاز لساعات طويلة في منازل أصحاب العمل، وصودرت جوازات السفر الخاصة بهم، كما أجبرن على العمل لساعات طويلة بدون استراحة أو إجازة. وتعرضن أيضا لأشكال محددة جدا من الإساءات، الجسدية منها والجنسية”.
ورغم ترويج وسائل إعلام محلية وإقليمية بأن هذه الإصلاحات تعتبر خطوة مهمة لإنهاء نظام الكفالة إلا أن هناك خبراء كثر ممن يشككون في الخطوة، ويرون فيها مجرد عملية تجميلية لتحسين صورة المملكة، التي تستعد لاحتضان قمة العشرين في وقت لاحق من هذا الشهر.
إذ يبرز خبراء أن العمال المشمولون بهذه التغييرات، كالعاملين في مجال البناء أو البيع بالتجزئة وكذلك في تقنية المعلومات، لن يكونوا بحاجة لموافقة رب العمل كي يغادروا السعودية، وهي النقطة التي ينظر إليها على أنها الأكثر سوءا في نظام العمل، ولكن يجب عليهم تقديم طلب للسلطات، والتي يمكن أن ترفض خروجهم إذا كانت في ذمتهم ديون أو غرامات.
انتقال هؤلاء العمال للعمل عند كفيل آخر سيكون متاحا لهم في نهاية العقد، دون الحاجة لموافقة الكفيل الأول، بشرط أن يخطروه بذلك وأن يلتزموا بـ”إجراءات معينة” لم يتم تحديدها بعد. هناك تفاصيل غيرها مازالت غير واضحة، كطول فترة الإخطار.
وأشارت مصادر إعلامية إلى أنه يجب على العامل الوافد إكمال عام واحد على الأقل قبل السماح له بالانتقال.
“هذا إصلاح بشق الأنفس، لأن المسألة الأساسية هي أن العمال مقيدون أمام رب العمل، ويمكن أن يتعرضوا لسوء المعاملة خلال فترة التعاقد”، كما تقول الباحثة “بيجم”.
وبينما تأنّى البعض من أجل الحصول على تفاصيل إضافية حول هذه التغييرات، حملت الكثير من تعليقات العمال الوافدين تشكيكا في كونها إصلاحات حقيقية، كما ظهر على مجموعات خاصة بهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويمكن أن تكون هذه الشكوك نابعة من تجارب سابقة مع إجراءات تم الإعلان عنها خلال السنوات الأخيرة، كنظام التأكد من حصول العمال على أجورهم وأيضا عمليات “التسوية الودية” لخلافات العمل. فشلت هذه الإصلاحات بسبب عدم التنفيذ، وفقا لهيئة مراقبة حقوق المهاجرين.
ويأمل المسؤولون السعوديون أن تؤدي هذه الإصلاحات لرفع مستوى المنافسة في سوق العمل، ورفع الأجور لتصبح أكثر جاذبية للعمالة السعودية، لأن المملكة تخطط، على المدى البعيد، لتخفيف اعتماد اقتصادها على النفط والتصدي لمشكلة البطالة المتزايدة. ولكن هذه الخطط تلقى مقاومة من بعض القطاعات.
ويرى مدير بعثة المنظمة الدولية للهجرة في البحرين “محمد الزرقاني”، أن أرباب العمل السعوديين “إذا لم يقوموا بتحويل أعمالهم إلى نموذج فيه تحفيز للعمال كي يبقوا عندهم، فإن الكثير منهم سيغادرون أعمالهم، ولذلك فهناك معارضة قوية جدا”، واصفا العملية بأنها “لعبة تغيير”.
ويضيف “الزرقاني” أن هذا هو السبب الذي أدى لاستبعاد فئات العمال ذوي المهارات المتدنية من هذه الإصلاحات الجديدة، خصوصا أن ارتفاع أجور العمال سيؤدي للإضرار بالأسر السعودية، مما يجعل الخطوة لا تحظى بالشعبية.
ويذكر أن هذه الإصلاحات تأتي مع الزيادة الجديدة في الضرائب على كل من أرباب العمل والعمال، في محاولة لاستبدال العمالة الوافدة بعمالة سعودية.
الضريبة التي ارتفعت إلى 400 ريال سعودي (حوالي 90 يورو) شهريا تثقل كاهل العمال، الذين يتقاضون حوالي 2500 ريال سعودي (560 يورو) كحد أدنى للأجور.
بانتظار اتضاح تفاصيل هذه الإصلاحات، فإن من السابق لأوانه معرفة تأثيرها الفعلي. ورغم ذلك فإن هذه الخطوة تخطو بالمملكة لسلوك نفس الطريق الذي سلكته دول أخرى في المنطقة، كقطر التي أطلقت إصلاحات لنظام الكفالة في سبتمبر/أيلول.
ويقول “الزرقاني”: “من السهل التقليل من قيمة هذا الإصلاح لمن يراقب الأمر من الخارج، ولكن عند النظر إلى عدد الأشخاص الذين يمكن أن يستفيدوا منه، وبالنظر لكونه جاء من الداخل، أي لم يتم دفعه من قبل وكالات الأمم المتحدة أو منظمات أخرى، فإن هذا الإصلاح يأتي ضمن رؤية”.
ولكن الطريق لا يزال طويلا، خصوصا مع بقاء السلطة جزئيا بيد أرباب العمل.
وقبل أيام، أطلقت السعودية مبادرة جديدة تتضمن تخفيف القيود التعاقدية للوافدين، بما يسمح لهم حرية تغيير الوظائف ومغادرة المملكة دون إذن من صاحب العمل.
وتعتبر تلك المبادرة إصلاحا طال انتظاره في المملكة التي تعتمد نظام الكفيل الذي يجب على الوافد الحصول على موافقته قبل مغادرة البلاد أو تغيير العمل.
ومن المقرر أن تدخل تلك المبادرة حيز التنفيذ في مارس/آذار 2021.