توقع موقع أميركي أن انهيار نظام آل سعود كليا في أية حرب نفطية قادمة، بعدما أثارت حربين خلال العقد الماضي وأسفرتا عن خسارتهما.
وقال موقع “أويل برايس” الأميركي أن المملكة أثارت حربين لأسعار النفط خلال العقد الماضي وخسرتهما، عازيا ذلك إلى أنها لم تكن قادرة على التعلم من دروس الماضي.
ورجح الكاتب سايمون واتكينز في مقاله الذي نشره “أويل برايس”، أن تلجأ المملكة لإثارة حرب نفطية ثالثة. مستدركا إن سلطات آل سعود خلقت لنفسها قيدا سياسيا واقتصاديا سيكون نتيجته عملية إفلاس حقيقية.
ورأى واتكينز أن هدف المملكة في كلا حربي النفط الأخيرتين، صناعة النفط الصخري الأمريكي. ففي الحرب الأولى التي امتدت ما بين 2014- 2016 كان الهدف هو منع تطور صناعة النفط الصخري من خلال زيادة الإنتاج وخفض أسعار النفط بطريقة تدفع هذه الشركات للإفلاس، حتى لا تمثل تهديدا للهيمنة السعودية على سوق النفط العالمي في تلك الفترة.
أما في الحرب الأخيرة مارس/ آذار 2019 حتى مارس/ آذار 2020 والتي انتهت قبل فترة، كان الهدف ذاته، وبهدف إضافي، وهو منع شركات النفط الصخري الأمريكية من الحصول على عقود إمداد للنفط التي لم تكن المملكة قادرة على الحصول عليها لالتزامها باتفاق “أوبك زائد” الذي حدد مستويات الإنتاج.
ورأي واتكينز أن السعوديين في الحرب الأولى كانت لديهم فرصة تدمير صناعة النفط الصخري الأمريكية الناشئة. وافترض بشكل واسع أن السعر المتعارف عليه داخل الصناعة النفطية الصخري كان 70 دولارا للبرميل، وكان هذا الرقم غير مرن.
وفي الوقت نفسه كان لدى المملكة احتياطي من الأرصدة الأجنبية بـ 737 مليار دولار أمريكي ما منحها مساحة للمناورة للحفاظ على قيمة الريال السعودي المرتبطة بالدولار الأمريكي، وتجاوز أي عجز بالميزانية كان سينشأ عن انخفاض أسعار النفط. وفق الكاتب.
واستدل بلقاء خاص عقد في نيويورك، تشرين الأول/ أكتوبر 2014، بين المسؤولين السعوديين وغيرهم من المسؤولين البارزين في صناعة النفط العالمي، كان السعوديون “واثقين بدرجة عالية من تحقيق النصر بغضون أشهر”، حسبما قال مصرفي يعمل في نيويورك وتحدث إلى “أويل برايس”.
وكانت المملكة تعتقد أن هذه الحرب لن تشل صناعة النفط الصخري الأمريكية فقط، بل وستفرض انضباطا في التزويد على أعضاء منظمة أوبك الآخرين. وكما ظهر لاحقا فقد أساء آل سعود وبطريقة كارثية فهم قدرة صناعة النفط الصخري الأمريكية على إعادة تشكيل نفسها كصناعة أقل إنفاقا وأصغر حجما مرنة وأقل كلفة.
وأشار واتكينز إلى أنه وبعد عامين من حرب الاستنزاف انكسر آل سعود، وتحولوا من فائض في الميزانية إلى عجز كبير في الميزانية في نهاية عام 2015 وبقيمة 98 مليار دولار أمريكي.
وأنفقت المملكة 250 مليارا من رصيدها الأجنبي الثمين في نفس الفترة. وهو ما دعا نائب وزير المالية محمد التويجري إلى القول عام 2016، إن على السعودية الإصلاح، لأنها لو لم تفعل فستواجه الإفلاس في غضون ثلاثة أو أربعة أعوام.
ورأى واتكينز أن الإرث الناجم عن الحرب الأولى أعطى فكرة أن آل سعود لن ينتصروا في الحرب الأخيرة أو أي حرب أسعار نفط في المستقبل، وذلك بسبب أن صناعة النفط الصخري الأمريكية صمدت وأصبحت أكثر قوة وديمومة.
وهذا يعني أن الصناعة تستطيع تحمل أسعار نفط رخيصة ولمدة طويلة وأطول مما تحتاجه السعودية لدفعها إلى الإفلاس.
وآل سعود لديها كلفة محددة لقطاعها النفطي مهما انخفضت أسعار سوق النفط. وقبل بداية الحرب الأخيرة كانت المملكة تستطيع موازاة ميزانيتها بسعر 84 دولارا لبرميل النفط من فئة “برنت”، إلا أن الضرر الاقتصادي الذي تركته حماقة الحرب الأخيرة، جعلها الآن تحتاج إلى سعر أعلى للبرميل.
وبمقارنة صارخة، فقطاع النفط الصخري الأمريكي الذي أسهمت المملكة بتقويته وتشكيله في الحرب الأولى، بات يقظا، ويستطيع العودة إلى نوع من الإنتاج بسعر 25- 30 دولارا للبرميل من فئة “ويست تكساس” المتوسط، وطالما لم ينخفض سعر البرميل لأقل من 20 دولارا للبرميل.
