السعودية توسع بهدوء بيع الكحول للأجانب: انفتاح يكشف تناقضات الحكم

في خطوة جديدة تعمّق مسار التحولات الاجتماعية المثيرة للجدل في السعودية، تكشف صحيفة نيويورك تايمز أن المملكة توسع بهدوء في بيع الكحول لغير المسلمين من حملة “الإقامة المميزة”، بعد عقود طويلة من الحظر التام.

وأبرزت الصحيفة أن ذلك تم بخطوة دون إعلان رسمي، وبمزيج من الغموض والتعتيم، لتضيف حلقة جديدة إلى سلسلة تغييرات اجتماعية يقودها ولي العهد محمد بن سلمان، تُطبَّق بسرعة لافتة وبدون شفافية، في محاولة لإعادة تشكيل صورة المملكة داخليًا وخارجيًا في آن واحد.

متجر بلا لافتة… وطوابير تنتظر الويسكي

لأكثر من سبعين عامًا، بقيت السعودية واحدة من أكثر الدول تشددًا في حظر الكحول. لذلك، حين بدأت تتردد شائعات عن متجر بلا لافتة داخل الحي الدبلوماسي في الرياض يبيع الويسكي والشامبانيا لغير الدبلوماسيين، لم يمض وقت طويل حتى اصطفت السيارات الفاخرة عند بابه الحديدي.

والمتجر، الذي كان مخصصًا سابقًا للدبلوماسيين فقط، أصبح في الأسابيع الأخيرة—بحسب خمسة من زبائنه—مفتوحًا للمقيمين الأجانب من غير المسلمين ممن يحملون “الإقامة المميزة”، وهي صفة تمنح عادةً للأثرياء والموظفين في قطاعات حساسة.

ورغم غياب أي إعلان رسمي، تشير شهادات زبائن التقواهم الصحيفة إلى مشهد محموم داخل المتجر؛ اندفاع لشراء الزجاجات الثمينة، أسعار مضاعفة—حيث تجاوز سعر نبيذ متوسط الجودة 85 دولارًا—ونظام حصص شهرية مربوط بأرقام الهويات السعودية. تفاصيل ترجّح—كما يشير الزبائن—أن المتجر حكومي التشغيل أو على الأقل بإدارة مشتركة مع جهات رسمية.

صمت رسمي… وتطبيق حكومي يُنظّم دخول “السوق السرية”

اللافت أن السلطات السعودية لم تعلن شيئًا. لا قرار، لا بيان، لا تفسير. فقط واقع جديد يترسخ تحت السطح. وحتى التطبيق الإلكتروني الذي يُستخدم للدخول إلى المتجر—المطور من هيئة الزكاة والضرائب والجمارك—يعزز الشبهات حول الدور الحكومي المباشر.

هذا الصمت، كما يرى خبراء، ليس جديدًا؛ إذ بات سمة أساسية لنهج السلطات السعودية في التغيير الاجتماعي منذ صعود ولي العهد. تغييرات كبيرة تحصل دون إعلان رسمي، وربما دون استعداد مجتمعي، ما يمنح السلطة هامش التراجع إذا احتاجت، ويمنع أسئلة الداخل من التفاعل أو الاعتراض.

ومنذ 2016، ألغت السعودية الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة، وسُمح للمرأة بالقيادة، وامتلأت المملكة بالحفلات المختلطة والمهرجانات الموسيقية. لكن كل خطوة من هذه الخطوات تمت بنفس الأسلوب: غموض، ثم واقع جديد يفرض نفسه دون مشاركة المجتمع، ودون أجهزة رقابية حقيقية.

اليوم، يأتي ملف الكحول ليجسد هذا النهج بأوضح صوره. فالسعوديون لم يُستشاروا، ولم تُطرح المسألة للنقاش العام، ولم تسمح بيئة القمع السياسي لأي معترض بأن يتحدث أو يناقش أو ينتقد. حتى المفتي العام الجديد، الذي عُيّن مؤخراً ليكون أكثر قربًا من رؤية ولي العهد، لم يصدر منه أي تعليق.

ضغط لجعل المملكة “صالحة للغرباء”

لا تخفي التقارير الدولية أن السعودية تبحث عن طرق لزيادة جاذبيتها للعمالة الأجنبية المؤهلة، وهي تواجه منافسة شرسة من دبي والدوحة. والكحول، كما يرى خبراء، جزء من “الباقة” التي تتوقعها كثير من الكفاءات الغربية.

كما تستعد المملكة لاستضافة كأس العالم 2034، وهو حدث سيجذب مئات الآلاف من الزوار، كثير منهم يعتبر توفر الكحول أمرًا بديهيًا في أي وجهة سياحية عالمية.

إضافة إلى ذلك، يشير اقتصاديون إلى أن السعودية، رغم ثروتها النفطية، تواجه ضغوطًا مالية متزايدة، وعجزًا متوقعًا، ما يدفعها نحو أي موارد إضافية—ومن بينها الضرائب المرتبطة بمبيعات الكحول، التي أثبتت دبي أنها مصدر ربحية هائلة.

“تحرير اجتماعي” أم إعادة هندسة قسرية للمجتمع؟

في العمق، لا يتعلق النقاش فقط بالكحول، بل بنمط الحكم وإدارة التغيير. فالسعودية اليوم تشهد واحدة من أسرع عمليات التحول الاجتماعي في المنطقة، لكنها تتم من الأعلى إلى الأسفل، بدون مشاركة حقيقية من المجتمع، ووسط قمع سياسي شامل يجعل أي صوت مختلف معرضًا للملاحقة.

وهو ما يجعل خطوة توسيع بيع الكحول ليست مجرد مسألة “تجارية” أو “سياحية”، بل مثالًا على كيفية توجيه شكل المجتمع الجديد وفق رؤية فرد واحد، دون مؤسسات مستقلة أو نقاش عام.

وما يجري اليوم يقول إن السعودية لم تعد تسعى فقط إلى فتح أبوابها للعالم، بل إلى إعادة تشكيل نفسها بما يتناسب مع متطلبات الاستثمار والفعاليات الضخمة والسياحة الواسعة—لا بالضرورة بما يتناسب مع قيم مجتمعها أو نقاشاته الداخلية.

ومع استمرار الغموض، وغياب الشفافية، وتوسع السوق “الحكومية” السرية للكحول، يصبح السؤال الأبرز: هل تبني السعودية انفتاحًا حقيقيًا يشارك فيه المجتمع… أم مجرد “واجهة” مصممة خصيصًا للأجانب والفعاليات الكبرى، بينما يبقى الداخل خارج الحوار؟.