لا يعدو إعادة تطبيع العلاقات الذي أقدم عليه ولي العهد محمد بن سلمان مع نظام بشار الأسد في سوريا إلا صورة عن تصالح الطغاة وخدمة مشتركة للحكم الاستبدادي في بلديهما.
ووصفت صحيفة Financial Time البريطانية تطبيع الدول العربية بقيادة السعودية مع نظام بشار الأسد بأنه عبارة عن “وصفة مأساوية للفشل”، لأنه تطبيع مع طاغية يواجه سيلاً من الدعاوى القضائية الدولية، وسنوات من العقوبات على جرائمه بحق شعبه.
وأكدت الصحيفة أن على وزير الخارجية السعودي، الذي ذهب لمقابلة بشار الأسد؛ أن يدرك بأن المساومة مع الطغاة محكوم عليها بالفشل، وأن يتذكر بأن استمرار تغطيتهم على الرئيس السوداني السابق عمر البشير، رغم صدور أحكام من المحكمة الجنائية الدولية ضده.
وشددت على أن بشار الأسد مازال لا يشعر بأي ندم، بالرغم من قتله مئات الآلاف من السوريين، في حملته الوحشية لقمع المعارضة، واختفاء عشرات الآلاف الأخرين، فلماذا يزوره الوزراء العرب؟، هل توقف تدفق المخدرات من سوريا إلى دول عربية، وخاصة السعودية؟.
ورأت الصحيفة أن هناك درسا يجب أن يتعلمه المسؤولين العرب الذين يشقون طريقهم إلى دمشق؛ وهو أن المساومة مع الطغاة، سواء كانوا جالسين في قصر رئاسي، أو يرتدون ملابس عسكرية، هي مسألة محكوم عليها بالفشل.
في هذه الأثناء رأت دراسة تحليلية صادرة عن موقع (Modern Diplomacy)، أن محمد بن سلمان يرغب بتحقيق أهداف داخلية وخارجية عبر إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، جمدت الجامعة مقعد سوريا حين شرع رئيس النظام السوري بشار الأسد في استخدام القوة العسكرية لقمع احتجاجات شعبية اندلعت في ذلك العام للمطالبة بتداول سلمي للسلطة، مما زج بالبلاد في حرب أهلية مدمرة.
وذكرت الدراسة أنه “مع تولي محمد بن سلمان ولاية العهد (عام 2017)، سعى إلى إتباع سياسة خارجية مختلفة تماما”.
وقال “لذلك لم تعد الولايات المتحدة الحليف الوحيد للمملكة نظرا لاعتبارات شخصية ووطنية، كما تعهد الرئيس (الأمريكي جو) بايدن خلال حملته الانتخابية بعدم التعامل مع بن سلمان لاتهامه بقتل الصحفي جمال خاشقجي السعودي الذي يحمل الجنسية الأمريكية (داخل القنصلية السعودية بإسطنبول في 2018)”.
وأضافت أن “المملكة بدأت تتجه شرقا نحو روسيا والصين، بحثا عن حليف قادر على استبدال الولايات المتحدة في المستقبل؛ لأن العلاقة مع واشنطن استراتيجية ومتجذرة ولا يمكن أن تنتهي بسرعة”.
وتابعت أنه “عندما اندلعت الحرب (الروسية) في أوكرانيا (مستمرة منذ 24 فبراير/ شباط 2022)، ازدادت أهمية المملكة للعالم في ظل العقوبات الأمريكية والغربية على موسكو، وحاجة العالم وأوروبا إلى النفط السعودي”.
وأبرزت الدراسة أنه “نتيجة لذلك، جاءت زيارة الرئيس الصيني (شي جين بينغ) للمملكة (في ديسمبر/ كانون الأول الماضي)، وعقد ثلاث قمم بالسعودية (صينية سعودية، خليجية صينية، عربية صينية) لترسيخ أهمية المملكة كقائد لدول المنطقة العربية”.
ولفتت الدراسة إلى أن السعودية أجرت مصالحة مع إيران (حليفة بشار الأسد)، و”كانت مفتاح حل العديد من القضايا الخلافية في المنطقة، لا سيما القضية السورية”.
وبوساطة الصين، وقَّعت السعودية وإيران في 10 مارس/ آذار الماضي اتفاقا لاستئناف علاقتهما الدبلوماسية خلال شهرين، بعد قطيعة استمرت 7 سنوات بين بلدين يقول مراقبون إنهما يتصارعان على النفوذ في المنطقة عبر وكلاء في دول منها سوريا واليمن ولبنان والعراق.
وأضافت أن بن سلمان، وعبر إصلاح العلاقات مع الدول الأخرى، “يريد تعزيز سيطرته على المملكة والتأكد من انتقال السلطة إليه في المستقبل بهدوء وسلاسة، خاصة وأن هناك معارضة له داخل الأسرة الحاكمة لأنه سيكون الملك الأول من غير أبناء الملك عبد العزيز المؤسس”.
وتابعت أنه يريد أيضا “الاهتمام بالوضع الداخلي وتنفيذ رؤية المملكة 2030 (التنموية)، والعمل على تحسين سمعة المملكة في العالم عبر البدء بسياسة الانفتاح الشامل”.