وثّق تقرير حقوقي شهادات صادمة لانتهاكات خطيرة ضد معتقلين فلسطينيين وأردنيين في سجون المملكة العربية السعودية.
وقال تقرير حقوقي صدر عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومقره جنيف، إن الانتهاكات تشمل احتجازهم تعسفيًا منذ مطلع عام 2019، وتعرضهم للتعذيب الجسدي والعزل والإهمال الطبي المتعمد.
وأعرب التقرير عن بالغ قلقه إزاء تدهور الوضع الصحي لعدد من المعتقلين الفلسطينيين والأردنيين في السجون السعودية والذين مضى على اعتقالهم ما يزيد على العامين دون مراعاة الإجراءات القضائية الواجبة.
وكشف أن أكثر من 60 فلسطينيًا وأردنيًا من المقيميين في المملكة جرى اعتقالهم من جهاز أمن الدولة السعودي، بحجة توجيه دعم مالي للفصائل الفلسطينية
وتم إيداع هؤلاء في سجونٍ مختلفة من ضمنها الحائر، وذهبان، وشعار، ودمام وعسير، دون تمكينهم من حقوق الدفاع القانونية.
وذكر التقرير أنّ المعتقلين طلبة وأكاديميين ورجال أعمال وعاملين في مؤسسات إغاثية، تم عزلهم عن العالم الخارجي لعدة أشهر، كما تم تجميد حساباتهم ومصادرة أموالهم.
وأشار إلى أنّ المعتقلين تعرّضوا لانتهاكات خطيرة داخل السجون، إذ حصل على شهادات من معتقلين سابقين وعائلات معتقلين حاليين توثّق تعرّضهم لظروف احتجاز قاسية.
شهادة حية
قال “س.ل” (رموز تعبيرية حفاظًا على سلامته) وهو أحد المعتقلين القلائل الذين أفرج عنهم من السجون السعودية ضمن حملة الاعتقالات التي استهدفت أردنيين وفلسطينيين:
“اعتقلت لنحو 12 شهرًا في سجن الحائر، منها 3 أشهر بالعزل الانفرادي. وأضاف “طوال مدة احتجازي لم توجه لي أي تهمة، ولم يخبرني أحد بسبب الاحتجاز، ولم أعرض على أي محكمة”.
وحول ظروف الاحتجاز، ذكر “كانت ظروف السجن صعبة للغاية، إذ عمدت إدارة السجن إلى تعطيل التهوية في غرف السجن وتكديسها بأكثر من طاقتها الاستيعابية”.
وبين المعتقل السابق في السعودية أنه “لم يكن مسموحًا لنا التعرّض لأشعة الشمس سوى مرة واحدة شهريًا ولمدة عشر دقائق فقط، ولم يكن مسموحًا الشراء من بقالة السجن سوى أشياء محدودة جدًا ومرة واحدة كل 3 أشهر”.
وأردف “كان يُسمح لنا بدخول دورة المياه لمدة دقيقتين فقط في اليوم، فضلًا عن أن كمية الطعام كانت قليلة، ونوعيته كانت رديئة للغاية”.
وأشار التقرير إلى أنّ حملة الاعتقالات التعسفية التي شنتها السلطات السعودية في فبراير/شباط 2019 لم تكن الوحيدة
إذ شنّت السلطات مجددًا حملة اعتقالات تعسفية مماثلة في فبراير/شباط 2020.
وطالت الاعتقالات عددًا آخر من الفلسطينيين المقيمين في السعودية لنفس التهمة المتمثلة في جمع تبرعات لصالح المناطق الفلسطينية ودعم الفصائل الفلسطينية.
وفي معرض شهادته للأورومتوسطي، أكّد المعتقل السابق تعرّضه للتعذيب، فقال: “تنقلت بين أقسام مختلفة مخصصة للتعذيب داخل السجن،
والتقيت أيضًا بمعتقلين أخبروني بتعرّضهم للضرب والشبح والصعق بالكهرباء، والحرمان من رؤية الضوء لشهور، وكان من بينهم مرضى قلب وأمراض مزمنة”.
وفيما يتعلّق بالتواصل مع العائلة أفاد “كان يُسمح لنا بالاتصال بالعائلة مرة واحدة أسبوعيًا ولمدة عشر دقائق فقط، وكان هناك موظف يستمع إلى المكالمة بتفاصيلها كافة، دون أدنى مراعاة للخصوصية”.
ولفت الأورومتوسطي إلى أن عددًا من المعتقلين يعانون من أوضاعٍ صحية غاية في الخطورة يُخشى من تفاقمها، خاصةً في ظل ظروف الاحتجاز المتردية التي تتصف بها السجون ومراكز الاحتجاز في المملكة.
الخضري وفرحانة
ووثق التقرير شهادات لعائلات معتقلين في السجون السعودية؛ من بينهم الدكتور الفلسطيني محمد الخضري (83 عامًا)
والصحفي الأردني عبد الرحمن فرحانة (64 عامًا)، واللذان تشهد حالتهما الصحية تدهورًا كبيرًا وسط إهمالٍ متعمد من سلطات السجون.