وحتى لو انخفضت أسعار النفط إلى ما تحت 30-25 دولارا للبرميل، فهذا لن يؤثر على بقاء ونجاة قطاع النفط الصخري، خاصة أن اللاعبين في القطاع يستطيعون إغلاق آبار النفط بسرعة وإعادتها بسرعة عندما يحتاجون، وجعلها عاملة في غضون أسابيع.
وفي المحصلة، ففي حرب أسعار للنفط لا يستطيع السعوديون انتظار قطاع النفط الصخري الأمريكي. وفي مناخ ترتفع فيه أسعار النفط فهم خاسرون أيضا، وهذا لأن الولايات المتحدة أكدت قبل حرب أسعار النفط الأخيرة أنها لن تتسامح مع ارتفاع برميل نفط برنت عن 70 دولارا للبرميل.
وعندما ارتفع سعر البرميل إلى ما فوق 70 دولارا في الفترة ما بين آذار/ مارس- تشرين الأول/ أكتوبر 2019، كتب الرئيس دونالد ترامب تغريدة قال فيها إن الملك سلمان “لم يكن ليبقى في السلطة مدة أسبوعين بدون الدعم العسكري الأمريكي”.
وقبل أن تثير المملكة حرب الأسعار الأخيرة لم يكن لدى الولايات المتحدة إلا اهتمام قليل حول ما إن كان سعر 70 دولارا للبرميل مناسبا للميزانية السعودية. وبعد الهجوم الأخير على قطاع النفط الصخري الاستراتيجي، لم تعد الولايات المتحدة مهتمة بالمطلق حول علاقة سعر البرميل بمتطلبات الميزانية السعودية، ولا إن ظلت المملكة تنزف مفلسة في السنوات القادمة.
وهذا كلام نقله الكاتب عن مصادر عدة في واشنطن مقربة من إدارة الرئيس ترامب الذين تحدث إليهم موقع “أويل برايس”.
وأكد الكاتب الأميركي أن عدم الاكتراث هذا نابع من حس “الخيانة” لحجر الأساس الذي قامت عليه العلاقة بين البلدين منذ عام 1945. وهو اتفاق نص على حصول الولايات المتحدة على الإمدادات النفطية التي تريدها من سلطات آل سعود مقابل ضمان الولايات المتحدة سلامة وأمن العائلة الحاكمة في السعودية.
وتم تعديل الاتفاق لاحقا مع بدء إنتاج النفط الصخري بحيث بات يشمل سماح آل سعود للقطاع بالعمل والنمو.
ورأى الكاتب الأميركي أن حس عدم الاكتراث نابع من سلسلة الأخطاء التي يعتقد المسؤولون الأمريكيون أن ولي العهد محمد بن سلمان ارتكبها وجعلته عقبة. وتشمل هذه الأخطاء الحرب في اليمن والعلاقة الدافئة مع روسيا فيما عرف باتفاق “أوبك+”، واتهام الرئيس اللبناني ميشيل عون المملكة باختطاف رئيس الوزراء في حينه سعد الحريري وإجباره على الاستقالة، وقتل الصحفي جمال خاشقجي والذي قالت “سي آي إيه” إن الأمير أمر شخصيا بقتله.
ووصل الأمر إلى ذروته حتى غرد ترامب بشأن اعتماد العائلة على الحماية الأمريكية والمكالمة التي أجراها مع محمد بن سلمان في 2 نيسان/ إبريل والتي كرر فيها ترامب التهديد أنه لن يكون قادرا على منع الكونغرس من إصدار تشريع يدعو لسحب القوات الأمريكية من المملكة، إن لم تقم أوبك بخفض مستويات النفط.
وبعد فترة قصيرة فعل محمد بن سلمان ما طلب منه أن يفعله. ويقول الكاتب إن التغير في الخطاب يعني أن معاملة أميركا ستكون بهذه الطريقة مع آل سعود بشكل يعيدها إلى المشكلة الرئيسة: فمن الناحية الاقتصادية لا تستطيع مواصلة خفض أسعار النفط بطريقة كافية للإضرار بقطاع النفط الصخري الأمريكي، ومن الناحية السياسية لا يسمح لها بزيادة أسعار النفط بدرجة كافية يحميها من الإفلاس.
ورأي أنه “بهذا المعنى فالتخفيض في مستويات الإنتاج الذي وافقت عليه أوبك+ يعتبر الأقسى من بين القرارات التي اتخذتها السعودية التي يجب عليها تطبيقها والالتزام بها كي تسمح لقطاع النفط الصخري الأمريكي بالنمو والتربح إلا أن التخفيض من جهة أخرى لا يمكن استمراره طويلا بدرجة تسمح للسعودية العودة إلى عصر فائض بالميزانية”.
ويتوقع عدد من المحللين تراجع مجمل الناتج المحلي للسعودية هذا العام بنسبة 3 في المائة، وهو أول انكماش منذ عام 2017، والأعلى منذ عام 1999، فيما سيزيد العجز بالميزانية بنسبة 15 في المائة من مجمل الناتج الاقتصادي.