الكشف عن اعتقال مئات من طلاب حلقات تحفيظ القرآن في السعودية

تتصاعد الانتقادات الحقوقية والدولية ضد السلطات السعودية في ظل ما وصفته منظمات حقوقية بـ”حملة اعتقالات تعسفية ممنهجة” طالت مئات من طلاب حلقات تحفيظ القرآن، تحت مزاعم الانتماء إلى تنظيم “داعش”.

وبحسب مصادر موثوقة، بلغ عدد المعتقلين في هذا السياق قرابة 700 شخص، من بينهم أكثر من 100 قاصر دون سن 18 عامًا.

وكشفت وثائق مسربة وتقارير حقوقية أن النيابة العامة السعودية طالبت بإصدار أحكام إعدام بحق 25 من المعتقلين حتى الآن، بينهم قاصرون، في غياب واضح لضمانات المحاكمة العادلة.

وأشارت تقارير عدة إلى أن العديد من هؤلاء المحتجزين قد تعرضوا لانتهاكات جسيمة أثناء التحقيق، شملت الصعق الكهربائي، والتعليق من الأطراف، والحرمان من النوم، والتهديدات النفسية المستمرة.

وتقول منظمة العفو الدولية إن ما يحدث في سجون المملكة “لا يمت بأي صلة لأسس العدالة أو القانون”، مشيرة إلى أن السلطات “تستخدم قوانين مكافحة الإرهاب بشكل فضفاض لقمع النشاط الديني والتربوي خارج الأطر الرسمية للدولة”.

القصر في مرمى الاستهداف

من بين المعتقلين، وردت شهادات حول احتجاز أطفال لم تتجاوز أعمار بعضهم 14 عامًا، تم اعتقالهم من داخل حلقات تحفيظ في مدارس أو مساجد الأحياء، دون إذن قضائي، أو حضور محامين، أو إخطار رسمي للأهالي.

وأكدت مصادر حقوقية أن بعض هؤلاء القصر يُحتجزون في مراكز تحقيق خاصة تابعة لرئاسة أمن الدولة، ويُمنعون من الاتصال بذويهم أو أي جهة محايدة، ما يُعد انتهاكًا صارخًا للمعاهدات الدولية التي تلتزم بها السعودية، مثل اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية مناهضة التعذيب.

محاكمات سرية وغياب الدفاع

بحسب شهادات محامين سابقين وأسر المعتقلين، فإن العديد من القضايا تُنظر في محاكم متخصصة ذات طابع أمني، تُصدر أحكامها في جلسات مغلقة دون حضور وسائل الإعلام أو ممثلين عن مؤسسات حقوق الإنسان.

كما يُمنع الدفاع من الوصول الكامل إلى ملفات القضايا أو الطعن في اعترافات تم الحصول عليها تحت الإكراه والتعذيب.

قال أحد المحامين، فضل عدم الكشف عن هويته “العملية القضائية أشبه بمسرحية صورية… القرارات جاهزة، والإعدامات تُطلب بناءً على ملفات أمنية سرية لا يحق لنا حتى الاطلاع عليها.”

تكميم أفواه المجتمع وتفريغ البيئة الدينية

يرى مراقبون أن ما يجري هو محاولة لإخضاع المجتمع الديني تحت السيطرة المطلقة، وتفريغ الحلقات التعليمية والتربوية المستقلة من محتواها، في ظل توجه متسارع لتقييد الحريات العامة، وقمع الأصوات المخالفة، حتى داخل البيئة الدينية التقليدية.

وقال الناشط الحقوقي أحمد الحمادي، المقيم في لندن: “إن استخدام تهمة الإرهاب لإرهاب المجتمع نفسه هو الخطر الحقيقي… فمن يزرع الخوف في حلقات التحفيظ، يقطع الجذور التربوية في الأمة.”

دعوات لتحقيق دولي وإيقاف الإعدامات

طالبت منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” و”المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان” بإيقاف كافة الإجراءات القضائية الجارية ضد القصر والمحتجزين تعسفيًا، وفتح تحقيق دولي مستقل في مزاعم التعذيب.

كما دعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى تعليق أي أحكام إعدام حالية فورًا، وضمان الحق في المحاكمة العادلة، وحق القاصرين في الحماية والرعاية، وليس الملاحقة الأمنية.

وفي الوقت الذي تسعى فيه السعودية إلى ترويج نفسها كدولة حديثة منفتحة على العالم، تكشف هذه القضايا وجهًا آخر غارقًا في انتهاكات قانونية جسيمة، وممارسات أمنية قمعية تطال حتى الأطفال. ويبقى السؤال قائمًا: هل ستُجبر الضغوط الدولية الرياض على احترام التزاماتها القانونية، أم أن “العدالة تحت الطلب” ستبقى السمة السائدة في محاكماتها؟.