وفي إفادة حصل عليها الأورومتوسطي من عبد الماجد الخضري شقيق المعتقل محمد الخضري حول وضعه الصحي داخل المعتقل،
قال “إن شقيقه يعاني من سرطان البروستاتا ويحتاج إلى رعاية ومتابعة طبية وصحية لا تتوفر في العيادات الطبية في السجون السعودية”.
وأضاف “نخشى من تفاقم حالته وتدهور صحته في ظل تفشي وباء كورونا. وبسبب الإهمال الطبي وعدم المتابعة، أصبح شقيقي يعاني من صعوبة في المشي
وسقطت بعض أسنانه، كما أنّه لا يستطيع تحريك يده اليمنى، ويعاني من صعوبة في المشي ما جعله يعتمد على الكرسي المتحرك”.
وتابع: عاد الورم السرطاني إلى النمو من جديد بسبب الإهمال المتعمد وعدم وجود العلاج أو التخصص الطبي المطلوب في سجون السعودية.
أدخل شقيقي أخيرًا إلى عيادة السجن التي تفتقر إلى المقومات المفترض أن تكون في العيادة الطبية في الوضع الطبيعي، ولم يتم تقديم أي مساعدة طبية تذكر.
ووثق الأورومتوسطي كذلك إفادة أحد أقرباء المُعتقل الأردني “عبد الرحمن فرحانة”، والذي تحدث فيها عن الوضع الصحي للمُعتقل داخل السجون السعودية.
وقال: “يعاني عبد الرحمن من عدة أمراض؛ منها الضغط والسكري وضعف تروية الدماغ، حيث مُنع أثناء اعتقاله من أخذ الأدوية اللازمة له.
أثناء الاعتقال كُسرت نظارته الطبية التي يرتديها بسبب ضعف لديه في النظر، ولم تسمح سلطات السجن بعمل نظارات له حتى هذه اللحظة”.
وأشار الأورومتوسطي إلى أن السلطات السعودية بدأت محاكمات جماعية سريّة للمعتقلين الفلسطينيين والأردنيين في 8 مارس/آذار 2020، في المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض.
واستمرت المحاكمات لمدة عام كامل موزعة على 14 جلسة، بمعدل 3 إلى 5 موقوفين في الجلسة الواحدة، وجهت من خلالها المحكمة مجموعة من التهم للمعتقلين؛ تضمنت “الانتماء لكيان إرهابي ومساعدة كيان إرهاني وإعانته”، دون التطرق إلى أي توضيح حول ماهية هذا الكيان.
مطالبة حقوقية
وفي 15 فبراير/شباط الماضي، عٌقدت الجلسة الأخيرة من هذه المحاكمات، حيث كان من المفترض أن تعقد جلسة النطق بالحكم بعد أسبوعين من الجلسة الأخيرة،
إلا أن المحكمة وبشكلٍ مفاجئ أجلت البت في القضية 4 أشهرٍ كاملة، لتصبح في 21 يونيو/حزيران القادم.
وقال المدير الإقليمي للمرصد الأورومتوسطي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنس جرجاوي “إن القرار بالتأجيل لم يكن مفهومًا بإطاره القانوني، خاصةً أن المحاكمات استغرقت وقتًا طويلاً،
وجاءت بعد عامٍ كامل قضاه المعتقلون في السجون دون محاكمة، ودون تمكينهم من أدوات الدفاع القانونية المكفولة لهم قانونًا”.
وأضاف “جميع التهم الموجهة للمعتقلين تستند لمجموعة من المواد الواردة في نظام مكافحة الإرهاب السعودي لعام 2017، وهو نظام يتضمن تعريفاتٍ غامضة وفضفاضة فيما يتعلق بالإرهاب والأعمال المرتبطة به،
الأمر الذي يبعث على القلق من نية السلطات السعودية استخدام هذه المواد لتجريم المتهمين”.
وأكد المرصد الأورومتوسطي أن الممارسات التعسفية ضد المحتجزين تنتهك القوانين الدولية ذات العلاقة،
كما تخالف الميثاق العربي لحقوق الإنسان والذي صادقت عليه السعودية في عام 2009، والذي ضمن للمعتقلين الحق في الحرية والحق في التقاضي خلال مهلة معقولة.
ودعا المرصد السلطات السعودية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين، وتقديم الرعاية الطبية والصحية العاجلة للمرضى من المعتقلين، ووقف جميع الانتهاكات الإجراءات التعسفية بحقهم.
وطالب الفريق الأممي المعني بالاحتجاز التعسفي بالتدخل العاجل للكشف عن مصير المعتقلين والوقوف على ظروف وأسباب احتجازهم، والتحقيق في تعرّضهم لانتهاكات خطيرة داخل السجون.