تتفاعل قضية إعلان وزارة العدل الأميركية عن اتهام اثنين من الموظفين السابقين بموقع التواصل الاجتماعي تويتر بالتجسس لصالح نظام آل سعود “وكونهما عميلين غير شرعيين لحكومة أجنبية”.
وقال النائب العام الأميركي ديفيد أندرسون -في بيان- إن “الشكوى الجنائية تتّهم عناصر سعوديين بالبحث في الأنظمة الداخلية لتويتر من أجل الحصول على معلومات شخصية عن معارضين سعوديين والآلاف من مستخدمي تويتر”.
وأضاف أن “قوانين الولايات المتحدة تحمي الشركات الأميركية من اختراق خارجي غير شرعي كهذا، ولن نسمح باستخدام الشركات الأميركية أو التكنولوجيا الأميركية أداة للقمع الخارجي وانتهاك قوانين الولايات المتحدة”.
وقال مساعد المدعي العام الأميركي للأمن القومي إن المتهمين عملوا في الولايات المتحدة، بإشراف وتوجيه من مسؤولين سعوديين، وحصلوا على معلومات خاصة عن مستخدمي تويتر المعارضين للحكومة السعودية.
وأضاف أن سلوك المتهمين يتعارض مع حرية التعبير التي تأسست عليها الولايات المتحدة.
من جانبه، قال جاي تاب مساعد المدير التنفيذي في مكتب التحقيقات الفيدرالي إن المكتب سيتابع أولئك الذين يتجاهلون القوانين والمبادئ الديمقراطية للبلاد.
واتهم السعودي علي آل زبارة (35 عاما) والأميركي أحمد أبو عمو (41 عاما) باستخدام صفتهما كموظفين في تويتر للحصول على عناوين بروتوكول الإنترنت والبريد الإلكتروني وتواريخ الولادة من حسابات على تويتر، ونقل هذه المعلومات بعد ذلك إلى الرياض.
وقدم آل زبارة في 2015 معطيات عن ستة آلاف حساب على الأقل وخصوصا حول معارض سعودي لجأت عائلته إلى كندا، كما ورد في محضر الاتهام.
وتم القبض على أحد الموظفين السابقين في ولاية واشنطن، في حين لا يزال الثاني مطلق السراح، ويُفترض أنه موجود في المملكة.
كما تم اتهام شخص ثالث، وهو السعودي أحمد المطيري (30 عاما)، بأنه كان مبعوث الرياض للموظفين السابقين، كما يشتبه بأنه ساعد آل زبارة على الفرار من الولايات المتحدة في نهاية 2015 بعدما طرحت عليه إدارة تويتر أسئلة للمرة الأولى.
ووفقا للشكوى الجنائية المؤلفة من 27 صفحة، فإن موظفي تويتر راقبا حسابات تويتر المستهدفة في 2015 وغادرا الشركة في وقت لاحق من ذلك العام.
وكان الدور الأبرز للزبارة الذي كان يعمل مهندس ويب في تويتر، حيث وصل -وفقا للشكوى- إلى بيانات أكثر من ستة آلاف مستخدم، وبسبب وظيفته في الشركة كان بإمكانه الوصول إلى عناوين بروتوكول الإنترنت “آي بي” (IP) الخاصة بالمستخدمين المستهدفين، بالإضافة إلى عناوين بريدهم الإلكتروني وأرقام هواتفهم، وسجل كافة أفعالهم على المنصة في أي وقت محدد، وفقا لوزارة العدل.
أما أبو عمو فكان يعمل مدير شراكة إعلامية في تويتر، ويتهم بتزوير المستندات والإدلاء بتصريحات خاطئة لمكتب التحقيقات الاتحادي.
وقال ممثلو الادعاء إن الموظفين السابقين متهمان بإساءة استخدام منصبيهما في تويتر في مقابل المال وغيره من المزايا.
ويبدو أن أبو عمو تجسس على العديد من الحسابات بين نهاية 2014 وبداية 2015 مقابل ساعة فاخرة ومبلغ 300 ألف دولار على الأقل.
