اعتبرت تقديرات إسرائيلية أن ولي العهد محمد بن سلمان يلجأ إلى التطبيع التدريجي مع إسرائيل عبر خطوات متتالية بغرض إنقاذ مستقبله بعد أن أصبح شخصية منبوذة في الولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم أن تطبيع العلاقات وتحقيق “السلام” بين إسرائيل والإمارات مؤخرا، وفق محللين إسرائيليين “خطوة رائدة” من شأنها أن “تغير الوعي” في الشرق الأوسط تجاه إسرائيل، إلا أنها لا تكفي لإثبات صحة ونجاعة خطة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي توصف بـ “صفقة القرن” -المقترحة من ترامب- من دون انضمام السعودية.
وسعيا لمواصلة قطار التطبيع، تعمل إدارة ترامب -وبالتنسيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- بشكل مكثف، بين عدة دول في الشرق الأوسط، للموافقة على توقيع اتفاقيات تطبيع مع تل أبيب، بغرض تعزيز التحالف الإسرائيلي الإماراتي.
ولتحقيق ذلك، تراهن واشنطن على اختراق الموقف السعودي الذي عاد وأعلن عن تبني الموقف الفلسطيني والمبادرة العربية للسلام بحسب تقديرات إسرائيلية.
ويبدو أن واشنطن -كما تل أبيب- على قناعة بأنه في حال اختراق الموقف السعودي والدفع بموقفها المهادن من التطبيع، فهذا سيسمح للعديد من الدول العربية والإسلامية بالسير على خطى الإمارات، والتوقيع على اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل.
وبدا فتح أجواء السعودية لحركة الطيران العالمي، من وإلى مطار بن غوريون، أولى خطوات التطبيع العلني بين تل أبيب والرياض كما أجمعت تقديرات إسرائيلية وأمريكية.
ويعتقد محلل الشؤون العربية والشرق الأوسط بصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، تسفي برئيل، أن السعودية ورغم فتح أجوائها أمام جميع شركات الطيران العالمية -دون ذكر كلمة إسرائيل- ما زالت حذرة بتطبيع العلاقاتو تقديرات الخطوة، بحيث سيعتمد التطبيع الرسمي والعلني على الدعم السياسي الذي ستتلقاه السعودية من الولايات المتحدة.
وبحسب برئيل فإنه وبسبب اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية فإن ترامب “يسعى جاهدا للتلويح بإنجاز سياسي مثير للإعجاب حيث يمكنه أن يوظفه في الحملة الانتخابية، بعد انهيار معظم مبادراته السياسية بما في ذلك صفقة القرن” مشيرا إلى أن مبادرات ترامب المختلفة “تسببت في قلق عميق بين جميع الأطراف”.
وفي سباق مع الزمن، يواصل كوشنر زياراته واتصالاته بالرياض سعيا للإعلان عن تطبيع إسرائيلي سعودي برعاية أميركية على غرار النموذج الإماراتي، إلا أن المقابل الذي ستحظى به المملكة مقابل هذه الخطوة لا يزال غير معلوم.
ومن وجهة نظر و تقديرات المحلل الإسرائيلي ذاته، فإن بن سلمان يواجه عددا من التحديات منذ اغتيال مواطنه الصحفي جمال خاشقجي، قبل نحو عامين، إذ أصبح بن سلمان شخصية غير مرغوب فيها لدى الرأي العام والكونغرس الأميركيين.
وخلال هذه الفترة، يوضح المحلل الإسرائيلي، لم يزر بن سلمان واشنطن، ويمثل مصالحه شقيقه الأمير خالد الذي كان سفيرا لواشنطن حتى عام 2019، ثم عين نائبا لوزير الدفاع ورئيسا لهيئة الصناعة العسكرية.
ولفت المحلل الإسرائيلي إلى أنه لم تنته بعد التحقيقات ضد بن سلمان بشأن اغتيال خاشقجي، في وقت حظر الكونغرس بيع الأسلحة للرياض، وهو قرار أبطله الرئيس.
