يتحمل نظام آل سعود جزءً كبيرا من مسئولية ما يتم ارتكابه من جرائم حرب وانتهاكات بحق المدنيين في ليبيا على خلفية الدعم الخفي من المملكة للواء المتقاعد خليفة حفتر.
ففي يوم 27 مارس/آذار 2019، زار اللواء حفتر المملكة، حيث استقبله الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، وأجرى أيضا مباحثات مع وزير الداخلية ورئيس جهاز الاستخبارات العامة.
جاءت الزيارة -كما اتضح لاحقا- قبيل عملية عسكرية كبرى كان يعد لها حفتر، تقضي بالهجوم على العاصمة طرابلس، وبالتالي السيطرة على المنطقة الغربية والهيمنة على الدولة الليبية وفق ما خطط له.
وأشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية -في عددها ليوم 12 أبريل/نيسان 2019- إلى أن الرياض وعدت حفتر بعشرات ملايين الدولارات للمساعدة في دفع تكاليف العملية العسكرية التي أطلقها في طرابلس يوم 4 أبريل/نيسان.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول سعودي بارز -لم تسمه- قوله “لقد كنا كرماء معه”، في إشارة إلى تلقي اللواء الليبي المتقاعد دعما ماليا سخيا من المملكة لإنجاز مهمته العسكرية في ليبيا.
إضافة إلى المساعدة المالية، كان حفتر يطمح من خلال تلك الزيارة لتدخل سعودي لدى واشنطن لإقناعها بحملته على طرابلس، وأن تستخدم أيضا نفوذها على بعض الدول العربية لطمأنتها بشأن العملية وتوابعها.
عاد حفتر إلى ليبيا بعد تلقيه الدعم المالي والتطمينات اللازمة، وحصل على الضوء الأخضر لبدء الهجوم على طرابلس وتنفيذ ما يراه الجزء الأخير من مشروعه العسكري والسياسي.
قبل سنوات، كانت الرياض قد انضمت عمليا إلى كل من الإمارات ومصر في تبني مشروع حفتر في ليبيا، ففي أغسطس/آب 2017 اعتقلت ثلاثة من القياديين المحسوبين على حكومة طرابلس أثناء تأديتهم العمرة، وسلمتهم إلى سلطات شرق ليبيا الموالية لحفتر استجابة لطلب من الإمارات.
وجاء هذا الاصطفاف السعودي إلى جانب حفتر باعتبار المملكة جزءا من هذا التحالف الذي يناهض الثورات الشعبية في المنطقة ويدعم سيطرة العسكر على الحكم، كما أنه يشكل امتدادا لتحالف التيار المدخلي السلفي ذي الخلفية الوهابية في ليبيا مع اللواء المتقاعد والقتال إلى جانبه.
فحينما أطلق حفتر عام 2014 ما عرف بعملية الكرامة، أفتى الشيخ السلفي السعودي ربيع المدخلي لأتباعه في ليبيا بالقتال ضمن قوات حفتر، باعتباره “ولي أمر شرعيا” مخولا من “ولي الأمر” -أي البرلمان المنعقد في طبرق- وبناء على ذلك انضمت المئات من هذا التيار للقتال في صفوف قوات حفتر في معارك بنغازي ودرنة وغيرها، ضمن ما عرف بـ”كتائب التوحيد”.
وبالإضافة إلى مئات المقاتلين الموزعين على محاور القتال، سمح حفتر بتغلغل أتباع التيار المدخلي في معظم الأجهزة والإدارات في مناطق سيطرته شرق ليبيا، وخاصة بوزارة الأوقاف ودار الإفتاء، وبالتالي سيطروا على المساجد والمنابر.
ومنذ بدء حملته العسكرية المسماة “عملية الكرامة” ببنغازي في مايو/أيار 2014 تواترت الأدلة عن حصول حفتر على أسلحة من الإمارات ومصر ودول أخرى رغم الحظر الأممي فضلا عن الدعم المالي من نظام آل سعود.
لكن هجوم حفتر على طرابلس التي بدأه في 4 أبريل/نيسان 2019 وما تلاها من محاولات اقتحام العاصمة آخرها في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري كشف عن دعم هائل وترسانة كبيرة من هذه الأسلحة مصدرها الأساسي الإمارات ومصر، يسندهما دور فرنسي وروسي نشط على اختلاف طريقة الإسناد والغايات.
خلال الأشهر الأخيرة من حربها على طرابلس كثفت قوات حفتر غاراتها بالطائرات بدون طيار الحديثة من نوع “وينغ لونغ2” (Wing Loong 2) التي تستعمل صواريخ “بلو آرو بي أي7″، وظهرت أرتال العربات المدرعة الإماراتية من نوع “تايغر” واستعملت صواريخ “بانتسير أس 1” (Pantsir-s1) قصيرة ومتوسطة المدى المضادة للطائرات والتي تملكها كل من الإمارات ومصر وزودت بها قوات حفتر.
وفي 29 يونيو/حزيران الماضي أكد الناطق باسم الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق الوطني محمد قنونو خلال مؤتمر صحفي عقده في غريان أن قوات الوفاق استولت إثر سيطرتها على المدينة على 70 عربة سليمة ومدرعات إماراتية وطائرات مسيرة وصواريخ أميركية الصنع، كما عثر على صواريخ “جافلين” الأميركية اعترفت فرنسا بملكيتها لها.
تؤكد هذه الأسلحة المصادرة أن حفتر استفاد طوال سنوات الحرب بشكل ممنهج ومستمر من الدعم الإماراتي والمصري والفرنسي إضافة إلى دعم روسي تكثف في الأشهر الأخيرة، ليبسط سيطرته على بنغازي، ثم تعزيز نفوذه شرقا والتمدد إلى الجنوب والغرب.
وكانت السيطرة على طرابلس قطب الرحى في إستراتيجية حفتر والإمارات العسكرية والسياسية، ولذلك تكثف الدعم بالأسلحة النوعية والمرتزقة قبيل معركة طرابلس التي أطلقها في أبريل/نيسان 2019 وخلال هجومه الأخير حيث ظهرت المروحيات الهجومية الروسية من نوع “MI35″، في خرق واضح لقرار الأمم المتحدة رقم 1970 الصادر في مارس/آذار 2011 الذي يحظر صادرات السلاح إلى ليبيا.