وقالت وزارة العدل الأميركية أن المطيري وآل زبارة يقيمان في المملكة على الأرجح، موضحة أنها أصدرت مذكرتي توقيف بحقهما.
أما أبو عمو الذي كذب على محققين لمكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) جاؤوا لاستجوابه في أكتوبر/تشرين الأول 2018، فقد أوقف الثلاثاء في سياتل بشمال غرب الولايات المتحدة.
ويفيد محضر الاتهام أن الأشخاص الثلاثة كانوا ينفذون توجيهات مسؤول سعودي لم تكشف هويته يعمل لصالح شخص أطلق عليه المحققون تسمية “عضو العائلة المالكة-1”. وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” بأنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وقال بيان لوزارة العدل إن الثلاثة يواجهون -في حال إدانتهم- عقوبة السجن عشر سنوات، وغرامة تقدر 250 ألف دولار، في حين يواجه أبو عمو عقوبة إضافية مدتها عشرون عاما، وغرامة قدرها 250 ألف دولار، بتهمة تدمير سجلات أو تغييرها أو تزويرها.
ويأتي توجيه الاتهام إلى هؤلاء بينما ما زالت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية متوترة على خلفية جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول العام الماضي.
وحملت خبيرة في الأمم المتحدة ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه) ولي العهد السعودي مسؤولية مقتله.
وتثير هذه الملاحقات من جديد تساؤلات عن قدرة مجموعة تويتر العملاقة المتمركزة في كاليفورنيا، على حماية البيانات السرية لمستخدميها، خصوصا في مواجهة الأنظمة القمعية.
وتشكل هذه القضية فصلا مربكا جديدا لتويتر بعد قرصنة حساب رئيسها جاك دورسي في سبتمبر/أيلول الماضي.
وقال أحد الناطقين باسم دورسي “نحن واعون للجهود التي يبذلها أطراف سيئون لمهاجمة خدمتنا”. وأضاف “نحن نحصر إمكانية الوصول إلى المعلومات الحساسة بعدد قليل من الموظفين”.
وتابع “ندرك المجازفة الكبيرة التي يقوم بها الذين يستخدمون تويتر لتقاسم آرائهم ومطالبة الذين يجلسون في السلطة بالمحاسبة”، مؤكدا أن تويتر تملك أدوات لحمايتهم.
وجاء توقيت الإعلان عن الاتهامات بالتزامن مع زيارة مديرة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) جينا هاسبل للرياض، التقت خلالها الملك سلمان بن عبد العزيز، ليفتح الباب أمام أسئلة تتعلق بمستقبل علاقات الدولتين.
ولم يخرج أي تصريح رسمي أميركي حول مغزى توقيت أو أسباب الزيارة. وجدير بالذكر أن وكالة الاستخبارات انتهت إلى خلاصة مفادها أن اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي العام الماضي في قنصلية بلاده بإسطنبول ما كان سيحدث دون علم ولي العهد محمد بن سلمان.
تعد حالة تجسس تويتر الحالة الأولى التي يتم فيها توجيه اتهامات للسعودية بالتجسس داخل أميركا، وقد تأخذ علاقات الدولتين بعدها منحى غير مسبوق يضاف لما سببته عملية قتل خاشقجي من شرخ كبير.
وقد يصل الأمر إلى توجيه اتهامات فدرالية للأشخاص الثلاثة، قد تصل عقوبتها إلى السجن لعشر سنوات مع دفع غرامة تصل لربع مليون دولار للمواطنين السعوديين، إضافة لعقوبة جريمة تدمير وتزوير السجلات في تحقيق فدرالي التي تصل عقوبتها إلى السجن عشرين عاما للمتهم الأميركي أحمد أبو عمو.
وكشفت عريضة الاتهام التي جاءت في 27 صفحة قيام المتهمين بالكذب على محقق مكتب التحقيقات الفدرالي، وعدم إدراكهم بأن تحركاتهم واتصالاتهم وتعاملاتهم المالية مرصودة بدقة.