ويجزم برئيل بأن ولي عهد السعودية في حاجة ماسة إلى إحداث تغيير يعيد له اعتباره ومكانته، بعد أن بدأ صديقه الشخصي ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد ينافسه بنجاحه في تشكيل سياسة جديدة للشرق الأوسط، وكشخصية عربية أقرب إلى ترامب.
وقال المحلل الإسرائيلي “قد يكون السلام مع إسرائيل خطوة رائدة قبالة واشنطن، ولكن مقارنة بالإمارات، فإن وضع السعودية أكثر تعقيدا”.
لكنه يضيف “إن أوراق المساومة التي يملكها بن سلمان محدودة في الوقت الراهن، إذ لا يمكنه التأكد من أن ترامب سيظل رئيسان ويجب أن يأخذ في الاعتبار أن جو بادين قد يكون على الأرجح الرئيس المقبل للولايات المتحدة، علما بأن حكم الحزب الديمقراطي ليس بالضبط حلم بن سلمان”.
ويقول المحلل الإسرائيلي إن هذا المعطى “قد يلعب لصالح دفع التطبيع السعودي مع إسرائيل قدما، سواء كان ترامب رئيسا لولاية ثانية أو في حال فوز منافسه، فقد تمهد إسرائيل الطريق لدعم العلاقات بين بن سلمان وواشنطن”.
لذلك، يعتقد المحلل الإسرائيلي أن “فتح الأجواء السعودية أمام الطائرات الإسرائيلية وغيرها أكبر بكثير من مجرد إلقاء بعض الفتات، وإظهار الدعم السعودي لاتفاق التطبيع بين إسرائيل والإمارات، بل ينظر إليه على أنه دفعة أولى لما يريد بن سلمان الحصول عليه من ترامب”.
ورغم أهمية فتح السعودية أجواءها أمام تطبيع الطيران، فإن الخبير الإسرائيلي بالشؤون العربية والدول الإسلامية، يوني بن مناحيم، لا يعتبره اختراقا للموقف السعودي المعلن تجاه القضية الفلسطينية، ومعاودة تبنيها المبادرة العربية كركيزة للسلام مع إسرائيل على أساس دولتين لشعبين.
وأوضح الخبير الإسرائيلي أن السعودية التي تعتبر دولة مهمة، وتقود المعسكر السني، لديها علاقات سرية مع إسرائيل لفترة طويلة، لكنها “تخشى إخراجها إلى العلن عبر التطبيع الرسمي بهذه المرحلة”.
لذلك من المهم للغاية -يؤكد بن مناحيم- أن تقوم الولايات المتحدة وإسرائيل باختراق الموقف السعودي التقليدي، وإقناع بن سلمان، من أجل توقيع اتفاق تطبيع مع إسرائيل.
ويجزم الخبير الإسرائيلي بأن مثل هذه الخطوة ستوجد حالة “تأثير الدومينو” الكبير بالشرق الأوسط، وأن الدول العربية ستسرع للانضمام إلى السعودية وتوقيع اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.
لكن -يتساءل بن مناحيم ما الذي حدث وراء الكواليس؟ لماذا توقف بن سلمان ولم يتبع الإمارات التي أظهر ولي عهدها شجاعة سياسية غير مسبوقة، ووافق على الإعلان علنا عن تحقيق اتفاق التطبيع مع إسرائيل؟
وإجابة عن هذه التساؤلات، عزا الخبير الإسرائيلي ذلك إلى خشية بن سلمان من حدوث اضطرابات داخلية في السعودية إذا اتخذ مثل هذه الخطوة، ومخاوفه من احتمال أن قطر وإيران ستعملان ضد الرياض لإحباط اتفاق التطبيع مع تل أبيب.
ويعتقد أن اختراق الموقف السعودي مهمة صعبة لكنه في غاية الأهمية، ويرجح بأن المعلومات السرية التي بحوزة الاستخبارات الأميركية وترامب المقرب جدا من القصر الملكي بالرياض، بشأن التحقيق باغتيال خاشقجي، قد تكون السبب لتشكيل ضغوطات مستقبلا على بن سلمان للموافقة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ويمكن أن يتم ذلك على مراحل وخطوات متدرجة.