أبدت أوساط حقوقية شكوكا واسعة في ملابسات تنفيذ وزارة الدفاع السعودية حكمين عسكريين بالقتل بتهمة “الخيانة” وسط تأكيدات على غياب القضاء المستقل والعادل.
وأعلنت وزارة الدفاع قبل ثلاثة أيام عن قتل المقدم الطيار الركن ماجد بن موسى عواد البلوي، ورئيس الرقباء يوسف بن رضا حسن العزوني، وهما من منسوبي وزارة الدفاع.
وجاء في بيان الوزارة أن محاكمة العسكريين بنيت على تهم تتعلق بمخالفة أوامر وجهت لهما من دون تفصيل.
إذ أوضح أنها جرت “وفق الأنظمة المرعية من وجوب وجوب السمع والطاعة وعدم مفارقة الجماعة أو الإخلال بالولاية الشرعية، والمصالح العسكرية أو النكوث بالعهد والميثاق”.
وعدّد البيان التهم، حيث أدين المتهم الأول “بارتكاب جريمة الخيانة الحربية وعدم محافظته على مصالح الوطن، وعلى شرف الخدمة العسكرية، فيما أسفر التحقيق مع الثاني بإدانته بارتكاب جرائم الخيانة بصورها الثلاث (العظمى، والوطنية، والحربية) وعدم محافظته على مصالح الوطن، وعلى شرف الخدمة العسكرية”.
وبحسب ديوان المحاكمات العسكرية، فإن الخيانة العظمى تتمثل بالمؤامرات الإجرامية ضد سلامة المملكة.
أما الخيانة الوطنية تشمل المؤامرات الإفسادية ضد الحكومة ونشر الدعاية الكاذبة، فيما يعتبر التجسس والسعي في الاطلاع على أسرار الدولة لمصلحة العدو هو الخيانة الحربية.
وعقبت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان بأن المحاكمات السرية وعدم الكشف عن تفاصيلها، إلى جانب العبارات الفضفاضة التي استخدمتها الوزارة في بيانها، تثير المخاوف حول حقيقة التهم الموجهة لهما.
وقالت المنظمة إن بيان وزارة الدفاع أشار إلى أن الإعدام نفذ “وفقاً للمقتضيين الشرعي والنظامي، وتم استيفاء إجراءات تدقيق الحكمين، والمصادقة عليهما، وصدر الأمر الملكي بإنفاذ ما تقرر بحقهما”.
وبحسب اطلاع المنظمة فإن الحكمين صدرا عن ديوان المحاكمات العسكرية، فيما لم يذكر البيان نوع الحكم الصادر بحقهما إن كان حداً أو تعزيراً ولم يوضح أنه كان استنادا لنصوص نظام العقوبات العسكرية.
إلا أن صدور البيان من وزارة الدفاع يشير إلى أنها محاكمة عسكرية، وبالتالي فإنه لا يتلاقى مع أي تعريف شرعي لأحكام القتل، وهو ما تكرر السعودية استنادها له.
وكعادتها تحاول السلطات إضفاء شرعية دينية على أحكامها لذا بدأ البيان بآية من القران وهي (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) كما استندت على حديث نبوي: “من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه”.
وذلك في تكريس واضح للاستخدام السياسي للنصوص الدينية وتطويعها وانتقاء النصوص وتفسيرها حسب فهمها المتطرف لها، كما أن استخدام هذا النص بالتحديد لا يناسب الحالة.
وفيما تشير بعض المعلومات إلى أن التهم تتعلق بالمشاركة في حرب اليمن فإنه لم يكن هناك إجماع على شن هذه الحرب، وخاصة مع عدم وجود استفتاء أو برلمان منتخب أو دستور يضع معايير لشن الحروب.
إضافة إلى ذلك فإن اعتقالهما حصل في سبتمبر 2017، حين كانت الانتهاكات السعودية في أوجها على الأراضي اليمنية.
وأشارت المنظمة إلى أنه حسب رصدها لأحكام الإعدام خلال السنوات العشر الأخيرة نفذت السعودية أحكاما مشابهة مرة واحدة فقط في أبريل 2021 بحق 3 عسكريين.
وشددت على أن نهج السعودية الذي يتم تتبعه في قضايا الإعدام يؤكد استخدام التعذيب على نطاق واسع ضد المعتقلين لانتزاع اعترافات، وفي ظل انعدام الشفافية في تعامل الحكومة مع القضايا من المرجح أن انتهاكات واسعة شابت القضية، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والحرمان من الحق في الدفاع الكافي عن النفس.
ونبهت المنظمة الأوروبية السعودية إلى أنه مع إعدام العسكريين يرتفع عدد الإعدامات منذ بداية 2023 إلى 105، فيما يؤكد الرصد أن 64 معتقلا على الأقل يواجهون أحكام الإعدام بينهم 9 قاصرين.
ورأت المنظمة أن انعدام الشفافية وترهيب العائلات يمنع الوصول إلى المعلومات الكافية إلا أن أرقام الإعدامات والقضايا التي يتم تتبعها يؤكد استمرار تصاعد المسار الدموي الذي اشتد منذ تسلم الملك سلمان وولي العهد الحكم في 2015.