وقال المدعي العام في القضية ديفد أندرسون في بيان إن “الشكوى الجنائية تتهم عناصر سعودية بالبحث في الأنظمة الداخلية لتويتر من أجل الحصول على معلومات شخصية عن معارضين سعوديين والآلاف من مستخدمي تويتر”.
كما فصّلت عريضة الاتهام تفاصيل تواصل المتهمين عبر البريد الإلكتروني والمحادثات الهاتفية مع ممثل للحكومة السعودية، وتحدثت عن توقيت إجراء المكالمات الهاتفية وكم استغرقت من دقائق وثوانٍ.
وتحدث الكاتب بصحيفة واشنطن بوست ديفد إجناشيوس عن دوافع السعودية من التجسس، وقال لشبكة بي بي أس، “يدرك محمد بن سلمان أن السيطرة على النقاش في تويتر تستحق المخاطرة، حيث يمكن التأثير فيما يقوله ويكتبه وما يفكر فيه الشعب السعودي من أجل مزيد من السيطرة”.
ويرى الباحث بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ديفد آرون ميلر أنه “من المدهش أن تخاطر الحكومة السعودية عقب مقتل خاشقجي بأن تترك عملاءها ممن لهم علاقات قوية مع بن سلمان يتجسسون داخل الولايات المتحدة، لا عجب (من ذلك) بعدما أكد ترامب أنه لا توجد أي مخاطر على علاقات الدولتين”.
وقال ميلر في تغريدة إن التجسس السعودي يوفر دليلا إضافيا على أن السعودية ليست حليفا للولايات المتحدة، وأنها “نظام قمعي يقوده شخص مستبد لا يكترث بمصالح أو مبادئ الولايات المتحدة”.
من ناحيته، تحدث المسؤول السابق بوزارة الخارجية والأستاذ بجامعة “جورج واشنطن” وليام لورانس للجزيرة نت عن تبعات الكشف عن عملية التجسس السعودية، وقال إنها ستدفع لزيادة الانتقادات الموجهة للسعودية على خلفية انتهاكاتها لحقوق الإنسان، من قبل الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية داخل الولايات المتحدة.
ونظرا لارتباط حالة التجسس بتويتر -وهو الموقع الذي يستخدمه أغلب السياسيين والإعلاميين الأميركيين- فسيضاعف ذلك من النظرة السلبية للنظام السعودي، خاصة بين النشطاء المهتمين بقضايا الحريات وأعضاء الكونغرس.
وأضاف لورانس أن العلاقات القوية بين الولايات المتحدة والمملكة قد لا تتأثر على المدى القصير خلال حكم ترامب، لكن هذه الأفعال ستؤثر دون شك على استمرار تدهور صورة النظام السعودي في الأوساط الأميركية.
أما الباحث بمعهد السياسات الدولية بن فريمان فأكد أن حادثة تويتر لم تمثل مفاجأة له، إذ إن “تويتر يمثل أحد الأدوات المهمة التي تستخدمها السعودية لبسط نفوذها والتحكم بالخطاب الدعائي المساند لها”.
وأضاف أن السعودية أسست عدة حسابات لتشويه سمعة قطر عقب الحصار عليها قبل أكثر من عامين، ولم يكن القائمون على الحسابات يعملون من داخل قطر أو السعودية، بل من داخل شركة علاقات عامة بواشنطن، حسب قوله.
ووافق فريمان على ما توصل له ميلر ولورانس من احتمال عدم تأثر علاقات الدولتين على المدى القصير، مضيفا للجزيرة نت “للأسف لا أتصور أي تغيير في طبيعة العلاقات حتى بعد تجسس السعودية على مواطنين أميركيين، وهذه الفضيحة تدفعنا للضغط على تويتر لمواجهة طرق تعيين موظفيه حتى لا يقع في خطأ تعيين جواسيس مرة أخرى”.