قال مسئول أمريكي سابق إن إنهاء حرب التحالف السعودي في اليمن سيكون على رأس جدول أعمال الرئيس الأمريكي جو بايدن في منطقة الشرق الأوسط.
في مقابلة مع منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، يناقش غاري سيك، الذي عمل في مجلس الأمن القومي الأمريكي لثلاث إدارات أمريكية، تحديات السياسات الخارجية لإدارة بايدن القادمة في منطقة الشرق الأوسط.
قال غاري سيك إن حل الأزمة في اليمن سيكون على رأس جدول أعمال بايدن في منطقة الشرق الأوسط.
كما قال سيك إنه يتوقع أن تتخلل الأشهر الأولى من ولاية بايدن إطلاق سراح هادئ للسجناء من المدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية.
ومع ذلك، كان متشائمًا بشأن احتمالات محاولة الإدارة الجديدة محاسبة قتلة جمال خاشقجي.
عمل غاري سيك سابقًا في مجلس الأمن القومي الأمريكي في ظل إدارات فورد وكارتر وكلينتون.
فقد كان المساعد الرئيسي للبيت الأبيض لشؤون الخليج الفارسي في إدارة كارتر أثناء الثورة الإيرانية وأزمة الرهائن.
وهو الآن أكاديمي وخبير في السياسات الخارجية ومحلل شؤون الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا.
فيما يلي مقتطفات من المقابلة:
منظمة (DAWN): بالنظر إلى موجة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلى أي مدى يستطيع بايدن أو يرغب في تغيير سياسة ترامب التخريبية في الشرق الأوسط؟
غاري سيك: سيعتمد ذلك على عدة أمور. أولًا، سوف يعتمد الأمر على كيفية رد إيران. ينوي بايدن الانضمام مرة أخرى إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، وهو يقترح اتفاقية امتثال لجعل إيران تلتزم بخطة العمل. وستقوم الولايات المتحدة بفعل الشيء نفسه.
تأمل دول الخليج العربية أن تتولى الولايات المتحدة القيام بالمهمة بالنيابة عنهم.
يكمن خطر قيام دول الخليج بذلك بمفردها في أنها شاهدت، وخاصة السعودية والإمارات، ما يمكن أن تفعله إيران من خلال الهجمات على المنشآت النفطية [في السعودية] وتدرك تلك الدول مدى ضعفها رغم كل أسلحتها.
وتدرك أيضًا أن إيران لديها مجموعة من الأدوات المثيرة للإعجاب تحت تصرفها، مثل صواريخ كروز، والتي من الصعب جدًا إيقافها. يمكنك اعتراض بعضًا منها، ولكن من الصعب إسقاطها جميعًا. على سبيل المثال، إذا نظرت إلى دبي، فهي غير محمية على الإطلاق.
المسافة قصيرة جدًا من إيران، ويمكن أن تؤدي رحلة صواريخ كروز قادمة إلى دبي من عدة اتجاهات مختلفة، أو إلى أبو ظبي، إلى أضرار جسيمة.
من شأن ذلك أن يقوض كل الجهود التي بذلتها الإمارات لتصبح مركزًا دوليًا.
منظمة (DAWN): كيف ستختلف سياسات إدارة بايدن عما شهدناه خلال إدارة ترامب فيما يتعلق بأزمة اليمن؟
غاري سيك: إذا كانت قراءتي صحيحة، فقد عارض بايدن بشدة فكرة الحرب في اليمن. أعتقد أن هذه ستكون أول نقطة شائكة. استخدمت إدارة ترامب كل نفوذها للحفاظ على مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية وعدم التراجع بشكل كامل عن حرب اليمن.
ومع ذلك، فقد تطلب الأمر الكثير من العمل لأن الكونغرس أصبح غير راضٍ عن تلك الحرب، لأنهم لا يريدون أي دور أميركي فيها.
لذا إذا تدخل بايدن، فأعتقد أنه سيجري محادثة جادة للغاية مع الملك سلمان، وربما مع محمد بن سلمان، حول مدى استعداد الولايات المتحدة لدعم جهود اليمن.
وسيشجع الملك على إيجاد حل دبلوماسي للحرب يعيد اليمن إلى حالته الطبيعية.
من الواضح أن السعوديين لن ينسحبوا من اليمن. لقد استثمروا الكثير، لكنني لا أعتقد أنهم سيُفاجئون إذا حدثت تلك المحادثة.
لقد تأخر ذلك وهم يرون أن تلك اللحظة ستأتي. وهذا هو السبب في أنهم يبحثون بنشاط أكبر مما كانوا عليه في الماضي عن تفعيل مفاوضات السلام.
من الواضح تمامًا أن الحوثيين يرون أنفسهم في نفس موقف طالبان في أفغانستان.
منظمة (DAWN): الأسلحة الأمريكية تقتل اليمنيين في اليمن. هل يكفي ذلك لكي تعيد الولايات المتحدة التفكير في سياستها تجاه تسليح المملكة العربية السعودية وتقديم الدعم الدبلوماسي لها؟
غاري سيك: حسنًا، أنا متأكد أنه من الداخل يبدو الأمر أكثر تعقيدًا، لكن خلاصة القول هي: إذا توقفت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عن تقديم الدعم اللوجستي، فلن تتمكن السعودية من صيانة الطائرات واستبدال المعدات العسكرية.
وسيكون الوضع صعبًا على السعوديين، بحيث لا يمكنهم القيام بذلك بأنفسهم لفترة طويلة. سيكون للولايات المتحدة بعض النفوذ المهم للغاية.
