حمام الدم يتواصل في السعودية بتصعيد تنفيذ أحكام إعدام متتالية

يتصاعد حمام الدم في السعودية بتنفيذ أحكام إعدام متتالية وسط غياب أدنى ضمانات المحاكمات العادلة وتغول السلطات على العقوبات الأشد لاعتبارات يخشى أنها مسيسة.

في الساعات الأخيرة أعلنت السلطات تنفيذ حكم الإعدام بحق 3 أشخاص أدينوا بزعم “الانضمام لخلية إرهابية وحيازة الأسلحة والاعتداء على رجال الأمن بقصد قتلهم”.

وقالت الوزارة في بيان إنها نفذت “حُكم القتل تعزيرا بثلاثة جناة بالمنطقة الشرقية لإقدامهم على انضمامهم لخلية إرهابية، وحيازتهم الأسلحة والتدرب عليها، والاعتداء المسلح على المراكز الأمنية ورجال الأمن”.

وذكرت أن الثلاثة أدينوا من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة، التي أصدرت عقوبة الإعدام بحقهم قبل أن يحظى الحكم بتأييد محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة المحكمة العليا.

لكن كالعادة لم تورد الوزارة أي أدلة على اتهاماتها فضلا عن تمكين الضحايا من محاكمة عادلة ودفاع محامين عنهم.

وبلغ عدد الإعدامات المرتبطة بستار الإرهاب المنفذة في السعودية خلال الشهر الماضي تسعة، ثمانية منها نفذت في المنطقة الشرقية. ويحمل سبعة من هؤلاء الجنسية السعودية.

ومنذ بداية العام الجاري، أعدمت السلطات السعودية 44 شخصا، فيما أعدمت العام الماضي 147 شخصا من بينهم 81 شخصا في يوم واحد، أكثر من ضعف عدد الإعدامات في العام 2021 البالغ 69.

وفي الآونة الأخيرة، لم تعد تقارير وسائل الإعلام الحكومية تقدم تفاصيل بشأن كيفية تنفيذ عمليات الإعدام، لكن المملكة نفذت في كثير من الأحيان أحكام الإعدام بقطع الرأس.

ونفذت السعودية أكثر من ألف عملية إعدام منذ وصول الملك سلمان بن عبد العزيز للحُكم في 2015، بحسب تقرير مشترك لمنظمة “ريبريف” والمنظمة الأوروبية-السعودية لحقوق الإنسان، نُشر مطلع العام الجاري.

وتتخذ السلطات السعودية من السرية سلاحا يزيد تعسفها في عقوبة أحكام الإعدام ما يجعل المملكة في قائمة الدول الأكثر تنفيذا لعقوبة الإعدام في العالم، وتدفعها هذه الانتهاكات لتكون من الأكثر تعسفا.

وأبرزت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، تظافر الانتهاكات التي ترافق عقوبة الإعدام في المملكة العربية السعودية، لتجعل منها عقوبة تعسفية ومستمرة تسحق العديد من الحقوق الأساسية للضحية وعائلته.

وبحسب المنظمة في رصد حقوقي لها تلقى “سعودي ليكس” نسخة منه، تخالف السعودية القوانين والمبادئ والتوصيات الدولية، بما في ذلك تعهداتها الخاصة، مثل اتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطفل، وقوانينها الداخلية مثل قانون الأحداث.

ويعدّ غياب الشفافية، والتعتيم المقصود أحد أبرز هذه الانتهاكات التي تساهم بشكل كبير في المزيد من الانتهاكات بحسب المنظمة.

ويؤكد المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء أو تعسفا، على أن “الحفاظ على السرية بشأن عمليات الإعدام يقوّض التدقيق العام ويقود المجتمع الدولي إلى استنتاج أن هذه الإعدامات تفرض في انتهاك للقانون الدولي”.

تتبع العديد من قضايا الإعدامات، وتوثيق الانتهاكات التي تنضوي عليها، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والحرمان من الحق في الدفاع عن النفس، إلى جانب الإعدام بتهم تتعلق بممارسة حقوق مشروعة، يرجّح انتهاك السعودية للقوانين الدولية في الإعدامات بشكل كبير.

بحسب تتبع المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، فإن الأرقام التي تم رصدها، تؤكد الآثار الكبيرة لغياب الشفافية في تعامل الحكومة السعودية في ملف الإعدام. انعدام الشفافية والتضليل يترافق مع خنق تام للمجتمع المدني ما يمنع الوصول إلى المعلومات بشكل أكبر.

