مع اقتراب الذكرى الأولى لجريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشجقي, في قنصلية بلاده في إسطنبول, إلا أنها مازالت تتصدر الساحة الدولية والاعلامية المستمرة.
وأثارت حادثة مقتل خاشقجي، في الـ2 من أكتوبر 2018، في قنصلية المملكة بإسطنبول، ضجة عالمية وتسببت في تلطيخ سمعة ولي العهد محمد بن سلمان، وعرضت الخطط الطموحة التي تهدف لتنويع اقتصاد المملكة للخطر، كما تسببت له بالذعر، وحرمته من زيارة الولايات المتحدة أو أوروبا منذ ذلك الحين، خشية تعرضه لملاحقات دولية.
اعتبر بن سلمان في تصريحات نشرتها شبكة تلفزيونية أمريكية، في الـ26 من سبتمبر 2019، أن جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي وقعت خلال وجوده في سدة الحكم, ما يضعه بموقع من يتحمل المسؤولية، مشدداً على أن الجريمة تمت من دون علمه.
ونشرت “بي بي إس” بعض المقتطفات من تصريحات أدلى بها بن سلمان وستعرض كاملة ضمن وثائقي يتناول فترات من حياته، وذلك عشية الذكرى السنوية الأولى لمرور سنة على مقتل خاشقجي في الثاني من أكتوبر.
وقال ولي العهد في تصريحاته، بحسب ما ورد في المقتطفات: “لقد حدثت في عهدي.. تُلقى علي المسؤولية لأنها حدثت في عهدي”، لكنه حاول التهرب من الجريمة، قائلاً إنها وقعت من دون علمه.
ورداً عن سؤال حول قدرة أشخاص على استخدام طائرة تابعة لحكومة آل سعود للسفر بها إلى إسطنبول من دون علمه، قال: “لدي مسؤولون، وزراء يتابعون الأمور، لديهم السلطة للقيام بذلك”.
ويرى معد الفيلم أن انقسام أفرع الحكومة الأمريكية في رد فعلها على عملية القتل قد تدفع لأن تبدأ تحقيقات رسمية أمريكية بعد انتهاء حكم الرئيس دونالد ترامب، الذي يصر على الدفاع عن بن سلمان في سبيل المصالح الاقتصادية، خاصة أن “سي.آي.إي” انتهت إلى خلاصة تؤكد مسؤولية ولي العهد عن عملية القتل.
وعبر عن استغراب الجانب الرسمي السعودي من حجم الاهتمام الأمريكي والعالمي بقتل خاشقجي، وقال: “هم يريدون طي هذه الصفحة ووضعها خلفهم، إلا أنهم لا يستطيعون تحقيق ذلك”.
ويقول المذيع الشهير مارتن سميث، معد الفيلم الوثائقي، إنه التقى بن سلمان دون ترتيبات مسبقة؛ إذ كان في حلبة سباق سيارات خارج الرياض، في ديسمبر 2018، وذكر أنه كان يتحدث في موضوع آخر، وأن محمد بن سلمان هو من بادر بفتح موضوع قتل جمال خاشقجي؛ “ولي العهد بدا راغباً في الحديث عن عملية القتل، وما يقال عن دوره فيها”.
وتعد تلك المرة الأولى التي يذكر فيها بن سلمان أنه “يتحمل المسؤولية كلها؛ لأن ذلك حدث وأنا في موقع السلطة”، ويعتقد سميث أن ولي العهد كان يشعر حينذاك بأنه تحت ضغوط كبيرة.
يقول سميث: “لا أعرف ما سيكون عليه رد فعل ولي العهد أو الديوان الملكي على الفيلم، هذا شيء غير مهم بالنسبة لي”.
تعقيباً على ما قاله بن سلمان، قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إنه من غير المرجح أن تغيّر تعليقات ولي العهد الاعتقاد السائد بأنه سمح باغتيال الصحفي السعودي البارز.
وأوضحت الصحيفة، في تقرير لها في 26 سبتمبر 2019، أن وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إي) رجّحت أن يكون محمد بن سلمان أمر بالقتل، مضيفة أن هذا استنتاج توصل إليه العديد من المسؤولين في الولايات المتحدة ودول أخرى.