يمكنهم أن يقولوا: انظروا، “نحن مستعدون لدعمك في مفاوضاتكم، ولكن إذا لم تتفاوضوا بحسن نية، فلن نتمكن حقًا من البقاء معكم مع كل الأشياء التي نقدمها لكم.”
من حيث الإمداد المنتظم بقطع الغيار، هناك الكثير من الأمور المهمة للغاية في الحرب: استبدال القطع والذخيرة والأسلحة الجديدة. يتم تقديم الدعم اللوجستي، بالإضافة إلى مئات الموظفين الفنيين الموجودين هناك للحفاظ على كل الأمور والعناية بها، من قبل أجانب. لذلك، فإن الولايات المتحدة لديها قدر هائل من النفوذ إذا أرادت استخدامه.
منظمة (DAWN): ردًا على مقتل جمال خاشقجي، قال الرئيس المنتخب بايدن “إنهم [السعودية] سيُعاقبون” وأنه سيجعل الأمر واضحًا للغاية بـ”أننا لن نبيع المزيد من الأسلحة لهم.” مع استمرار انتهاكات حقوق الإنسان التي نراها في المملكة والأزمة اليمنية، هل ستتوقف الولايات المتحدة عن بيع الأسلحة للسعودية وتُظهر انزعاج واشنطن واستيائها من السياسات السعودية؟
غاري سيك: الذي أتوقعه هو أنه لن يقول الأمريكيون: “أصلحوا الأمر، وأطلقوا سراح جميع السجناء لديكم، وإلا سنتوقف عن توفير المعدات العسكرية.” لا أعتقد أن هذا سيحدث. أعتقد أن الأمر سيبدأ من اليمن.
لقد قرأ السعوديون نفس التقارير التي قرأتموها، وهم يدركون تمامًا أن بايدن سيأتي بمجموعة مختلفة من المصالح التي سيتعين عليهم أخذها في الاعتبار.
أتوقع أنه في الشهر الأول أو الثاني من إدارة بايدن، سيطلق السعوديون بهدوء سراح العديد من السجناء السياسيين.
ستحدث الكثير من الأمور التي لم تحدث من قبل. هل سيتم حل جميع الأمور؟ على الأرجح لا، لكني أعتقد أنهم سيرون الخطر، وسيتخذون بعض الإجراءات الوقائية لمنع الولايات المتحدة من الضغط عليها بشدة. ومن ثم ستكون هناك فترة تفاوض.
سيتم تعليق بعض طلبات توريد الأسلحة للسعودية، في انتظار المزيد من الإجراءات من جانب السعودية.
تم التأكيد لمحمد بن سلمان على أن ترامب يسانده. سيخشى بالتأكيد من تغيّر ذلك. سيكون موقفه مختلفًا بشكل كبير عما هو عليه الآن.
منظمة (DAWN): هل ستغير إدارة بايدن المسار وتحد من الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لدول مثل مصر والإمارات والسعودية، وتميل أكثر نحو مبادئ حقوق الإنسان ومبدأ “عدم الإضرار” بصورة أفضل من ترامب أو حتى إدارة أوباما؟
غاري سيك: نعم. إنها مسألة مستويات. من خلال مراقبة السياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط لأكثر من نصف قرن، سيكون من الصعب علي أن أكون متحمسًا.
جاء أوباما بمجموعة واضحة جدًا من الأفكار حول الديمقراطية. وكان جورج بوش قد خاض غمار كامل مجال بناء الديمقراطية. كلاهما كانا مفرطين في الطموح، أو على الأقل فشل كلاهما في تغيير الظروف بشكل كبير.
حاول أوباما العمل عن طريق الإقناع، والذي حقق بعض النجاح، ولكن دعونا نكون صريحين، لم ينجح في إنجاز المهمة. سيكون بايدن في مكان ما بينهما.
منظمة (DAWN): يمكن لجو بايدن رفع السرية بسرعة عن الوثائق الحكومية الأمريكية المتعلقة بقتل جمال خاشقجي. هل سيقوم بهذا الفعل البسيط للمساعدة في تحميل محمد بن سلمان المسؤولية عن دوره في جريمة القتل؟
غاري سيك: من المرجح جدًا أن يستخدم بايدن هذه المعلومات الاستخباراتية كنقطة ضغط لإقناع ولي العهد بأنه سيكون من الحكمة جدًا التعاون.
أيضًا، هناك أمور لا يمكنك تغييرها في قضية جمال خاشقجي، وهذا لا يعني أننا نسيناها، ولكن يعني أنه لا يمكن عكس التاريخ.
لا أعتقد أن بايدن سيأتي بفكرة طرد ولي العهد والتدخل في الجوانب الداخلية للعائلة المالكة.
هذا سيفاجئني كثيرًا إنه ليس أسلوب بايدن، وهي لعبة خاسرة في النهاية، لأنه مهما كان رأيك في محمد بن سلمان، فإنه لن يرحل بهدوء.
سوف يأتي بايدن بمجموعة من الأهداف. أعتقد أن اليمن سيكون على رأس تلك القائمة، وربما يكون السجناء السياسيون على رأس تلك القائمة أيضًا فيما يتعلق بالسعودية.
ربما يُنصح بعدم محاولة التدخل ولعب دور صانعي الملوك في المملكة العربية السعودية. سيكون بايدن حكيمًا.
أعتقد أن العلاقة ستكون أكثر برودة. كان موقف ترامب يعتمد للغاية على المقايضات، لقد أنفقت السعودية للتو مبالغ طائلة في الولايات المتحدة لخلق فرص عمل وشراء الأسلحة… وهذه صفقتنا. لا أعتقد أن بايدن سيرفض هذا النموذج تمامًا، لكنه سيطالب بثمن أعلى بكثير.