أخبار

السعودية على طريق العجز الأكبر: إنفاق طموح وأسعار نفط أضعف تُغرق الموازنة

توقعت الرياض أن تواجه عجزًا ماليًا أعمق في 2025 مما كان متوقعًا سابقًا، بعدما رفعت وزارة المالية تقديراتها للعجز إلى 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 2.3% في التقدير السابق وذلك في ظل إنفاق طموح وأسعار نفط أضعف تُغرق الموازنة.

وقد أحدث الإعلان الحكومي موجة قلق اقتصادي وسياسي داخل الدوائر الرسمية والأسواق، إذ يجمع خبراء على أن ضعف عائدات النفط مع استمرار الإنفاق الكبير على مشاريع «رؤية 2030» هما السبب الجوهري وراء تدهور المؤشرات المالية.

وتعكس قراءة الأرقام واقعًا مألوفًا في اقتصاد ريعي مرّ بفترات من الفائض والانتعاش عندما كانت أسعار النفط عند مستويات قياسية، لكنه اليوم يواجه اختبارًا جديدًا: انخفاض خام برنت بنحو 10% هذا العام ليهبط إلى مستويات دون 68 دولارًا للبرميل.

في حين تُقدِّر جهات رسمية وخبراء أن سعر التعادل الحقيقي للموازنة أعلى بكثير — تقديرات بلومبرغ إيكونوميكس تضعه عند نحو 94 دولارًا، ويصعد إلى نحو 111 دولارًا عند حساب الإنفاق المرتبط بصندوق الثروة السيادي.

عجز حكومي أكبر

في بيان ما قبل الميزانية قالت وزارة المالية إن النهج المتبع يظل «مرنًا ومتوازنًا» مع استعداد لتعديل وتيرة الإنفاق. لكن التحفظات تأتي من محللين يعتقدون أن الحكومة ستتحمل عجزًا أكبر «لعام أو نحو ذلك» لدعم النشاط الاقتصادي.

كما أن المراهنة على انتعاش الإيرادات تدريجيًا لا تحجب المخاطر؛ فهبوط أسعار النفط المستمر سيضرب العوائد ويجعل التعافي المالي أكثر هشاشة، خصوصًا مع التزام الرياض بإنفاق مئات المليارات على مشاريع تنويع الاقتصاد.

للمدّة القريبة، تنبأت وزارة المالية بتحسّن تدريجي: عجز 3.3% في 2026، و2.3% في 2027، و2.2% في 2028. لكن هذه المعادلة تفترض انخفاض الإنفاق بعد 2025 ثم عودته مجددًا، وما يثير الشك لدى خبراء مستقلين هو قدرة السلطات على تنفيذ خفض الإنفاق كما خططت.

وقال تيم كالين، الخبير السابق لصندوق النقد الدولي في السعودية، إن الهدف لعام 2026 «متفائل» وربما يتجاوز العجز 4% إذا لم يُخفض الإنفاق فعليًا.

وتواجه السعودية التي يبلغ اقتصادها نحو 1.1 تريليون دولار تبعات اقتراضها المكثف، حيث جمعت الدولة ما يقارب 20 مليار دولار من سندات مقومة بالدولار واليورو هذا العام، وهنالك دلائل أنها قد تتجاوز مستويات الاقتراض القياسية السابقة.

ولم تُخفِ وزارة المالية نيتها مواصلة الاقتراض واستخدام «خيارات تمويل بديلة» لتمويل العجز، مع وعود بالإعلان عن خطة اقتراض 2026 قبل نهاية العام. لكن تكاثر الديون يضع المملكة أمام اختبار ثقة الأسواق في سياق تصاعد الضغوط المالية العالمية.

إدارة الإنفاق الحكومي

يؤكد مراقبون أن إدارة الإنفاق وإعادة ترتيب أولويات مشاريع «رؤية 2030» باتت ضرورة، لا رفاهية؛ وقد بدأت بالفعل ملامح مراجعات لبعض المشاريع الطموحة، وفق ما تشير إليه وثائق ما قبل الميزانية.

وفي هذا الإطار تقول مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، إن «الإنفاق فوق الميزانية يبرز استعداد الحكومة لتحمّل عجز أكبر لدعم النشاط الاقتصادي، لكن الخطر الرئيسي استمرار انخفاض أسعار النفط».

مع ذلك، لا تغفل الحكومة مؤشرات قدرتها على الصمود: القطاع غير النفطي يواصل تمدده، وشكل نحو 56% من الناتج المحلي الحقيقي في النصف الأول من العام، كما أن وكالة «إس آند بي» رفعت تصنيف السعودية الائتماني مؤخرًا إلى مستوى +A، وهو مؤشر ثقة في سياسة إعادة المعايرة للمشروعات.

لكن هذه الإشارات الإيجابية لا تُبطل حقيقة أن توازن الموازنة ما زال هشًا وإدارة الإنفاق وتعويل الإيرادات غير النفطية سيحسمان مسار الاستدامة المالية.

وبحسب المراقبين فإن على الرياض اليوم أن تختار بين الحفاظ على وتيرة إنفاق طموحة لتحقيق النمو والتحوّل الاقتصادي، أو حزم النفقات لتفادي تعميق العجز ورفع مستوى الاقتراض.

ويتطلب الخيار الثاني قرارات سياسية صعبة وإصلاحات هيكلية أسرع، أما الأول فيحمل معه مخاطر مالية واضحة إذا لم يرتفع سعر النفط أو تنجح الحكومة في تعويض الفجوة عبر نمو غير نفطي أسرع وأكثر استقلالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى