تتصاعد الانتقادات من أوساط برلمانية وإعلامية في فرنسا لنظام آل سعود على خلفية ما يتورط به من جرائم وانتهاكات داخل المملكة وخارجها خصوصا في حرب اليمن.
فقط استنكر عدد من النواب الفرنسيين دوامة الاستبداد التي قالوا إنها غدت نهجا لنظام آل سعود بدءا باغتيال الصحفي جمال خاشقجي وليس انتهاء بالانتهاكات التي تعرضت لها ناشطات مثل لجين الهذلول، وطالبوا حكومة بلادهم بتوضيح طبيعة علاقاتها مع هذا البلد الذي يشتري منها الأسلحة ليستخدمها في حربه على اليمن.
ووقع النواب عريضة أوضحوا فيها أهمية المملكة الفريدة على المستويين الديني والاقتصادي، وسلطوا فيها الضوء على سياسات ولي العهد السعودي الاستبدادية وقبضته الحديدية التي حكموا عليها بالفشل، مؤكدين أن الوقت قد حان كي تعود المملكة لسياسة رزينة تحترم حقوق الإنسان الأساسية.
ونشر الموقعون الرسالة في مدونة بموقع ميديابارت الفرنسي، وجاء فيها أن النظام الحاكم في المملكة “منهمك بشكل متزايد في استبداد قمعي مثير للقلق”.
وقالت الرسالة إن منعطف الرياض الاستبدادي بدأ مع ظهور محمد بن سلمان الذي دفعه طموحه الملتهب ورغبته الجامحة في الاستحواذ على كل مفاصل القوة إلى إسكات أي صوت مخالف.
وفي غضون عامين ها هو سجله في احترام حقوق الإنسان يمثل مصدر قلق، فمن خلال إقدامه على حملة تخويف واسعة النطاق شملت القبض على أفراد بارزين من عائلته بشكل غير لائق تمكن بن سلمان من فرض قبضة حديدية أراد عبرها إعادة تشييد جدار الخوف الذي كان الربيع العربي قد تسبب ولو لفترة قصيرة في تحطيمه.
ومثل هذه الإستراتيجية محكوم عليها بالفشل وتؤدي إلى نتائج عكسية وذلك لثلاثة أسباب على الأقل، أولا: الأنظمة التي تخنق تطلعات شعوبها وتضطهد مواطنيها -والتاريخ يثبت ذلك- محكوم عليها بالزوال.
وأكدت الرسالة أن إستراتيجية الترويج المنتشرة في كل حدب وصوب والتي تهدف إلى تقديم بن سلمان بوصفه الرجل القوي المصلح الليبرالي قد وصلت إلى طريق مسدود منذ انتشار خبر اغتيال الصحافي جمال خاشقجي والانتهاكات التي لحقت بالناشطات، بمن فيهن لجين الهذلول، مواطنة الشرف لمدينة باريس (التي ما زالت وراء القضبان حتى الآن).
وأشارت إلى تدهور صورة بن سلمان على الساحة العالمية بشكل حاد، وقرر نظام آل سعود قبل عامين تقريبا اعتقال عشرات المفكرين والليبراليين لا لشيء إلا لأنهم عبروا عن نوع من النقد للنظام القائم.
ولا شك أن القضية الأكثر رمزية بين هؤلاء هي حالة المفكر سلمان العودة الذي يعتبر أحد رجال الدين الإصلاحيين الأكثر نفوذا في العالم الإسلامي والمشهور حتى بين النخب الأكاديمية الغربية، وهو اليوم في وضع مثير للقلق.
وكما هي حال العودة لا يزال عشرات السجناء السياسيين الآخرين يقبعون في السجون في ظروف تنذر بالخطر، وقد صدر حكم بالإعدام على بعضهم، وكل شيء يدعو إلى الاعتقاد بأن الأسوأ آتٍ.
وبعيدا عن صورة بلد طوى صفحة الظلامية الدينية، ضاعفت الرياض بالفعل عمليات الإعدام هذه السنة، إذ نفذت الإعدام مؤخرا في 37 شخصا في يوم واحد، مما تسبب في موجة من السخط في جميع أنحاء العالم، ومما يعد دليلا على تحيز النظام القضائي أن معظم الضحايا كانوا من الأقلية الشيعية وبعضهم كانوا قاصرين وقت المحاكمة.
وشددت الرسالة على أنه لا يمكن للحرب الضروس التي تشنها الرياض على اليمن وما يصاحبها من جرائم ضد الإنسانية إلا أن تلقي بظلال من الشك على زعامة دولة تحارب واحدة من أفقر الدول على وجه الأرض، ولا يعني هذا أبدا أننا نبرئ مليشيات الحوثيين (التي تدعمها طهران بشكل غير مباشر)، لكننا نؤكد أن هذه الحرب التي تشنها المملكة بالتعاون مع الإمارات يجب أن تتوقف دون تأخير، لأن عواقبها الإنسانية فظيعة وقد تزعزع استقرار منطقة من العالم هي بالفعل في عين العاصفة.
ولكل هذه الأسباب، دعت الرسالة المملكة للعودة إلى سياسة محسوبة تحترم حقوق الإنسان الأساسية، وعلى الدول الغربية -بما فيها فرنسا- تحمل مسؤولياتها في عدم التغاضي عن تجاوزات النظام السعودي الحالي المترنح، وإلا سيكون من الضروري الاعتماد على حشد المجتمع المدني العالمي الذي يظهر أكثر فأكثر من بريطانيا إلى النرويج أنه لا يمكن التضحية بالمثل العليا العالمية للعدالة والقانون والحرية من أجل العقود التجارية مهما كانت مربحة.
في هذه الأثناء تساءل موقع أوريان 21 الفرنسي عما ظلت المملكة تفعله طوال السنوات الخمس الماضية في اليمن، باستثناء التفجيرات والعمليات العسكرية أو ما سماه بجرعة الدواء المر؟ وعن إستراتيجيتها هناك؟
وخصص الموقع مقالا للصحفي اليمني مصطفى ناجي، قال فيه إنه وبعد أكثر من أربع سنوات من القتال، أصبح اليمن جزرا تقودها مليشيات مرتبطة في الغالب بدول خارجية، وأصبح الجيش غير مركزي والاقتصاد يتخبط، والسعودية في مواجهة ذلك متقلبة وعديمة الإحساس، كما لو أنها ليست لديها سياسة تريد تنفيذها، والنتيجة -كما يقول ناجي- أن اليمن صار مستنقعا لدول التحالف وجحيما لشعبه المعاقب بعدم وجود إرادة دولية لتسوية النزاع.
ويمضي الكاتب ليقول إنه وبعد كل هذه السنوات، لا تزال موازين القوى بين المتحاربين في اليمن غير واضحة المعالم، من حيث الفائز المحتمل ومسؤولية القوى الخارجية.
وأضاف أن الصيف المنصرم كان قاسيا على اليمنيين المهتمين بسيادة بلادهم ووحدتها، لأنه أظهر انقسامات الجبهة التي تقاتل المتمردين الحوثيين، وحدثت فيه السيطرة على عدن من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي بدعم الإمارات، ليهرب منها أعضاء الحكومة الذين كانوا يعملون بصورة خجولة هناك.
وفي مواجهة هذه الفوضى في المعسكر المناهض للحوثيين كما يقول ناجي، يحاول السعوديون الحفاظ على المظاهر، ويسلطون الضوء على الوساطة بين الإماراتيين والحكومة اليمنية التي تهدد بطرح القضية في مجلس الأمن الدولي، علما بأن السعودية تريد الاحتفاظ بالملف وترفض التدويل.
ويرى الكاتب أنه كلما طالت فترة الصراع يصبح الأمر أكثر تعقيدا، وذلك لأمور منها: أن الأزمة الإنسانية تزداد سوءا مما يبث الرعب بين الأسر بعد أن أصبح الموت يوميا تقريبا، ومنها أن الانقسام في المعسكر المناهض للحوثيين يجعل المتمردين أكثر طمعا في الانتصار مما يدفعهم إلى الزهد في الحلول السياسية.
وقال إن الحوثيين الواثقين جدا من قدرتهم على إلحاق المزيد من الضرر بصورة السعودية والوصول إلى أهداف إستراتيجية في قلبها، يتحدثون بفخر عن “مصالحة وطنية” من شأنها أن تضعهم في قلب الأمور وتجلب لهم الاعتراف الدولي، دون تقديم أي تنازلات، وهم يطمحون الآن لإسقاط شرعية الحكومة المعترف بها في قرار مجلس الأمن 2215.
ويرى الكاتب أن السعودية -في مقابل الحوثيين- تبدو معرضة لتهديدات غير مسبوقة، بعد إصابة بناها التحتية بضربات متكررة، مما أظهر هشاشة المملكة مقابل القفزة التكنولوجية التي قام بها الحوثيون الذين ضربوا مطار أبها في يونيو/حزيران 2017، ثم قاموا -بحسب زعمهم- بهجوم سبتمبر/أيلول المكثف على مواقع النفط.
وتبدو السعودية غير قادرة على مواجهة إيران أو تغيير الوضع في اليمن. وبحسب الكاتب، فإن القادة والكتاب السعوديين يتساءلون عما إذا كان الشركاء الإقليميون والدوليون قد خدعوهم، وعما إذا كان ما يدعمونه طوال السنوات الخمس الماضية هو بالفعل حكومة يمنية؟