ووصفت الصحيفة تصريحات ولي العهد لسميث بأنها من “المرات القليلة التي يتكلم فيها الأمير علناً عن مقتل خاشقجي”، وقالت إن بن سلمان أخبر صحفيين من “بلومبيرغ” في اليوم التالي لتلك المقابلة بأنه لم يكن يعرف مكان خاشقجي، وأن بلاده ليس لديها ما تخفيه.
وكان بن سلمان أنكر وجود خاشقجي بقنصلية بلاده، وقال في تصريح لـ”بلومبيرغ” الأمريكية، إن الصحافي السعودي خرج بعد دقائق أو ربما بعد ساعة واحدة من دخوله إلى القنصلية في إسطنبول.
وأكد بن سلمان، في الـ6 من أكتوبر، بعد اختفاء خاشقجي بـ4 أيام، أن خاشقجي ليس داخل القنصلية، وأضاف: “لست متأكداً من حقيقة ما حدث، نحن ما زلنا نحقق في الأمر من خلال وزارة الخارجية لمعرفة التفاصيل”.
وسبق أن أفادت مقررة الأمم المتحدة الخاصة بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامارد، بأن التحقيق الذي أجرته خلص إلى أدلة تشير إلى ضلوع مسؤولين كبار في قتل خاشقجي، من بينهم ولي العهد بن سلمان.
وأضافت كالامارد، في معرض تقريرها أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، في يونيو 2019، بشأن قتل الصحفي، أن التحقيقات الرسمية التي أجرتها السعودية لم تتطرق إلى تسلسل القيادة ومن أمَر بالجريمة.
ودعت في السياق ذاته إلى مزيد من التحقيقات لتحديد مسؤولية بن سلمان ومستشاره سعود القحطاني في هذه الجريمة.
وتحاكم المملكة مسؤولين رفيعي المستوى على خلفية هذه القضية، بينهم نائب رئيس الاستخبارات السابق أحمد العسيري، ويواجه خمسة من هؤلاء عقوبة الإعدام، إضافة إلى اتهام مستشار الديوان الملكي السابق، سعود القحطاني، بأنه العقل المدبر للاغتيال.
ويرى الحقوقي السعودي محمد العمري أنه من المفترض بعد هذا الاعتراف عقد محاكمة مستقلة معلنة، ولكن خارج المملكة، بحيث يشكل المحكمة مجلس الأمن أو تقام في بلد محايد.
وأضاف في تصريح لقناة “الحوار” اللندنية: “يفترض الآن التحقيق مع محمد بن سلمان وبقية أركان الدولة الذين ساهموا في هذه القضية”، مشيراً إلى أن الصلاحية تكمن لدى مجلس الأمن لإقامة محكمة بهذا الخصوص.
وأكد في سياق حديثه أن هناك عوائق لإقامة محاكمة بن سلمان، وذلك لوجود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يعطل أي تحركات ضد ولي العهد.
وأوضح أن اعتراف بن سلمان “هدفه شراء الوقت وإطالة أجل قضية انعقاد أول محاكمة”، مشيراً إلى أن ذلك الاعتراف “يعد معنوياً وليس جنائياً من أجل التهرب من المسؤولية أمام القضاء”.
وسخر المستشار القانوني اليمني محمد عطية من تصريحات ولي العهد السعودي، وقال إن بن سلمان “لم يقل شيئاً جديداً؛ فالاتهامات جميعها تؤكد مسؤوليته عن الحادثة”.
وأضاف: “قانونياً، اعتراف بن سلمان دليل ضده في أي محاكمة، لكن في الواقع فإن بن سلمان سينجو من هذا الأمر، إلا في حالة واحدة؛ وهي أن يعزله والده من منصبه ويقدمه للقضاء”.
وأوضح قائلاً: “إلى الآن لم نرَ أي محاكمة واقعية للمتهمين الرئيسيين، فكيف نتوقع محاكمة شخص يدير المملكة، ويدفع مليارات لترامب من أجل الوقوف بصفه أمام التحركات الدولية؟ لذلك لا أعتقد حدوث شيء في هذا السياق”.