غياب الشفافية في قوائم المهددين بالإعدام:

لا تنشر الحكومة السعودية أسماء الأفراد المحكومين بالإعدام لديها، ولا التهم التي يواجهونها، ومن غير المعروف عدد أحكام الأحكام الصادرة حاليا، ولا تفاصيل حول الأفراد الذين ينتظرون تنفيذ الحكم.

يتم ذلك على الرغم من أن القانون الدولي يؤكد بوضوح على أن المعلومات المتعلقة بالإعدام لا تتناول حقوق المتهمين فحسب بل أيضا حق الجمهور في الوصول إلى المعلومات.

إضافة إلى ذلك، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة جميع الدول، في قرارها 69/186 بشأن الوقف الاختياري لتطبيق عقوبة الإعدام، إلى إتاحة المعلومات التي يمكن أن تسهم في إجراء مناقشات مستنيرة وشفافة على الصعيدين الوطني والدولي.

ويمثل عدم وجود معلومات موثوق بها أيضاً عقبة كبيرة في وجه المراقبة من خلال النظام الدولي لحقوق الإنسان.

وفيما نفذت السعودية منذ بداية العام 2015، أكثر من 1058 إعدام، لم تكن المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان قد رصدت سوى 46 قضية قبل التنفيذ، ما يمثل ما نسبته 4% تقريبا من مجمل الإعدامات المنفذة.

وبحسب الرصد، لا تعرف العائلات موعد التنفيذ أو مكان الدفن، وتتفاجأ بخبر التنفيذ بعد نشر وسائل الإعلام الرسمية، وهذا ما يعد تأثيرا سلبيا آخر لغياب الشفافية.

وإلى جانب انعدام الشفافية في تعامل الحكومة السعودية في ملف الإعدام بشكل رسمي، فإن حملات الترهيب ضد عائلات المهددين بالإعدام، يمنع الوصول إلى معلومات كافية ويؤكد أن عدد المهددين بالإعدام أضعاف الأرقام التي تعرفها المنظمات.

غياب الشفافية في العمليات المنفذة:

في مايو 2023، نشرت منظمة العفو الدولية تقريرا أشارت فيه إلى أن هيئة حقوق الإنسان السعودية بلّغتها في مراسلة خاصة، أن السعودية أعدمت في 2022، 196 شخصاً.

يزيد هذا الرقم عما نشرته وزارة الداخلية السعودية من عمليات إعدام ب48 حكم بما نسبته 28 % لم يتم نشر أي معلومات عنها.

وكانت المنظمة الأوروبية السعودية قد رصدت في ديسمبر 2022 إعدام يمنيين اثنين وآخرين من دون نشر خبر الإعدامات بشكل رسمي.

وفي العام 2020، أعلنت هيئة حقوق الإنسان عن تنفيذ 27 حكم، فيما لم تنشر الداخلية السعودية على موقع وكالة الأنباء الرسمية أخباراً سوى عن تنفيذ 25 حكم، يضاف ذلك إلى معلومات سابقة كانت قد أشارت إلى تنفيذ أحكام إعدام من دون نشرها.

الاختلاف في الأرقام، يؤكد أن السعودية لا تنشر المعلومات عن كافة الإعدامات التي تنفذها، وهو ما ينبئ بأن عدد الأفراد الذين تم إعدامهم أعلى مما تم رصده خلال السنوات السابقة.

يشكل ذلك انتهاكا صارخا، حيث اعتبر المقرر الخاص بالإعدام كريستوف هينس، أن من واجبات الدولة “الشفافية” حيث لا تتماشى السرية التي تحاط بها عقوبة الإعدام مع حقوق الأشخاص المدانين وعائلاتهم والمجتمع بأسره.

واعتبر أن هذه “السرية تنتهك الحق في محاكمة عادلة وعلنية، والحظر المفروض على المعاملة القاسية والمهينة والحق في المعرفة”.

كما أكد أن على الحكومة أن تنشر معلومات دقيقة بشكل دوري، عن كل عملية إعدام بما في ذلك اسم الشخص والتهمة الموجهة إليه وتاريخ ومكان التنفيذ.

وشددت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، على أن التعمية على الواقع، والتضليل إلى جانب انعدام الشفافية، يبين انتهاكات جسيمة تقوم بها الحكومة السعودية، كما أنه يظهر عزمها الاستمرار بالاستخدام التعسفي لعقوبة الإعدام.

كما اعتبرت أن عدم نشر السلطات السعودية لأسماء المحكومين بالإعدام والاتهامات ومكان ووقت التنفيذ، يؤكد نهج السعودية في استخدام عقوبة الإعدام سياسيا، واحتقارها للقوانين الدولية.